بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : سلطان محمد الحازمي.
إجمالي القراءات : ﴿5661﴾.
عدد المشــاركات : ﴿4﴾.

الإنسان في صراع مع نفسه حتى ينتصر عليها أو تنتصر عليه أو يبقى الصراع قائماً، والمعركة سجالاً، إلى أن يدركه الموت وهو على ذلك : (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا • وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) (الشمس : 9 - 10) وإلى هذا المعنى يشير الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : (تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً / عوداً، فأيما قلب أُشربها نكت في قلبه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نكت في قلبه نكتة بيضاء، حتى تصير على أحد قلبين : على أبيض مثل ألصفاه فلا تضره فتنة، والآخر أسود مربداً لا يعرف معروفاً ولا يُنكرُ منكراً).

■ والناس في معركة النفس أصناف ثلاثة :
1- صنف انتصرت عليهم أهواؤهم، فركنوا إلى الأرض وأخلدوا إلى الدنيا، وهؤلاء هم الكفرة ومن نهج نهجهم ممن نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ويصفهم في قرآنه : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ علَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (الجاثية : 23).
2- وصنف يجاهدون أنفسهم، ويصارعون أهواءهم فينتصرون تارة وينهزمون أخرى، يخطئون فيتوبون، يعصون الله فيندمون ويستغفرون : (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران : 135) وهؤلاء أشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (كل بني آدم خطاء، وخير الخاطئين التوابون).
ومما يروى في هذا المعنى عن (وهب بن منبه) أنه قال : أن إبليس لقي يحي بن زكريا عليهما السلام، فقال له يحي بن زكريا : أخبرني عن طبائع ابن آدم عندكم ؟ قال إبليس : أما صنف منهم فمثلك معصومون لا نقدر منهم على شيء، والصنف الثاني : فهم في أيدينا كالكرة في أيدي صبيانكم وقد كفونا أنفسهم.
3- والصنف الثالث : فهم أشد الأصناف علينا، فنقبل على أحدهم حتى ندرك حاجتنا منه ثم يفزع إلى الاستغفار فيُفسد به علينا ما أدركنا منه، فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك حاجتنا منه.

■ مقومات النصر في معركة النفس.
• القلب : ما كان حياً رقيقاً صافياً صلباً مشرقاً لقول علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه : (إن لله تعالى في أرضه آنية وهي القلوب فأحبها إليه تعالى أرقها وأصفاها وأصلبها، ثم فسرها فقال : أصلبها في الدين، وأصفاها في اليقين، وأرقها على الإخوان) وقوله : (قلب المؤمن يزهر، وقلب الكافر أسود منكوس).
والقرآن الكريم يصور قلوب المؤمنين فيقول : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (الأنفال : 3) بينما يصور قلوب الكافرين فيقول : (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِالصُّدُورِ) (الحج : 46) ويقول : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد : 24).

• العقل : ما كان بصيراً، مدركاً، مميزاً، مقتبساً العلوم التي بها ينال القرب من الله ويدرك عظمته وقدرته وقوله تعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) (فاطر : 28) ولقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيمة هذه النعمة بقوله : (ما خلق الله خلقاً أكرم عليه من العقل) وقوله إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : (إذا تقرب الناس إلى الله تعالى بأنواع البر فتقرب أنت بعقلك) وقوله : (ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى).
ولذلك دفع الإسلام إلى العلم والمعرفة، وإلى التفقه في الدين، ليأخذ العقل من الأسباب ما يستعين به على التمييز بين الخير والشر والحق والباطل، فقال صلى الله عليه وسلم : (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) وقال : (فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي) كل ذلك لما للعلم من قيمة وأثر في تعميق الإيمان في النفوس وفي تعريف الإنسان على حقائق هذا الكون.
فعقل المؤمن عقل واع يميز بين الخير والشر، والحلال والحرام، والمعروف والمنكر لأنه ينظر فيه بنور الله من وراء ستر رقيق : (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) (النور : 40) ونور العقل لا يطفئه إلا المعاصي والدوام عليها والمجاهرة بها وعدم التوبة منها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (قارف ذنباً فارقه عقل لا يعود إليه أبداً) وقوله : (لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات والأرض).
وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : (لما دخلت على عثمان رضي الله عنه، وكنت قد لقيت امرأة في طريقي فنظرت إليها شزراً، وتأملت محاسنها، فقال عثمان لما دخلت : يدخل أحدكم وأثر الزنا على عينيه، أما علمت أن زنا العينين النظر ؟ لتتوبن أو لأعزرنك ؟ فقلت : أوحي بعد النبي ؟ فقال : لا، ولكن بصيرة وبرهان وفراسة صادقة).

■ مظاهر الانهزام النفسي.
إن الإنسان حين يموت قلبه أو يقسو وحين ينطفئ عقله أو يزيغ، إنه حين ينهزم في معركته مع الشيطان، تتكاثر مداخل السوء إلى نفسه خاصة وإن الشيطان يسري من ابن آدم مسري الدماء !
وان الإنسان حين تتحطم المقاومة والمناعة لديه يصبح الشيطان قرينه : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ) (المجادلة : 19) وإلى هذا المعنى تشير الآية الكريمة : (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ • ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) (الأعراف : 16 - 17).
وهذا وإن أخطر ما يصاب به المنهزمون هو مرض الوسوسة، يوسوس لهم الشيطان في كل شأن من شؤون حياتهم ليصدهم عن سبيل الله وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (إن الشيطان قعد لابن آدم بطرق فقعد له بطريق الإسلام فقال : أتسلم وتترك دينك ودين آبائك ؟ فعصاه وأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال أتهاجر ؟ أتدع أرضك وسماءك ؟ فعصاه وهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال : أتجاهد وهو تلف النفس والمال فتقاتل فتقتل فتُنكح نساؤك ويقسم مالك ؟ فعصاه وجاهد، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : فمن فعل ذلك فمات كان حقاً على الله أن يدخله الجنة) وحبذا لو يراجع الأخ القارئ (قصة الشيطان وراهب بني إسرائيل) في تفسير قوله تعالى : (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (الحشر : 16).

■ أسباب التحصن من مداخل الشيطان.
إن الإسلام يساعد الإنسان على مواجهة التحديات الشيطانية والإلقاءات الإبليسية أرشده إلى أمور كثيرة تساعده على الصمود في المعركة وتمكنه من الغلبة على أعدى أعدائه، وقد أجملها أحد الصالحين بقوله : نظرت وتفكرت من أي باب يأتي الشيطان إلى الإنسان، فإذا هو يأتي من عشرة أبواب :
• الأول : الحرص وسوء الظن فقابلته بالثقة والقناعة.
• الثاني : حب الحياة وطول الأمل، فقابلته بخوف مفاجأة الموت.
• الثالث : طلب الراحة وطلب النعمة، فقابلته بزوال النعمة وسوء الحساب.
• الرابع : العجب، فقابلته بالمنة وخوف العاقبة.
• الخامس : الاستخفاف بالناس وقلة احترامهم، فقابلته بمعرفة حقهم وحرمتهم.
• السادس : الحسد، فقابلته بالقناعة والرضى بقسمة الله تعالى في خلقه.
• السابع : الرياء ومدح الناس، فقابلته بالإخلاص.
• الثامن : البخل، فقابلته بفناء ما في أيدي الخلق وبقاء ما عند الله تعالى.
• التاسع : الكبر، فقابلته بالتواضع.
• عاشرها : الطمع، فقابلته بالثقة بما عند الله والزهد بما عند الناس.
ومن التوجيهات التي أكد عليها الإسلام لاتقاء سهام إبليس ومكائده ذكر الله تعالى في بدء كل عمل، وقد روي عن أبي هريرة في هذا النطاق الرواية التالية : (التقى شيطان المؤمن وشيطان الكافر، فإذا شيطان الكافر دهين سمين كاسر، وشيطان المؤمن مهزول أشعث أغبر عار، فقال شيطان الكافر لشيطان المؤمن ما لك مهزولاً ؟ قال : أنا مع رجل إذا أكل سمى الله فأظل عطشان، وإذا لبس سمى الله فأظل عرياناً وإذا أدهن سمى الله فأظل شعثاً، فقال شيطان الكافر : ولكن مع رجل لا يفعل شيئاً من ذلك، فأنا أشاركه في طعامه وشرابه ولباسه ؟).

ومن أسباب التحصن محاذرة الشبع والتخمة وإن كان حلالاًُ صافياً لقوله : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا) (الأعراف : 31) وقوله صلى الله عليه وسلم : (إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدماء فضيقوا عليه المجاري بالجوع).
ومنها قراءة القرآن وذكر الله تعالى والاستغفار، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان واضح خرطومه على قلب ابن آدم، فان هو ذكر الله تعالى خنس، وأن نسي الله تعالى التقم قلبه).
ومنها دفع العجلة والتثبت من الأمور لقوله صلى الله عليه وسلم : (العجلة من الشيطان والتأني من الله تعالى).
وإنه ليضيق المجال عن ذكر الأسباب والأعمال والوصايا التي أوصى بها الإسلام للتحوط من غوائل الشيطان ومكائده، وصدق الله تعالى حيث يقول: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ الله فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) (الأعراف : 201).

image سلطان محمد الحازمي.
كيف تنتصر على نفسك : (الأصناف ــ المقومات).
كيف تنتصر على نفسك : أسباب الفشل في السيطرة أو القيادة.
فهم الذات وحُسن إدارته.
السلامة في المنزل : السلامة المنزلية لحماية الأسرة.