من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : عبدالإله فرح.
إجمالي القراءات : ﴿35205﴾.
عدد المشــاركات : ﴿3﴾.

التخطيط والتنمية .. أية علاقة ؟
تتناول هذه الورقة موضوع علاقة التخطيط بالتنمية بمستواه العام فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح هناك دعوة إلى تنمية الدول المتضررة لما خلفته الحرب من دمار، الشيء الذي أدى إلى ظهور تيارات على مستوى الفكر تقدم مجموعة من المخططات سوسيو ـ اقتصادية للنهوض بالدول وتنميتها فماذا نقصد بمفهوم التخطيط ؟ وماذا نقصد بمفهوم التنمية ؟ وأي علاقة تربط التخطيط بالتنمية ؟

● مفهوم التخطيط :
يعد التخطيط بمفهومه العام "عبارة عن تحديد لمجموعة من الأهداف المتناسقة التي يراد تحقيقها وفق أولويات معينة، وخلال فترة زمنية محددة، مع اختيار لمجموعة الوسائل والإجراءات اللازمة لتحويل هذه الأهداف إلى وقائع" [1].
والتخطيط كما هو متعارف عليه في العلوم الاجتماعية يقصد به الإعداد المسبق للشيء وتنفيذه، وذلك وفق الأهداف المبرمجة، ويكون التنفيذ من خلال مراحل تنفيذية وزمنية، ويتميز التخطيط بأسلوب المعالجة، حيث يقوم بتقديم الحلول من خلال المخططات التنظيمية، ومن أشكاله : الخطط الخماسية والعشرية التي تنفذها بعض الحكومات للنمو والتقدم، وهناك أنواع من التخطيط مثل التخطيط الهيكلي والتخطيط الإداري، وهو الموجود في النظم الرأسمالية، وأيضاً التخطيط الوظيفي الذي يحدد الوظيفة التي تؤديها وحدات الهيكل ومحاولة تطوير وحدات الهيكل ذاته.

● مفهوم التنمية :
لمفهوم التنمية عدة تعريفات لكنها تشترك في أنها عبارة عن "عملية تغيير حضاري تستهدف الارتقاء بالمجتمع اقتصاديا وتكنولوجيا واجتماعيا وثقافيا، وتوظيف كل موارد المجتمع المادية والطبيعية والبشرية من أجل صالح الكل، خاصة تلك القطاعات والفئات الاجتماعية التي حرمت ردحاً طويلاً من الزمن في فرص النمو والتقدم" [2].
وقد جاء مفهوم التنمية في تعريف الأمم المتحدة في عام 1956 باعتبارها "العمليات التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين والحكومة لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية ولمساعدتها في الاندماج في حياة الأمة والمساهمة في تقدمها بأقصى قدر مستطاع" [3].
فهي عملية مقصودة تسعى إلى توفير الخدمات الأساسية للأفراد؛ أي : أنها تسعى إلى تحسين ظروف الحياة الفردية والمجتمعية، كما أنها عملية متوازية ومتساوية ترتبط بخلق أوضاع جديدة ومتطورة في كل المجالات والميادين.

● علاقة التخطيط بالتنمية :
منذ الحرب العالمية الثانية والعالم يتداول حول مفهوم التخطيط بمعناه الاقتصادي في سبيل معالجة المشاكل الاجتماعية التي تعرفها المجتمعات الإنسانية بهدف تقدمها ورقيها، من حيث تحقيق معدل النمو الاجتماعي والاقتصادي.
ولتنمية المجتمع عملت بعض الدول على توفير الأسس العلمية للتخطيط باعتمادها على خبراء ومختصين في مجال علم الاجتماع، علم الاقتصاد .. إلخ، لكي يتم وضع استراتيجيات وتدابير إما راديكالية أو تدريجية تسعى من خلالها إلى تطوير المجتمع حيث نرى أنه لا توجد تنمية خارج عن ما يسمى بالتخطيط التنموي فالهدف منه هو انتقال بالمجتمع من مرحلة أسوء إلى مرحلة أحسن وإلى مرحلة أفضل بكثير عن المراحل السابقة وذلك بالطبع لا يتحقق إلا بالاعتماد على بحوث (سوسيو ـ اقتصادية) الغرض منها هو تشخيص الواقع الاجتماعي وفهمه عن طريق (إجراء مسح متكامل لمعرفة الواقع المراد تغييره من حالة التخلف المركبة إلى حالة التقدم المتكامل الجوانب أي التنبؤ العلمي بما يراد الوصول إليه خلال منظور زمني محدد) [4].
وإذا أردنا أن نحقق تنمية للمجتمع، فإنه من اللازم أن يكون التخطيط التنموي تخطيط شامل وأكثر تكاملاً بحيث تشمل كل القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية، وهذا ما تقوم به الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، ودول الاتحاد الأوربي عبر اعتمادها على القوة البشرية لتحريك مؤسساتها عن طريق إمدادها بالأفكار والمعارف، فما يميز التخطيط هي النظرة الشمولية بحيث لا يقتصر فقط على قطاع معين دون آخر.
والتخطيط الشامل في مجال التنمية يتطلب اعتمادها على المقاربة التشاركية من خلال "وضع برنامج عمل يشارك في تحضيره جميع العاملين في الفروع الرئيسية، فيكون محصلة عمل جماعي وتنفيذه ملزم لهؤلاء جميعاً، وهذا الإلزام يعتبر صفة أسياسية أخرى من صفات التخطيط الشامل" [5]، كما أن التخطيط الشامل يركز بالدرجة الأولى على الإنسان، لأنه يسعى إلى رفاهيته والارتقاء به عبر مجموعة من الخدمات، لكنه لا يتحقق إلا بالتدريج.
إن أهمية التنمية ينتج عنها الزيادة في فرص الحياة عند الأفراد فالغاية منها هي تحقيق إنسانية الإنسان عبر العدل والمساواة معاً، وإحداث مجموعة من التغيرات الإيجابية في البناءات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والتكنولوجية، وحتى البيئية، وهذا الأمر يتعلق بوجود سلطة مركزية سياسية لها القدرة في التصرف وتنفيذ المخططات للبرامج التنموية.
من هنا يمكن القول أن تنمية المجتمع لا تتحقق إلا من خلال مشاركة كل الفاعلين من صناع القرار، ومجتمع مدني، ومختصين وأيضاً من خلال التخطيط الذي يقوم على البحث العلمي، والذي يعمل بدوره على تقصي الواقع الاجتماعي ميدانياً، بهدف التعرف على نقاط الضعف وتحديد احتياجاته من أجل الحفاظ على كرامته وحقوقه وإنسانيته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
■ الهوامش :
[1] مجيد مسعود ــ التخطيط للتقدم الاقتصادي والاجتماعي ـ سلسلة عالم المعرفة (73)، الكويت، يناير 1984، ص 7.
[2] كمال التابعي ــ تغريب العالم الثالث : دراسة نقدية في علم الاجتماع التنمية، ص 13 ــ 14.
[3] محمد شفيق ــ التنمية الاجتماعية : دراسات في قضايا التنمية ومشكلات المجتمع، المكتب الجامعي الحديث، ص 13.
[4] مجيد مسعود ــ التخطيط للتقدم الاقتصادي والاجتماعي، مرجع سبق ذكره، ص 12.
[5] نفس المرجع، ص 18.