من أحدث المقالات المضافة في القسم.

د. أحمد محمد أبو عوض.
عدد المشاركات : 705
1433/04/25 (06:01 صباحاً).
عدد المشاهدات :: ﴿﴿4018﴾﴾

قصة : عدالة السماء وأمانة الكيس الأحمر «3».
بينما كنت متجهاً لاستلام شهادة الدكتوراه من أربد إلى عمان يوم الأحد 29 / 4 / 2012م، سمعت قصة من محاضرة لفضيلة الشيخ الدكتور محمد الأبيض عبر إذاعة حياة أف أم الأردنية - وما اجذب أسلوب القصص بالدعوة والإرشاد والتربية والتعليم - يقول فضيلته :
ذهب ذلك الصحابي الجليل الشاب الوسيم الأمين بماله وما ملكت خزائنه للتجارة في بلد غير المدينة المنورة وعاش فترة طويلة ثم اختلفت الأحوال التجارية عليه حتى أصبح - صفر اليدين - فقرر أن يرافق بعض الحجاج إلى بيت الله الحرام ليحج ثم يعود إلى بيته وأولاده حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا ويلبي نداء ربه عند طلب الموت، فبينما هو يمشي في ردهات المسجد الحرام رأى كيساً أحمراً وبه عقد من الجواهر يكاد يضيء ليلاً أشد من نور النجوم والكواكب مجتمعة ؟ فأخذه ووضعه في جيبه وقام يصلي لله تعالى شكراً على هذه النعمة العظيمة والرزق الوفير الذي يمكن أن يرد عليه رأس ماله وأضعاف أرباحه.
فما أن سلم من صلاة النافلة حتى أقترب من المكان رجل وهو ينادي بصوت جهوري عال (من وجد الكيس الأحمر ونحن نكافئه ؟) فدعاه صاحبنا الصحابي الأول وقال له : أنا وجدت الكيس الأحمر فإذا كان لك فأعلمني ما بداخله وأمارة أو علامة لأرده لك في الحال.
فقال : إنه كيس لي بيمين الله ولونه أحمر وبداخله عقد من الجواهر.
فقال له صاحبنا : خذ هذا كيسك، بارك الله لك فيه.
فقال الرجل : لقد أقسمت أن أكافئ من يرد لي كيسي الأحمر، فهذا مبلغ من المال لك حلالاً زلالاً لك.
فقال صاحبنا الصحابي : وهل يجوز لي أن أرد الأمانة لأصحابها وآخذ عليها مكافأة زائلة ؟ أن مالك وأمانتك هي من حلالك ولك فقط.
فعاد الرجل الإمام صاحب الكيس الأحمر إلى بلده وبعد أن صلى صلاة الجماعة أو الجمعة بالناس اعلمهم بما حدث له في داخل المسجد الحرام مع الشاب الوسيم المؤمن الأمين .. حتى تمنى كل من سمع قصته أن يراه .. فما لبث الإمام إلا أياماً بعد عودته من الحج حتى توفاه الله تعالى (لكل أجل كتاب) ففي ذات يوم دخل شاب وسيم ذلك المسجد ليصلي جماعة فرأوه الناس جميعاً أن مظاهر الإيمان والتقوى تنبع من جنباته والورع يتدفق من قلبه .. فقالوا له : أيها الشاب الوسيم يسعدنا وأنت ضيف بلدتنا هذا اليوم أن تؤم بنا في الصلاة الجامعة.
فقال حباً وكرامة والله المعين، فعندما أمَّ بهم وسمعوا صوت ترتيله وتجويده ونقاء تلاوته جذب قلوبهم من صدورهم جميعاً وجلب من سمع وصف هذه القراءة رجالاً من بيوتهم ونساء من خدورهن فاتفقوا على أن يجعلوا له جعلاً (راتباً) ويؤم بهم بعد موت إمامهم وشيخهم السابق فوافق وقال : الله يعوض ما فاتني من أموال التجارة بما شاء في هذه البلدة الطيب هوائها والكرام أهلها والمؤمنون ذووها.
وبعد فترة من الزمن قالوا له : أيها الإمام أنت شاب أعزب ونحن جميع رجالنا متزوجون ولا يعقل أن تكون الأعزب الوحيد بيننا فلا بد لك أن تقبل بالزواج ببنت من بناتنا وأنت بيننا. فقال : قد قبلت ما دمتم أنتم الراغبون بي فلن أتخلى عن محبتكم ومودتكم لي وإيثاركم لي بإحدى بناتكم. فاتفقوا على أن يزوجوه أبنة يتيمة شابة لا يستحق جمالها وحسبها ونسبها بينهم إلا هو.
فاتفقوا على أن يذهبوا به إلى بيت البنت، فعرضوها عليه وفي جيدها ورقبتها عقد ؟ فرأى نفس العقد الذي وجده بالكيس الأحمر في المسجد الحرام والذي سلمه بيده نفسه لذلك الرجل العجوز. فحملق بالكيس فقط فلم ير قمراً مضيئاً آخر على سطح الأرض أو في هذا البيت فقط مثل قمر السماء ولم ير رمان صدرها الذي يذهب بلب كل حليم وقد استدارا نهداها ليلفتا عيون كل من يقول أنا الذكر الوحيد أو أنا رجل الزمان الفريد، أو ذلك الخصر النحيل الذي كأنه خلق من الله تعالى على خصر فرس عربية أصيلة منذ أن خلق الله الكون ولم ير عيون المها الواسعة التي تسحر كل شيخ وشاب أو ذلك الأنف الذي طال باستدارة كأنه بلحه حمراء أو خدين أملحين كانهما تفاحتين لصقتا على ذلك الوجه أو ذلك الجبين العريض الذي يتصبب عرقاً من الحياء من فتاة عذراء تقابل شاباً غريباً للموافقة على الزواج الشرعي بها بحضور وعلم كل رجال البلدة.
فازداد صبر الرجال وزاغت أبصارهم لفترة ثم فترة، حتى نفذ الصبر فقالوا له : أيها الإمام لقد أحرقت قلب الفتاة وأنت تنظر إلى العقد في جيد الفتاة ولم تنظر إلى وجهها أو تكلمها بالموافقة ! فترقرقت الدموع من عيني الإمام الشاب وقال : أيها الناس أن لي مع هذا العقد قصة ولا ولم ولن انسها طيلة حياتي. حيث أنني وجدته نفسه بكيس أحمر في المسجد الحرام وأنا في أشد الحاجة الماسة إليه بعد أن نفذت أموالي التي كانت لا تعد ولا تحصى فسمعت رجلاً يسأل : من وجد الكيس الأحمر ونحن نكافئه ؟ فقلت أنا وأعطيته الكيس الأحمر وبداخله هذا العقد نفسه.
فقالوا صدقت أيها الإمام، فقد حدثنا أمامنا المرحوم عن ذلك الشاب الأمين الوسيم في المسجد الحرام وقد دعا الله أن يرزق أبنته هذه بذلك الشاب نفسه أو مثله، فتزوج الشاب من تلك الفتاة وقامت الأفراح والليالي والملاح، ونزلت على الجميع المخلصين قلباً وقالباً رحمة الله وبركاته بل نزلت عليه جميعاً (عدالة السماء).
|| د. أحمد محمد أبو عوض : عضو منهل الثقافة التربوية.