من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : عبدالعزيز محسن المضواحي.
إجمالي القراءات : ﴿7242﴾.
عدد المشــاركات : ﴿6﴾.

كرة الثلج .. وآمال التربويين.
■ في لفتة تربوية فريدة قدم لنا الأستاذ بكر بن إبراهيم بصفر مدير عام التربية والتعليم (بنين) بمنطقة مكة المكرمة، إهداءً رائعاً أسفر عن سمو حسه التربوي، وعِظم همِّه ونهمه التربويين؛ إذ جمع لقاءين صحفيين لعلمين من أعلام التربية في المملكة العربية السعودية هما : الدكتور علي بن عبد الخالق القرني مدير مكتب التربية لدول الخليج العربي، والدكتور راشد بن حسين العبد الكريم رئيس الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية "جستن"، وكلاهما من صقور وزارة التربية والتعليم سابقاً.

"ومن الطريف أن أسئلة اللقاءين متماثلة كثيراً؛ كونها من نفس الصحفي، والفارق بينهما هو أن اللقاء الأول أجري في جريدة الحياة عام 1426هـ، وأجري الثاني في مجلة المعرفة عام 1429هـ، وتظل القضايا هي القضايا على مدى ثلاث سنوات، وفي هذا لفتة تستحق النظر والتفكير".

في هذين اللقاءين محطات تُطل على منطقتي الألم والأمل! بها أسئلة تحمل صفة العيار الثقيل، وإجابات مثقوبة تبدو منها كُوَّة الضوء المتشتت! لذا توقفت عند بعضها، وآثرت التأمل في السؤال وإجابتيه من كلا الضيفين، وقد ركزت في هذه المقالة على محورين فقط خشية الإطالة؛ أولهما ذو بُعْدٍ استراتيجي يتعلق بالقرار وغايات العمل التربوي في الوزارة، والآخر له بُعْدٌ تنفيذي يتعلق بأهم عناصر التربية والتعليم.
في البعد الاستراتيجي طُرح سؤال حول استباحة القرار التربوي من كل أحد، وهل التربويين المختصين مجرد أدوات تنفيذ ليس إلا ؟!
فجاء التأكيد على ذلك من كلا الضيفين، وقد عبَّر الدكتور القرني عن ندرة القرارات التربوية المبنية على أساس تخصصي أو على نواتج بحث تربوي "فالكل يدَّعي وصلاً بليلى".
في حين بيّن الدكتور راشد أن هذه الاستباحة هي من أهم أسباب الأزمة التربوية لدينا. فعندما يتولى اتخاذ القرار غير تربوي، وتكون آلية اتخاذ القرار غير مِهَنيَّة، يحصل الارتباك في العمل التربوي، وننشغل بالوسائل عن الغايات، ويكون عمل التربويين كإطفاء الحرائق !
وعلى نفس الامتداد الاستراتيجي جاء سؤال آخر حول المؤسسات التربوية، هل هي أسيرة لفكر أشخاص آحاد، تتبدل هويتها بتغيرهم بعد كل حين، وبالتالي فإنها دائماً ما تعود للصفر؟! وفي رأيي أنه ليس من قبيل الصدفة أن تتطابق إجابة الضيفين مع جذر هذا السؤال، فضيف اللقاء الأول يبرر لهذا البعد بأنها مسألة قناعات تتولد لدى من يتولى أمر التربية في أي زمان، بكونه قد امتلك الحل الحاسم لقضايا التربية، فتنشأ من هنا أحادية الفكرة التي يسعى لفرضها وتسفيه كل ما سواها.. في حين يرى الضيف أننا بحاجة إلى كل فكر؛ لتتراكم التجارب ويتحقق الإنجاز.
أما ضيف اللقاء الثاني فيؤكد بأنها "ثقافة طامة"، ولذا نحن نعيش في عمه تربوي، وقد نكون في مرحلة تيه، ويرجو أن لا نستغرق أربعين سنة حتى نخرج من هذا التيه !

يا الله ! جهاز مسؤول عن عقل وفكر أجيال الوطن المتعاقبة، يستبيح الدخلاء قراره، ثم إذا أصدر قراراً، أصدره عن فكر أحادي لا يرى إلا رأيه ؟! ثم تتقلص دورة حياة هذا القرار حتى أنها لا تتجاوز مدة بقاء صاحب القرار في منصبه !

إنها بحق نتيجة مؤلمة، نستلها من مقدمتين غير منطقيتين تتدثر بين ثنايا السؤالين أعلاه.
ولعلي أتساءل هنا أسئلة كبيرة، يحد أطرافها أضلاع أمل هذه الأمة، كيف ستسير عجلة التنمية وهذا حال محركها الأساس "وزارة التربية والتعليم" ؟! بل كيف ستضاء للقيادات الوسطى والتنفيذية مناطق العمل في الميدان التربوي؟! وكيف سيتدرج التلميذ صعوداً لبلوغ غايات التربية المعلن عنها ؟!
أما على صعيد البُعد التنفيذي المتعلق بأهم عناصر التربية والتعليم؛ وهي المعلم والمنهج والطالب، فقد تساءل الصحفي عن أهم مشكلة يتفق عليها الخليجيون ؟ وهل مناهجنا للاختبار فقط، أم للحياة وتفاعلاتها ؟
في نظر الضيف الأول أن مشكلة ضعف الحافز لدى الطلاب هي أهم مشكلة تواجه التعليم في دول الخليج، تليها مشكلة كفاية المعلمين وتدني إنتاجيتهم، ولذا يجب التوقف عند هاتين المعضلتين وحلها قبل الشروع في النظر إلى مشكلة المناهج؛ إذ أن تنفيذ أي مشروع لتطوير المناهج هو مزيد من الهدر المادي ومزيد من فقدان الثقة في المؤسسات التعليمية وفي التربويين. وعليه فإنه يتساءل: ما الطائل من منهج مطور في يد معلم غير فاعل؟ ومن حقيبة طالب تتثاقل خطاه إلى المدرسة كل صباح ؟!
في حين يرى الضيف الثاني أن رفع كفاية المعلمين يكون ببناء ثقافة المدرسة المتعلمة، فالتطوير التربوي والنمو المهني هو عبارة عن شبكة متداخلة من العناصر والأبعاد، وتطوير عنصر واحد أو بُعد واحد لا يفيد شيئاً، وبالتالي يجب أن نركز على المدرسة كوحدة للتطوير، ويكون التطوير من الداخل وبمشاركة جميع من في المدرسة.
أما ما يتعلق بالمناهج فقد أجاب بقوله : في مناهجنا ما هو للاختبار، وفيها ما هو لتفاعلات الحياة، المشكلة أننا جعلنا ما للاختبار للحياة وتفاعلاتها! وما هو للحياة وتفاعلاتها للاختبار، فصرنا نحيا للاختبار، ونختبر للحياة !
أرأيتم ! كيف يحق لي أن أتساءل عن كيفية تحقيق غايات التربية وعناصرها الفاعلة تعاني من كل هذا الوهن ؟!

■ هناك أمران عجيبان يستحقان التأمل في القراءة السابقة :
● أولهما : أن الفارق الزمني بين اللقاءين يصل إلى ثلاث سنوات، وكلا الإجابتين ما زالت تحمل صفة التشاؤم والإحباط، وهذا مؤشر خطير يدل على أن كرة الثلج المتدحرجة عبر سنوات العمل التربوي ما زالت تكبر شيئاً فشيئاً وستدمر الحقل التربوي ما لم يتم تداركها بقرار إداري جريء.
● ثانيهما : يتمتع الضيفين بفكر وجهد تربوي راق يشهد لهما من يعرفهما عن كثب، كما أن هناك الكثيرين ممن يعملون في رواق الوزارة ويتمتعون بنفس المستوى، إلا إني أتساءل لماذا لا تتناغم هذه الطاقات بصورة مؤسسية أفقياً ورأسياً لتصنع حائط صدٍِ لكل التحديات التي تحيط بالعمل التربوي؟ ولماذا لا تتكامل جهود المخلصين وفق خارطة الأمل المنشود ؟
لقد درسنا في الفيزياء أن القوى هي كمية متجهة، وإذا لم تكن في اتجاه واحد ستكون المحصلة هي ناتج طرح القوى المتعاكسة في الاتجاه، وبالتالي تتبدد القوى وقد تصل إلى الصفر !

■ أيها المخلصون الغيورون :
نريد أملاً يشرق كالفجر الصادق ليعم النور المستطير أرجاء الأفق. ولعل في مشروع خادم الشريفين لتطوير التعليم ما يبعث بالأمل ويُوَطِّن للفأل ويُفسح للرجاء، على أن تتسلمه إدارة ترى وتفكر من خارج الصندوق، ذات طاقات متناغمة، ولها أهداف محددة، وصلاحيات واسعة، متحررة من أغلال البيروقراطية المعيقة للعمل التربوي، فتختصر المسافة إلى أقصر حد بين مصدر القرار والتلميذ، تؤمن وتعمل بمبادئ الإدارة الحديثة، وتفسح للمبدعين المجال، وتعمل وفق الأولويات المتحتمة، وتمتلك خارطة البناء وتفاصيل التصميم.

■ أخيراً :
أتمنى أن نبدأ رحلة التغيير والتطوير بعكس اتجاه كرة الثلج، لعلنا نعود للقمة.