من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : عبدالعزيز محسن المضواحي.
إجمالي القراءات : ﴿10084﴾.
عدد المشــاركات : ﴿6﴾.

مقامات النشيد التربوي.
■ ذَهَبَ حُذَّاق علم الأصوات في العربية إلى تصنيف الأداء الملَحَّن في مجموعة تَرْتِيبَات صوتية ذات طابع موسيقي مُعَيَّن تسمى بالمقامات الصوتية، وقد جُمعت أوائل حروف هذه المقامات في قولك : (صُنِعَ بِسِحْرِك)؛ فيَدُلُّ حرف الصَّاد على مقام الصَّبَا، والنُّون: على مقام النَّهَاوند، والرَّاء : على مقام الرَسْتْ، وهكذا حتى ننتهي إلى ثمانية مقامات أساس. ويُقال إنَّ صوت الديك يعطي مقام الصَّبَا، وزئير الأسد يعطي مقام الرَسْتْ !

في ميدان التربية والتعليم يظل المعلم هو الصوت الوحيد الذي يصدح بكافة أنواع العلوم وهو الذي يترجم المقررات المخطوطة إلى عبارات منطوقة، تَقَرِّب المفهوم وتُوضح المبهم، وهو الذي يُنَزِّل القيم من أبراج المُثُل إلى أرض المشاهدة.
وفي الوقت نفسه تحاول الإدارة العامة للإشراف التربوي منذ قرابة ستة عقود أن تجعل كافة المعلمين يَصْدَحُون بنشيد تربوي يتناغم مع تطلعاتها وَوِفْق تعميماتها، إلا أن المتابع لهذا النشيد عادةً ما يسمع نشازاً يُعَكِّر مزاجه، ويتكرر هذا النشاز حتى أَلِفْنَا تجاوز كثير من المعلمين للأعراف والمقامات الإنشادية في التربية والتعليم ! رُغْم التطور الهائل الذي شهدته هذه الإدارة، وتغيير مسماها أكثر من مرة طيلة هذه العقود.

■ وفي تصوري أن سبب هذا النشاز هو القصور الواضح في التعامل مع السلالم الموسيقية للنشيد :
• أولها : سُلَّم التأهيل العلمي والتربوي للمعلم في الجامعة.
• والثاني : ضبابية سُلَّم التنمية المهنية للمعلم، فهو ليس بوضوح سُلَّم الرواتب !
• والثالث : لياقة اللعب على سُلَّم المقامات الإنشادية داخل الحصة الدراسية.
• والرابع : أن هناك من لا يبالي أصلاً بهذه السلالم ولا يهتم إلا بِسُلَّم مصالحه الشخصية.

وعليه يمكننا التخلص من نشاز النشيد التربوي بحسن التعامل مع هذه السلالم الثلاث، فيُسْنَد السُلَّم الأول لإدارة التخطيط والتطوير التربوي التي تحدد الحد الأدنى من الكفاية المهنية لتأهيل المعلم في الجامعة، كما ترسم له خارطة طريق واضحة لتنميته المهنية بعد تعيينه في الوزارة. أما السُلَّم الثاني : فيسند لإدارة التدريب التربوي للسير وفق تلكم الخارطة، فتأخذ بيد المعلم نحو إدراك الأوزان الموسيقية ليحترف اللعب على سُلَّم المقامات داخل حجرة الصف، ويساندها في ذلك الخبير المقيم في المدرسة. أما السُلَّم الثالث : فهو سُلَّم المحاسبية التي تضبط السلوك النشاز وِفْقَ النوتة الموسيقية، وإذا تَطَلَّب الأمر فإنها قد تنزعه من السُلَّم الموسيقي ألبته.

وبنظرة شمولية يُلاحظ في كل وظائف القطاع العام والخاص أن الرئيس المباشر هو الشخص المسؤول عن التنمية المهنية والمحاسبية لمرؤوسيه، ماعدا التربية والتعليم فإن الرئيس المباشر - وهو مدير المدرسة - ينازعه في الأمر مجموعة من الزُوَّار لا تتجاوز سويعات زيارتهم السنوية أصابع الكف الواحدة، فيتدخلون في التخطيط، والتنمية المهنية، والتقييم، والمحاسبية، حتى فَقَدَ مصداقيته، وصلاحيته، وَصِفَته كمشرف مقيم ! ولذلك كثيراً ما أتساءل بيني وبين نفسي - في ظل الظرف الزمني لهذه الزيارات الخاطفة - : هل الإدارة العامة للإشراف التربوي ورجالها الميدانيون هم لخدمة المعلم ؟ أم لخدمة برامجها الطموحة ؟ أم لخدمة بقية الإدارات في الوزارة ؟ أم للخدمات العامة. فيضيع المعلم في الخضم ؟ كما أنني أتساءل : لماذا نفترض أن المعلم - والمعلم فقط - لا يُحسن الترقي في سُلَّم التنمية المهنية إلا إذا دَفَعَه من الخلف مشرف زائر وآخر مقيم ؟

ما أتمناه هو أن نُرَكِّز طاقاتنا وجهودنا الحثيثة لتهيئة وتنظيم السلالم الثلاث؛ لعلنا نستدرك ما فات ونستثمر ما هو آتٍ، وأن نُوجِّه لها الاهتمام والدعم الكافيين لإيقاف ما تَمُجُّه الآذان المصغية للنشيد التربوي. حينئذٍ أكاد أجزم أن المعلمين سيرددون بأصوات شجية : (دو، ري، مي، فا، سول، لا، سي) دون أي نشاز !