أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : عبدالعزيز محسن المضواحي.
إجمالي القراءات : ﴿6577﴾.
عدد المشــاركات : ﴿6﴾.

عصير مجتمع المعرفة.
■ ونحن ننتقل من عصر المعلومات المعتمد على قواعد البيانات الإلكترونية القابعة في أجهزة الحواسيب الخاصة، لندلف إلى عصر المعرفة المرتكز على توظيف هذه الجبال من المعلومات وتحويلها بفعل الإنسان إلى مجموعة معارف (على هيئة نظم من المعلومات الرقمية) قابلة للتدفق عبر وسائل الاتصالات الحديثة (التي تلعب فيها شبكة الإنترنت دوراً تقنياً أساسياً) وتكوين قواعد معرفية ضخمة تتيح للعالم بأسره الاستفادة منها في اتخاذ القرارات والتواصل والتعلم، وفي الواقع أن هذا هو محور فكرة العولمة.

وبعيداً عن إشكالات العولمة وما تسببه من أَزْمَة في باب القيم الخُلقية، فإن ذلك يعني أن التخلف عن هذا الركب هو فقدان لأدوات القرارات المصيرية في شتى شؤون الحياة؛ إذ أننا لا نستطيع أن نبني المدن والطرقات والمصانع إلا من خلال نظم المعلومات المتدفقة حول كل هذه المنشآت، كما أننا لا نستطيع أن ندفع عدواً إلا من خلال النظم المتوفرة عن هذا العدو، ولا نستطيع أيضاً أن نقود أبناءنا نحو اكتساب المعرفة إلا من خلال النُظُمْ المنَظِّمَة للمعرفة ذاتها !
ومن وحي هذا المفهوم أننا لم نعد بحاجة إلى حفظ النصوص والمعلومات عن ظهر قلب؛ فالأقراص الصلبة تحوي الآلاف من الكتب والمصنفات بل والموسوعات، وأصبح المهم هو كيفية توظيف هذه المعلومات وتحويلها إلى معرفة جديدة لبناء الحاضر واستشراف المستقبل.
على كل حال فهذه ليست ألغازاً أو مترادفات فلسفية لتعقيد الموضوع بقدر ما هي بيانٌ لضخامة وأهمية مفهوم عصر المعرفة، الذي يستعصي على الكيانات الصغيرة تَبَنِّيه أو الشروع في ميكانيكية تفعيله في غياب دور الجماعة الأم، إنه بالضبط كالصورة التي لا تكتمل إلا بجميع مفرداتها وعليه فإن هذا المفهوم لابدَّ أن يكون خياراً للأمَّه أو لمجتمع كامل بكل أطيافه من خلال رؤية جماعية تقودها رسالة واضحة نحو عصر المعرفة.

إن رحلة التحول إلى عصر المعرفة تستلزم تقاسم الأدوار والمهام - بِوَحْيٍ من تلكم الرؤية وبدافع تشحذه الرسالة - في وضع خارطة للطريق تتميز بوضوح المعالم وتتابع المراحل؛ لتقود الجميع نحو الصورة الغائية (مجتمع عصر المعرفة).
ولإدراك أبعاد هذه الرحلة، فإنه لابدَّ أن نُحَلِّق بجناحي المعرفة النظرية والتطبيقات العملية جنباً إلى جنب؛ إذ بالإطار النظري تتحدد الأهداف الإستراتيجية، وتتوفر النظم المعلوماتية اللازمة لإثراء هذه الرحلة من جهة، ولبناء أنموذج حقيقي - من جهة أخرى - تَسْهُل محاكاته في الميدان. أما على صعيد الجناح العملي فيتم توزيع المهام، وتحديد الخطوات الإجرائية المتتابعة بصورة مرحلية، وبناء أدوات التقويم المستمر لكافة مراحل الرحلة.

إن ما نشاهده في واقعنا الميداني هو عكسٌ للهرم في رحلة التحول إلى عصر المعرفة، وما نراه مطبقاً يعتمد على البدء من الجزء إلى الكل، واختزال المفهوم في نشاط كيانات صغيرة هنا أو هناك، وانتظار العدوى لنقل المفهوم بين بقية الكيانات الأخرى ! إذ تحولت معالم الطريق إلى حشدٍ للمصطلحات المعرفية وتصفيفها في حقيبة قشيبة دونما تبصير للمجتمع المحلي بمدلولاتها أو حتى آلية العمل بها، إضافة إلى غياب مراحل العمل قبل وبعد هذه الحقيبة !
في تصوري الخاص أننا بهذا الاختزال نكون قد عصرنا المفهوم بآلة التعسف الفردي التفاضلي، فحصلنا على عصير لا يُسمن عند المجاعة، ولا تتكامل فيه الجماعة.

■ وسؤالي الآن :
هل نبحث في كيفية جعل العصير الحامض حلواً، أم في كيفية قلب الهرم رأساً على عقب ؟