أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : طارق يسن الطاهر.
إجمالي القراءات : ﴿4261﴾.
عدد المشــاركات : ﴿78﴾.

عن الدنيا : تحليل من الجانب اللغوي والأدبي والديني.
■ الدنيا على وزن فعلى، وهذا الوزن في علم الصرف يسمى اسم التفضيل من أفعل، أدنى –دنيا، وجمعها دُنى، وهي نقيض الآخرة، ذكرت في القرآن الكريم خمسة عشر ومئة مرة، وكذلك نقيضها الآخرة، وما ذِكرُ الشيء في القرآن تشريفًا له؛ فقد ذُكر فرعون، ولم يذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذكر أبو لهب –بكنيته- ولم يذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ولكن ذكر الدنيا في القرآن لبيان ذمها، والتنفير منها، وعدم الركون إليها، من قبيل قوله تعالى: "إنما الحياة الدنيا لعب ولهو.." (محمد 36) "يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار" (غافر 39).
أو كإشارة لها من الناحية الزمنية "فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا" (البقرة 85)، ومنها "ولقد اصطفيناه في الدنيا.." (البقرة 130) و "ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة.." (البقرة 201).
وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : "أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلعون مَا فِيهَا، إِلاَّ ذِكْرَ اللَّه تَعَالَى، ومَا وَالاَه وَعالماً وَمُتَعلِّماً" رواه الترمذي.
واللعن هنا بمعنى الذم، أي مذمومة ، كما ورد في القرآن عن شجرة الزقوم "والشجرة الملعونة في القرآن" (الإسراء 60) أي المذمومة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن الدنيا مشبهًا حاله معها كحال المسافر الذي قال -من القيلولة- تحت شجرة ثم قام وتركها : "ما لي وما للدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها"، رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما.

■ كما وردت الدنيا في الشعر كثيرا، منها :
• قول الشاعر السوداني محمد الفيتوري :
دنيا لا يملكُها من يملكُها • = • أغنى أهليها سادتُها الفقراءْ
الخاسرُ من لم يأخذ منها • = • ما تعطيه على استحياء
والغافل من ظنَّ الأشياءَ • = • هي الأشياء

• وهناك شاعر آخر وصف الدنيا، وجعلها تتقلب بالإنسان بين هذه الحالات الثمانية :
ثمانيةٌ تجري على الناس كلهم • = • ولا بد للإنسان يلقى الثمانية
سرور وحزن واجتماع وفرقة • = • ويسر وعسر ثم سقم وعافية

• وقال أحدهم موضحا التناقض البيّن في حالات الدنيا مع الناس :
الدنيا إذا أقبلت باض الحمام على الوتد • • • وإذا أعرضت بال الحمار على الأسد

• وقال آخر في جناس رائع وطباق مميز :
الدنيا إذا حلت أوحلت .. وإذا كست أوكست .. وإذا جلت أوجلت .. وإذا أينعت نعت .. وإذا جفت أوجفت.

• ويشخّص آخر الدنيا كائنا ينادي ويحذر :
هي الدنيا تقول بملء فيها • = • حذار حذار من بطشي وفتكي
ولا يغرركمو حسن ابتسامي • = • فقولي مضحك والفعل مبكي
يكفي المرء منها ما يقيم أوده، ولا يكثر منها حتى لا يلهيه التكاثر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم/300) والترمذي في "السنن" (2346). وزِيدَ في بعض الروايات "بحذافيرها" أي بتمامها، والحذافير هي الجوانب وقيل الأعالي، أي كأنما أعطي الدنيا بأسرها.
وفي المقابل نصح القرآن الكريم بعدم نسيان المرء نصيبه من الدنيا أكلا وشربا ولبسا وغير ذلك من النعم المشروعة؛ فقد قال تعالى : "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا.." (القصص 77).
كل ذلك دون إسراف "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" (الأنعام 141)، ودون تبذير "ولا تبذر تبذيرا" (الإسراء 26) كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كُلْ ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك اثنتان : سرف ومخيلة.