من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. أحمد محمد أبو عوض.
إجمالي القراءات : ﴿2252﴾.
عدد المشــاركات : ﴿722﴾.

فضل الصدقة والنفقة في الشريعة الإسلامية.
■ لقد رغب الله تعالى عباده المؤمنين في البذل والإنفاق ووعدهم على ذلك أجراً عظيماً وبيّن لهم فضل عملهم هذا فقال تعالى : (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ : 39)، وقال تعالى : (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة : 261).
وقال تعالى : (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة : 245).
والإنفاق في سبيل الله من أفضل الأعمال وأزكاها، فهو يزكي النفس ويطهّرها من رذائل الأنانية المقيتة والأثرة القبيحة، والشح الذميم، وبهذه التزكية يرتقي الإنسان في معارج الكمال والعطاء ولذلك كان العطاء من صفات الله عز وجل.
وهو أيضاً تطهير للنفس من العبودية لغير الله تعالى، وارتقاء لها واستعلاء ونجاة من البخل الذي يهبط بالعبد إلى مدارك العبودية للدينار والدرهم وصدق الله العظيم إذ يقول : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة : 103).
والإنفاق في سبيل الله هو في الحقيقة حفظ للمال وزيادة له وليس نقصاناً له وإتلافاً كما قد يظن البعض لقوله تعالى : (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ : 39) (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً) متفق عليه.
والإنفاق في سبيل الله جهاد عظيم قدمه الله على الجهاد النفسي في القرآن ما يقارب 9 مرات وذلك لأهميته العظمى.
والمال لا تظهر فائدته إلا بالإنفاق في المصالح النافعة، أما كنزه وجمعه وعدّه فهو قتل له، وحرمان لثمراته من أن تظهر ولخيراته من أن تزهر، ولطاقاته من أن تتحرك وتنتج، والممسكون معطلون ومتلفون، ومحرومون وجمّاعون لغيرهم. روى البخاري ومسلم عن أبي ذر قال : انتهيت إلى النبي وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال : (هم الأخسرون ورب الكعبة)، فقلت : فداك أبي وأمي من هم ؟ قال : (هم الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، وقليل ما هم).
ورأى الأحنف بن قيس في يد رجل درهماً، فقال : لمن هذا ؟ قال : لي، قال : ليس هو لك حتى تخرجه في أجر أو اكتساب شكر، وتمثل بقول الشاعر :
أنت للمال إذا أمسكته • • • وإذا أنفقته فالمال لك
يقول ابن القيّم رحمه الله في شأن الصدقة : (إن للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع البلاء حتى ولو كانت من فاجر أو ظالم بل من كافر، فإن الله يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء) أهـ.
فينبغي للمسلم أن ينفق ويتصدق ولا يمسك عن الإنفاق والبذل، وليحرص على أن يكون عمله هذا خالصاً لوجه الله تعالى لا رياءً ولا سمعةً أو طمعاً بمنافع دنيوية من سمعة وثناء، وأن لا يُتبع نفقته بالمن والأذى لمن أعطاه وتصدق عليه. لأن الإنسان لا ينفق لأحد إنما ينفق لنفسه هو، قال تعالى : (هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم) (محمد : 38) ولا يمسسك الإنسان ويبخل خشية الفقر فإن الله تعالى قد تكفل لمن أنفق في سبيله بالخلف. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله عز وجل) رواه مسلم.
أنفق ولا تخش إقلالاً فقد قسمت • • • على العباد من الرحمن أرزاق
ينفع البخل مع دنياً مولية • • • ولا يضر مع الإقبال إنفاق
إن الكثيرين من الناس اليوم عندهم المال الضائع والتآلف أحب إليهم من المال الباقي، ومال وارثهم أحب إليهم من أموال أنفسهم وذلك لأن ما يبذلونه على شهواتهم إسرافاً وتبذيراً مال تآلف وهم يحبون ذلك، وما ينفقونه في سبيل الله مال باق ونام، إذ ينميه الله حتى تكون الحبة كالجبل، وهم يكرهون ذلك ولا تندفع نفوسهم إلى ادخاره عند الله وتخليده في خزائن رحمته وفضله، والذين يبخلون عن الإنفاق في وجوه الخير إنما يكنزون أموالهم لوارثهم وهم يحبون ذلك، فمال وارثهم أحب إليهم من مالهم لأن ما يجمعونه بالكد والجهد سيأخذه الوارث بالراحة التامة من غير تعب ولا جهد، وهذا ما بينه النبي لأصحابه فقال لهم : (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله ؟) قالوا : يا رسول الله ما منّا من أحد إلا ماله أحب إليه، قال : (فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر).