أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عبدالرحمن قاسم المهدلي.
إجمالي القراءات : ﴿2926﴾.
عدد المشــاركات : ﴿76﴾.

مجالس رياض التائبين : المجلس الحادي عشر ــ من رياض أسمائه وصفاته للتائبين.
من رياض أسمائه وصفاته للتائبين.
الله سبحانه وتعالى هو العزيز الذي يقضي بماء يشاء، وأنه بكمال عزته حكم على العبد وقضى عليه بأن قلب قلبه وصرف إرادته على ما يشاء وحال بين العبد وقلبه وجعله مريدا شائيا لما شاء منه العزيز الحكيم. وهذا من كمال العزة، إذ لا يقدر على ذلك إلا الله، وغاية المخلوق أن يتصرف في بدنك وظاهرك، وأما جعلك مريدا شائيا لما يشاءه منك ويريده، فلا يقدر عليه إلا ذو العزة الباهرة.
فإذا عرف العبد عز سيده ولاحظه بقلبه وتمكن شهوده منه، كان الاشتغال به عن ذل المعصية أولى به وأنفع له، لأنه يصير مع الله لا مع نفسه.
ومن معرفة عزته في قضائه : أن يعرف أنه مدبَّرٌ، مقهور، ناصيته بيد غيره، لا عصمة له إلا بعصمته، ولا توفيق له إلا بمعونته، فهو ذليل حقير في قبضة عزيز حميد.
ومن شهود عزته أيضا في قضائه : أن يشهد أن الكمال والحمد والغناء التام والعزة كلها لله، وأن العبد نفسه أولى بالتقصير والذم والعيب والظلم والحاجة. وكلما ازداد شهوده لذله ونقصه وعيبه وفقره، ازداد شهوده لعزة الله وكماله وحمده وغناه وكذلك بالعكس، فنقص الذنب وذلته يطلعه على مشهد العزة.
ومنها : أن يعرف بِرَّهُ سبحانه في ستره عليه حال ارتكاب المعصية مع كمال رؤيته له، ولو شاء لفضحه بين خلقه فحذِرُوه. وهذا من كمال بره، ومن أسمائه البَرُّ. وهذا البِرُّ من سيده به كان مع كمال غناه عنه وكمال فقر العبد إليه. فيشتغل بمطالعة هذه المنة ومشاهدة هذا البر والإحسان والكرم، فيذهل عن ذكر الخطيئة، فيبقى مع الله سبحانه، وذلك أنفع له من الاشتغال بجنايته وشهود ذل معصيته، فإن الاشتغال بالله والغفلة عما سواه هو المطلب الأعلى والمقصد الأسمى. ولا يوجب هذا نسيان الخطيئة مطلقا، بل في هذه الحال، فإذا فقدها فليرجع إلى مطالعة الخطيئة وذكر الجناية، ولكل وقت ومقام عبودية تليق به.
ومنها : شهود حلم الله سبحانه وتعالى في إمهال راكب الخطيئة، ولو شاء لعاجله بالعقوبة، ولكنه الحليم الذي لا يعجل فيحدث له ذلك معرفة ربه سبحانه باسمه الحليم ومشاهدة صفة الحلم، والتعبد بهذا الاسم.
ومنها : معرفة العبد كرم ربه في قبول العذر منه إذا اعتذر إليه، فيقبل عذره بكرمه وجوده، فيوجب له ذلك اشتغالا بذكره وشكره ومحبة أخرى لم تكن حاصلة له قبل ذلك.
ومنها : أن يشهد فضله في مغفرته، فإن المغفرة فضل من الله تعالى، وإلا، فلو آخذنا بالذنب، لآخذ بمحض حقه وكان عادلا محمودا، وإنما عفوه بفضله لا باستحقاقك، فيوجب لك ذلك أيضا شكرا له ومحبة وإنابة إليه وفرحا وابتهاجا به ومعرفة له باسمه الغفار ومشاهدة لهذه الصفة وتعبدا بمقتضاها، وذلك أكمل في العبودية والمعرفة والمحبة.
ومنها : أن يكمل لعبده مراتب الذل والخضوع والانكسار بين يديه والافتقار إليه.
ومنها : أن أسماءه الحسنى تقتضي آثارها اقتضاء الأسباب التامة لمسبباتها، فاسم السميع البصير يقتضي، مسموعا ومبصرا، واسم الرزاق يقتضي، مرزوقا، واسم الرحيم يقتضي مرحوما، وكذلك أسماء الغفور والعفو والتواب والحليم يقتضي، من يغفر له ويتوب عليه ويعفو عنه ويحلم.
ويستحيل تعطيل هذه الأسماء والصفات، إذ هي أسماء حسنى وصفات كمال ونعوت جلال وأفعال حكمة وإحسان وجود، فلا بد من ظهور آثارها في العالم. وقد أشار إلى هذا أعلم الخلق بالله صلوات الله وسلامه عليه حيث يقول : (لو لم تذنبوا؛ لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، ثم يستغفرون فيغفر لهم) (م ( 2748)).
وأنت إذا فرضت الحيوان بجملته معدوما، فمن يرزقُ الرزاقُ سبحانهُ ؟ وإذا فرضت المعصية والخطيئة منتفية من العالم، فلمن يغفر ؟ وعمن يعفو ؟ وعلى من يتوب ويحلم ؟ وإذا فرضت الفاقات كلها قد سدت، والعبيد أغنياء معافون، فأين السؤال والتضرع والابتهال والإجابة وشهود الفضل والمنة والتخصيص بالإنعام والإكرام ؟
فسبحان من تعرَّف إلى خلقه بجميع أنواع التعرفات، ودلهم عليه بأنواع الدلالات، وفتح لهم إليه جميع الطرقات، ثم نصب إليه الصراط المستقيم، وعرفهم به ودلهم عليه، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم (1) ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : المدارج (1/279 - 283).


image في علم المستقبل : مجالس رياض التائبين.