من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

سجن النفس ﴿3219﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : عبدالله علي الخريف.
إجمالي القراءات : ﴿6023﴾.
عدد المشــاركات : ﴿27﴾.

قربا مربط النعامة مني ــ وصناعة الأعداء !
■ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وكان المجتمع العربي يحظى بالكثير من الأخلاق الفاضلة الشجاعة والكرم وحفظ الجوار.
الحارث بن عباد صاحب القصيدة التي وضعت كلمات من مطلعها عنواناً كان معتزلاً للحرب الهائلة التي استمرت سنوات طويلة بين بكر وتغلب ومع أنه كان أقرب للبكريين فإنه فضّل أن يعتزل وقومه الحرب من منطلقات عقلية حازمة وحينما أرسل ولده (بجير) إلى زعيم التغليبين الذين كانت الكفة لهم راجحة للحديث عن الصلح وحفظ الدماء فإنه قتله بدم بارد.
وتتجلى الأخلاق الكريمة والصبر من الفارس الكبير الحارث بن عباد حين علم بمقتل ولده حيث علّق على الحادثة قائلاً : (نعم الرجل بجير يصلح قتله بين عشيريتين) لكنّه حين علم أن زعيم التغليبين ردد بسفه وهو يقتل بجيراً : (بوء بشسع نعل كليب) أي أنه قتل بجيراً واعتبره من حيث القيمة كنعل أخيه الذي قتله جساس فارس البكريين.
حينها فقط خرجت القصيدة :
قربا مربط النعامة مني • • • إن قتل الرجال بالشسع غالي
لست من جناتها علم الله • • • وإني لحرها اليوم صالي

وهكذا نجحت تغلب في صناعة عدو شرس جديد غيّر بمجرد دخوله المعركة كل الموازيين العسكرية بين الطرفيين وبسببه توالت الهزائم على التغليبيين حتى نهاية الحرب.

كم مرة وعبر ممارسات مشابهة في النهاية ومختلفة في التفاصيل ينجح البعض في صناعة الأعداء !
كم عدد الآباء الذين حولوا أطفالهم إلى مجرمين بسبب قولبة الطفل ! أي وضعه في قالب جامد والتعامل معه دوماً على أنه لا ولن يفلح !
كم عدد المديرين الذين أسقطوا موظفين لديهم معنوياً وحسياً عبر مبادرات فاشلة من التهميش والإقصاء، وقل ذلك على كافة المستويات ومختلف الأصعدة. لن يكون كل ضحية بالضرورة نسخة طبق الأصل للحارث بن عباد لأن الحارث هناك كان يملك مقومات كثيرة جعلته بطلاً وقائداً ومؤثراً, مع أنه صرّح بجلاء أنه ذهب للخيار الصعب حين قال (وإني لحرها اليوم صال) لكن ماذا عن الذين سينزوون ويمارسون الكثير من الأذى لأنفسهم أولا ولغيرهم جراء مواقف جرتهم إلى اتخاذ مواقف عدوانية كان يمكن أن يتم الابتعاد عنها بشيء من الحكمة. لا أحد يقبل مبررات المجرمين والساقطين والفاسدين, ولا أحد من العقلاء يعتبر أن المعاناة بالضرورة تصنع الفوضى والسوء, وإلا لما كان أكثر الناجحين والمبدعين هم من تلك الأصناف التي تعرضت لأنواع من المعاناة تحديداً.

لكن الحديث عن صناعة الأعداء عبر مواقف كان يمكن تجاوزها بهدوء, في القرآن الكريم تم نهي المؤمنين عن سب آلهة المشركين لأن ذلك السلوك سيفضي إلى مفسدة أكبر.
وبالتالي فإن الحكمة هي المطلوب الأول في هكذا مواقف, وإن ميادين التربية التي تضج بالكثير من المواقف اليومية على مدار الدقيقة هي الأكثر خطورة وحساسية.
وكم قرأنا وسمعنا عن أن موقفاً صغيراً واحداً وغير مقصود في الغالب كان القشة التي هزعت كفة الميزان النفسي أو العقلي لدى الإنسان فدعمته للأمام وحفّزته للأفضل, أو سببت له انهياراً مفاجئاً قلب كيانه وأذهب تحكمه وإدارته المناسبة للذات.
ولكي لا يقرّب الكثير من المظلومين والمضطهدين والمسحوقين مربط نعاماتهم فلنتوقف جميعاً عن إرسال المزيد من الرسائل السلبية عبر مواقف صغيرة لكنها مؤذية.