من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. أحمد محمد أبو عوض.
إجمالي القراءات : ﴿5734﴾.
عدد المشــاركات : ﴿723﴾.

قصه أغرب من الخيال عن بر الوالدين.
قصّة نُقلت على لسان إحدى الطبيبات تقول : دخلت عليَّ في العيادة امرأة في الستينات بصحبة ابنها الثلاثيني ! لاحظت حرصه الزائد عليها، يمسك يدها ويصلح لها عباءتها ويمد لها الأكل والماء، بعد سؤالي عن المشكلة الصحية وطلب الفحوصات، سألته عن حالتها العقلية لأنّ تصرفاتها لم تكن موزونة ولا ردودها على أسئلتي، فقال : إنها متخلفة عقلياً منذ الولادة.
تملكني الفضول فسألته فمن يرعاها ؟ قال : أنا، قلت : والنعم ! ولكن من يهتم بنظافة ملابسها وبدنها ؟
قال : أنا أدخلها الحمّام - أكرمكم الله - وأحضر ملابسها وانتظرها إلى أن تنتهي وأرتب ملابسها في الدولاب وأضع المتسخ في الغسيل واشتري لها الناقص من الملابس !
قلت : ولم لا تحضر لها خادمة ؟!
قال : لأن أمي مسكينة مثل الطفل لا تشتكي وأخاف أن تؤذيها الشغالة (نظراً لما تقوم بعض الخادمات - غير الملتزمات بالأخلاق الإسلامية من غير المسلمات - واللاتي معبودهن الراتب الشهري فقط) من سلوكيات تذوب الصخور من بشاعة تصرفات غير إنسانية منذ الحضانة والطفولة وحتى بلوغ الأطفال ريعان الشباب، وبالتالي تعليمهم (ما لا يوصف) وتصبح الأم فقط (شيالة بطن) وليس للطفل أي تجاه من الحنان لأمه لأنه لم يشعر بدفء دقات قلبها خلال فترة الرضاعة الطبيعية أو حتى لم تشعر هي بنشوة اللذة العارمة بمداعبة حلمات نهودها - وهذا ما اكتشفه علم الفسيولوجيا الحديث بلذة المرأة بمداعبة حلمات نهود الزوج من فم الزوج وقت المباضعة الشرعية بينهما - لأن ذلك يعتبر من أنواع المقدمات التي رغب بها الرسول "صلى الله عليه وسلم" إذ قال - بمعنى الحديث - : (لا تدبوا على نسائكم كالبهائم، بل اجعلوا بينكم رسولاً ! فقالوا يا رسول الله : وما الرسول ؟ فقال القُبْلة) وقد ورد بكتاب الطب النبوي عن السيدة عائشة أم المؤمنين "رضي الله عنها" أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" كان يقبل لسانها وقت المباضعة والجماع.
اندهشت من كلامه ومقدار برّه بأمه وقلت : وهل أنت متزوج ؟
قال : نعم الحمد لله ولدي أطفال.
قلت : إذن زوجتك ترعى أمك ؟
قال : هي ما تقصر وهي تطهو الطعام وتقدمه لها, وقد أحضرت لزوجتي خادمه حتى تعينها، ولكن أنا أحرص أن آكل معها حتى أطمئن عشان السكر !
زاد إعجابي ومسكت دمعتي ! اختلست نظرة إلى أظافرها فرأيتها قصيرة ونظيفة، قلت : ومن يقص لها أظافرها ؟
قال : أنا، وقال يا دكتورة هي مسكينة !
نظرت الأم لولدها وقالت : متى تشتري لي الشيبس ؟ (وهو دقيق البطاطس المقلاة والمشكلة بأشكال منوعة تذوب بالفم من اللعاب فوراً ولا تحتاج إلى هضم الأسنان بتاتاً، ويرغبها جميع الأطفال بالعالم).
قال : تؤمري .. الآن نذهب إلى البقالة نشتري الشيبس.
طارت الأم من الفرح وقالت : الآن .. الآن !
التفت الابن وقال : والله إني أفرح لفرحتها أكثر من فرحة أطفالي الصغار "جعلت نفسي أكتب في الملف حتى ما يبين أنّي متأثرة" !
وسألت : ما عندها غيرك ؟
قال : أنا وحيدها لأن الوالد طلقها بعد شهر من زواجهما ؟
قلت : إذاً والدك هو من رباك ؟
قال : لا جدتي كانت ترعاني وترعاها وتوفيت الله يرحمها وعمري عشر سنوات !
قلت : هل رعتك أمك في مرضك أو تذكر أنها اهتمت فيك ؟ أو فرحت لفرحك أو حزنت لحزنك ؟
قال : يا دكتورة، أمي مسكينة من عمري عشر سنين وأنا حامل همها وأخاف عليها وأرعاها. كتبت الوصفة وشرحت له الدواء. مسك يد أمّه, وقال : يا الله لآن نذهب إلى البقالة قالت : لا اذهب بي إلى مكّة ! استغربت !, قلت : لها لماذا تذهبين مكة ؟
قالت : لأجل أن اركب الطيارة !
قلت له : معقول تذهب بها إلى مكّة ؟
قال : طبعاً.
قلت : هي ما عليها حرج لو لم تعتمر لأنها مريضة والمريض ما عليه حرج، لماذا تذهب بها وتضيّق على نفسك ؟
قال : يمكن الفرحة التي تفرحها إذا سافرت بها أكثر أجراً عند رب العالمين من عمرتي بدونها.
خرجوا من العيادة وأقفلت بابها وقلت للممرضة : أحتاج للرّاحة، بكيت من كل قلبي وقلت في نفسي هذا وهي لم تكن له أماً. فقط حملت ولدت لم تربي، لم تسهر الليالي، ولم تُدرسه، ولم تتألم لألمه، لم تبكي لبكائه، لم يجافيها النوم خوفاً عليه, لم .. ولم !
ومع كل ذلك كل هذا البر ! فهل سنفعل بأمهاتنا الأصحاء مثلما فعل بأمه المتخلفة عقليًّا ؟!