من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عادل عمر بصفر.
إجمالي القراءات : ﴿4656﴾.
عدد المشــاركات : ﴿43﴾.

وقفات إيمانية مع بداية العام الدراسي الجديد «1».
■ أيها المسلمون :
قيل للربيع : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحنا ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا، وننتظر آجالنا. وتقلبات الدهر وتصرم الأيام، ومضي المناسبات يجب أن تكون مواقف محاسبة ومساءلة، وعلى المرء أن يقف وقفة صدق مع نفسه وزمنه، فكل الناس عند ربهم موقوفون، وجميعهم بين يديه مسؤولون، الرسل وأممهم مسؤولون : (فَلَنَسْـئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْـئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (الأعراف : 6).
وأهل الصدق مسؤولون : (لِّيَسْأَلَ الصَّـادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ) (الأحزاب : 8)، وذوو النعمة مسؤولون وعن النعيم محاسبون : (ثُمَّ لَتُسْـئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (التكاثر : 8).
والأيام تطوى، والأعمار تفنى، والليل والنهار يدنيان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، وفي سرعة مضيها ما يذكر اللبيب بسرعة تصرم عمره، وقرب حلول أجله، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (حاسب نفسك في الرخاء، قبل حساب يوم الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء، عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة).

■ أيها المسلمون :
صفحات من الإجازة طواها دهر اليوم، يقول النبي عليه الصلاة والسلام : (كل الناس يغدو، فبائع نفسه : فمعتقها أو موبقها).
فصنف من الناس أمضوها في أجل القرب إلى الله، في طلب فنون العلم ؛ لإدراكهم أن العلم يفضي بصاحبه إلى السعادة، فقليله ينفع، وكثيره يُعلي، فاجتهدوا في طلبه، واستعذبوا المشقة في حفظه، طووا فراش التواني والكسل، فنالوا من الفضائل المزيد. عليهم بهاء الطاعة، وأنوار العبادة، آثروا الفاني على الباقي، وهؤلاء هم الأتقياء، سادة الناس في الآخرة، (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَـاتٍ) (المجادلة : 11).
وممن ابتغى طرق الخير ورياض الجنة من دعا إلى الله على بصيرة، بحكمة وموعظة حسنة ملتزماً بالكتاب والسنة، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ناصحاً لمن ولاه الله أمره حافظاً أمانة الله فيهم ساعياً في إصلاحهم ليكونوا عوناً له في الحياة وذخراً له بعد الممات، فهذا قد تمطى ركائب المجد ورام الخير لنفسه والسلامة لدينه، قال تعالى : (وَمَنْ أَرَادَ الاْخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) (الإسراء : 19).
وصنف أحدق بصره، وأسلم قلبه بمرئيات ذوات أطباق، عاش معها خيالاً، وطلب فيها محالاً، أفنى عمره بالندم، وقواه بالحسرة، فهذا كما بدأت عنده الإجازة انتهت، لا لدنيا جمع، ولا لآخرة ارتفع.
وآخرون أفلت شمس عودتهم من سفر محرّم، من ديار تحمل في طياتها أخطاراً على العقيدة والأخلاق، فهؤلاء مغبونون خاسرون، ذلك أن منهم من لوث معتقده، ودنّس ولاءه وبراءه، وبعثر أمواله في المنكرات والمحرمات، ومنهم من أوغل في الظُلم، فاستصحب معه نساءه، ومن تحت يده من بنين وبنات ممن نشأ على الفطرة ليذيقهم حظهم من الشقاء، وتستمرئ نفوسهم الاستخفاف بالمعاصي، من أفعال تسقط المروءة، وتقضي على الفضيلة، في ديار تلاطمت فيها أمواج الفتن، واشرأبت فيها مهاوي الرذيلة، النبي عليه الصلاة والسلام ينهى عن التطلع إلى الفتن، والاستشراف إليها، وذا ينغمس بأهله وولده في بحرها ودركها، فضيّع الأمانة، وفرّط في الرعاية، قال تعالى : (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَـامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآء مَا يَزِرُونَ) (النحل : 25) ما هكذا تُقابل نعمة المال والعافية والبنين، بالجحود والنكران.
إن المأمول من الآباء السعي إلى إصلاح ذويهم، لا الزجّ بهم في أماكن الفتن، وتعريض قلوبهم للظلمة والانحراف عند أدنى محنة، والضلال عند أول فتنة.
قال أهل العلم : فالشبهات والشهوات أصل فساد العبد وشقائه في معاشه ومآله. ومنهم من إذا عاد من هناك تراه ينزع جلباب الحياء لما اقترفته جوارحه من محرمات، فيهتك ستر الله عليه، ويرغب السامع في تلك الآثام ويحسّنها له، ويمدحها عنده، فيتفاحش ذنبه.
إن الافتخار بالمعصية أمارة على موت القلب وفساد الفطرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) متفق عليه.

■ أيها المسلمون :
ما ظهرت معصية على نعمة إلا سلبتها، ولا تمكنت من قلبٍ إلا أفسدته، تزيل النعم الحاصلة، وتمنع الآلاء المقبلة، فاحرص على محاسبة نفسك، واحذر مزالق الهوى ونزغات الشيطان، وسوء الخاتمة، فقد أُحصيت عليك اللفظة والنظرة، وعاتب نفسك على التقصير، واحمد الله أن فسح لك في الأجل، وبادر إلى توبة نصوح، فإن الله يفرح بتوبة التائب، وإياك والتسويف، فمن استعمل التسويف، والمنى لم ينبعث إلى العمل.
من وصايا لقمان : يا بني لا تؤخر التوبة، فإن الموت يأتي بغتة، فالسعيد من أخذ من نفسه لنفسه، ومهد لها قبل يومِ رمسه.
يقول وهب بن منبّه : من جعل شهوته تحت قدميه فزع الشيطان من ظله. فاستلب الزمن، وغالب الهوى، وحاسب النفس، وامحُ القبيح، واستعد لملمات الممات، واستدرك هفوات الفوات، فالترحل من الدنيا قد دنا، والتحوّل منها قد أزف، ومن أصلح ما بقي غفر له ما مضى، ومن أساء فيما بقي أُخذ بما مضى وبما بقي، والأيام مطايا، والأنفاس خطوات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا وَيُحَذّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءوفُ بِالْعِبَادِ) (آل عمران : 30).

■ أيها المسلمون :
قد أظلنا عام من التعليم جديد، متعدد العلوم، متنوع المعارف. والعلوم تختلف فضلاً وقدراً باختلاف المقاصد، وتتفاوت سمواً ورفعة باختلاف الموارد، وأكبر العلوم وأنفعها للإنسان ما تحصل به سعادة قلبه وانشراح صدره ، وهو ما أُخذ من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وما اكتسب مكتسب مثلُ علمٍ يهدي صاحبه إلى هدى، أو يرده عن ردى، وإذا حُفظت العقول والأخلاق، وأحيطت بسياج الدين المتين، ورُبطت برباط العقيدة الوثيق، صلحت الأعمال والعلم لا ينال إلا على جسر من التعب والمشقة، ومن لم يصبر على ذل التعلم ساعة تجرع كأس الجهل أبداً، ولا يتم الأمر إلا بصلاح النية، والإخلاص لله في طلبه، ونشره من المعلّم، وعلى الجميع الاتصاف بسمات السلف الصالح، الذين ينشرون العلم محبة له وللعمل به، قال تعالى : (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّـانِيّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلّمُونَ الْكِتَـابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ) (آل عمران : 79).

وعلى المعلم أن يتحرى الأمانة والعدالة في التقويم، وإن الحرص ودقة المتابعة من أولياء الأمور لأبنائهم في تعليمهم فعل محمود، وتوجيههم في اختيار صحبتهم أوجب من ذلك، فتربية الأولاد على الإيمان والتقوى والعمل الصالح أمانة كبرى عنها تُسألون، فقوموا بها كما أُمرتم، وإياكم والتفريط، فإنكم على أعمالكم محاسبون، وبأفعالكم مجزيون.

image وقفات إيمانية مع بداية العام الدراسي الجديد «1».
image وقفات إيمانية مع بداية العام الدراسي الجديد «2».