من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عبدالعزيز إبراهيم الحازمي.
إجمالي القراءات : ﴿10180﴾.
عدد المشــاركات : ﴿2﴾.

القارئ الجيد .. من هو ؟ وما مواصفاته ؟
تذكر المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكة) في كتابها شمس العرب تسطع على الغرب : إن متوسط ما كانت تحويه مكتبة خاصة لعربيٍّ في القرن العاشر كان أكثر مما تحويه كل مكتبات الغرب مجتمعة !
نستنتج من ذلك أن اهتمام آبائنا وأجدادنا من المسلمين والعرب بالكتاب كان اهتماماً كبيراً، على عكس واقعنا المرير الآن، حيث أشارت إحدى الدراسات إلى أن متوسط ساعات القراءة في إحدى الدول الأوروبية وصلت إلى 200 ساعة سنوياً، في حين انخفضت إلى 6 دقائق لدى الفرد العربي! وهذه النتيجة تؤكد معاناة العرب ومآسيهم إزاء الكتاب، كما تؤكد عزوفاً لديهم عن القراءة وتعكس مشكلة كبيرة جديرة بالاهتمام، وذلك لما للقراءة من أهمية في حياة الفرد والمجتمع.

يقول الكاتب العربي الكبير عباس محمود العقاد عن أهمية القراءة : "لستُ أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لأزداد عمراً في تقدير الحساب، وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني، ولا تحرك ما في ضميري من بواعث الحركة، والقراءة دون غيرها هي التي تعطي أكثر من حياة في مدى عمر الإنسان الواحد، لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب.
أنت كفرد تملك فكرة واحدة، وشعوراً واحداً، وخيالاً واحداً ولكنك إذا لاقيت بفكرتك فكرة أخرى، ولاقيت بشعورك شعوراً آخر، أو لاقيت بخيالك خيال فرد آخر، فليس قصارى الأمر أن تصبح الفكرة فكرتين، والشعور شعورين، والخيال خيالين لا, وإنما تصبح الفكرة مئات الفكر في القوة والعمق والامتداد".

للقراءة إذاً دور مهم في حياة الصغار والكبار على السواء، إذ تغرس فيهم القيم، وتنمي شخصياتهم، وتوسع مداركهم، وتصقل خبراتهم، وتُشبع ميولهم، وتوثق الصلة، وتثري حياة القارئ، وتشبع حاجاته النفسية المتعددة : حاجته إلى المعرفة والاطلاع، وحاجته إلى الحب، وحاجته إلى تحقيق الذات، وحاجته إلى الأمن والطمأنينة، بل ترفد حياته بحياة أخرى، وتضيف إلى عمره عمراً جديداً.
وتسهم جهات ومؤسسات متعددة في تكوين الطفل القارئ، وعل من أهمها : البيت، والمدرسة، والمكتبات بما فيها من كتب وقصص وأجهزة الإعلام وغيرها، بيد أن البيت يأتي في صدارة هذه المؤسسات من حيث التأثير والأهمية، إذ ينشأ الطفل أول ما ينشأ في البيت، بالإضافة إلى أهميته الآن في التعاون مع المدرسة ومتابعة الطفل دراسياً وقرائياً، كما أن الفترة العمرية التي يقضيها الطفل في البيت قبل دخوله المدرسة تتميز بطفرة في حب استطلاعه للأشياء وشوقه إلى المعرفة، فتكثر أسئلته التي يريد إجابات عنها، فإذا ما وجهته الأسرة نحو القصة حتى إن كانت مصورة قبل تعلمه القراءة نشأ محباً للقراءة، مدركاً لأهميتها ونفعها، مشبعاً لرغبته في المعرفة والاستطلاع من خلال القراءة، مكتسباً لسلوك القراءة منذ صغره، محباً لها وللكتاب.
فقلب الطفل كما عبر عنه سيدنا على كرم الله وجهه "كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبلته"، فالطفل كما يرى المربون صفحة بيضاء، كلما نُقش فيها لون تلونت تلك الصفحة بذلك اللون، هذا بالإضافة إلى أن تقبّل الطفل أكثر وأسرع من تقبل غيره.
إن المسؤولية الكبرى في تعليم الطفل القراءة وتحبيبها إلى نفسه تقع على عاتق الأسرة، كي تجعل طفلها قارئاً جيداً، محباً لتحصيل العلم، راغباً بشكل ذاتي في الدراسة والتفوق والإبداع.