من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

متلاعبون ﴿2777﴾.
ظلم الأحبة ﴿5408﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عادل عمر بصفر.
إجمالي القراءات : ﴿5675﴾.
عدد المشــاركات : ﴿43﴾.

مفهوم محاسبةُ النفسِ وأنواعها.
■ المحاسبة لغة : مصدر حاسب يُحَاسِبُ، وهو مأخوذ من مادة (ح س ب) التي تدل على العد، تقول : حسبت الشيء أحسبه حسبا وحسبانا، وحسابا وحسابة إذا عددته، وحاسبته من المحاسبة، وشيء حساب أي كاف، ومنه قوله تعالى : (عطاء حسابا) أي كافيا، وفي قول الله تعالى : (والله يرزق من يشاء بغير حساب) أوجه عديدة منها : أنه يعطي المؤمن ولا يحاسبه عليه، ووجه ذلك أن المؤمن لا يأخذ من الدنيا إلا قدر ما يجب، وكما يجب، وفي وقت ما يجب، ولا ينفق إلا كذلك، ويحاسب نفسه فلا يحاسبه الله حسابا يضره كما روي : (من حاسب نفسه في الدنيا لم يحاسبه الله يوم القيامة)، وقوله تعالى : (والله سريع الحساب)، أي حسابه واقع لا محالة، وكل واقع فهو سريع، وسرعة حساب الله، أنه لا يشغله حساب واحد عن محاسبة الآخر.

■ المحاسبة اصطلاحاً : اسْتِيفَاءُ الأَعْدَادِ فِيمَا لِلمَرْءِ أَوْ عَلَيْهِ.
■ محاسبة النفس اصطلاحًا :
أَنْ يَتَصَفَّحَ الإِنْسَانُ فِي لَيْلِهِ مَا صَدَرَ مِنْ أَفْعَالِ نَهَارِهِ فَإِنْ كَانَ مَحْمُودًا أَمْضَاهُ وَأَتْبَعَهُ بِمَا شَاكَلَهُ وَضَاهَاهُ، وَإِنْ كَانَ مَذْمُومًا اسْتَدْرَكَهُ إِنْ أَمْكَنَ، وَانْتَهَى عَنْ مِثْلِهِ فِي المُسْتَقْبَلِ.

■ أيها القارئ الكريمُ : محاسبةُ النَّفْسِ نوعان : نَوْعٌ قَبْلَ العَمَلِ، وَنَوْعٌ بَعْدَهُ.
♦ فَأَمَّا النَّوْعُ الأَوَّلُ :
فَهُوَ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ أَوَّلِ هَمِّهِ وَإِرَادَتِهِ، وَلا يُبَادِرَ بِالعَمَلِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُجْحَانُهُ عَلَى تَرْكِهِ.
قَالَ الحَسَنُ رَحِمَهُ اللهُ : رَحِمَ اللهُ عَبْدًا وَقَفَ عِنْدَ هَمِّهِ، فَإِنْ كَانَ للهِ مَضَى، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ تَأَخَّرَ.

♦ النَّوْعُ الثَّانِي : مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ بَعْدَ العَمَلِ، وَهُوَ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ :
• أَحَدُهَا : مُحَاسَبَتُهَا عَلَى طَاعَةٍ قَصَّرَتْ فِيهَا مِنْ حَقِّ اللهِ تَعَالَى، فَلَمْ تُوقِعْهَا عَلَى الوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي.
وَحَقُّ اللهِ تَعَالَى فِي الطَّاعَةِ سِتَّةُ أُمُورٍ وَهِيَ : الإِخْلاصُ فِي العَمَلِ، وَالنَّصِيحَةُ للهِ فِيهِ، وَمُتَابَعَةُ الرَّسُولِ فِيهِ، وَحُصُولُ المُرَاقَبَةِ فِيهِ، وَشُهُودُ مِنَّةِ اللهِ عَلَيْهِ، وَشُهُودُ تَقْصِيرِهِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَيُحَاسِبُ نَفْسَهُ : هَلْ وَفَّى هَذِهِ المَقَامَاتِ حَقَّهَا، وَهَلْ أَتَى بِهَا فِي هَذِهِ الطَّاعَةِ.
• الثَّانِي : أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ كَانَ تَرْكُهُ خَيْرًا لَهُ مِنْ فِعْلِهِ.
• الثَّالِثُ : أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ عَلَى أَمْرٍ مُبَاحٍ، أَوْ مُعْتَادٍ : لِمَ فَعَلَهُ ؟ وَهَلْ أَرَادَ بِهِ اللهَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ؟ فَيَكُونُ رَابِحًا، أَوْ أَرَادَ بِهِ الدُّنْيَا وَعَاجِلَهَا؛ فَيَخْسَرَ ذَلِكَ الرِّبْحَ وَيَفُوتَهُ الظَّفَرُ بِهِ.

● وَمحاسبةُ النفسِ تَحْقِيقُ السَّعَادَةِ فِي الدَّارَيْنِ :
قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه : (حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الحِسَابِ غَدًا، أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ اليَوْمَ، وَتَزَيَّنُوا لِلعَرْضِ الأَكْبَرِ (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)).
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيِّ : (مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي الجَنَّةِ آكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَأَشْرَبُ مِنْ أَنْهَارِهَا، وَأُعَانِقُ أَبْكَارَهَا، ثُمَّ مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي النَّارِ آكُلُ مِنْ زَقُّومِهَا، وَأَشْرَبُ مِنْ صَدِيدِهَا، وَأُعُالِجُ سَلاسِلَهَا، وَأَغْلالَهَا، فَقُلْتُ لِنَفْسِي : أَيْ نَفْسِي، أَيُّ شَيْءٍ تُرِيدِينَ ؟ قَالَتْ : أُرِيدُ أَنْ أُرَدَّ إِلى الدُّنْيَا، فَأَعْمَلَ صَالِحًا، قَالَ : قُلْتُ : فَأَنْتِ فِي الأُمْنِيَّةِ ، فَاعْمَلِي).
وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ : (لا يَكُونُ الرَّجُلُ تَقِيًّا حَتَّى يَكُونَ لِنَفْسِهِ أَشَدَّ مُحَاسَبَةً مِنَ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ).

● وَمحاسبةُ النفسِ تُثْمِرُ مَحَبَّةَ اللهِ وَرِضْوَانِهِ، وَهيَ دَلِيلٌ عَلَى صَلاحِ الإِنْسَانِ :
عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ : نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا ذَاكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) رواه مسلم.

● وفيِ محاسبةِ النفسِ البُعْدُ عَنْ مَزَالِقِ الشَّيْطَانِ :
قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رَحِمَهُ اللهُ : (رَحِمَ اللهُ عَبْدًا قَالَ لِنَفْسِهِ : أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا ؟ أَلَسْتِ صَاحِبَةَ كَذَا ؟ ثُمَّ زَمَّهَا، ثُمَّ خَطَمَهَا، ثُمَّ أَلْزَمَهَا كِتَابَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَكَانَ لَهَا قَائِدًا).

● والمحاسبةُ دَلِيلٌ عَلَى الخَوْفِ مِنَ اللهِ، وَمَنْ خَافَ مِنَ اللهِ بَلَغَ المَنْزِلَةَ :
عَنْ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ فَبَكَى طَوِيلًا وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ يَا أَبَتَاهُ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَذَا قَالَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنِّي وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدْ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ فَبَسَطَ يَمِينَهُ قَالَ فَقَبَضْتُ يَدِي قَالَ مَا لَكَ يَا عَمْرُو قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ قَالَ تَشْتَرِطُ بِمَاذَا قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِي قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي) رواه مسلم.
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : (قَدْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ) قَوْلهُ ُتَعَالَى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) يَقُولُ تَعَالَى : لِيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَا قَدَّمَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ مِنَ الأَعْمَالِ : أَمِنَ الصَّالِحَاتِ الَّتِي تُنْجِيهِ، أَمْ مِنَ السَّيِّئَاتِ الَّتِي تُوبِقُهُ ؟ وَالمَقْصُودُ أَنَّ صَلاحَ القَلْبِ بِمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ، وَفَسَادَهُ بِإِهْمَالِهَا وَالاسْتِرْسَالُ مَعَهَا).

اللهمَّ اهْدِناَ لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّا سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّا سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين.