من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. علي عبده أبو حميدي.
إجمالي القراءات : ﴿8806﴾.
عدد المشــاركات : ﴿36﴾.

التربية الإسلامية والتحديات المعاصرة «2».
■ إن من التحديات التي تواجه التربية الإسلامية منها عدم حب العلم للعلم : إذ هو من الأمور الهامة التي يحتاج إليها فبدونه لن يرتقى الإنسان المسلم، ولن تكون القيادة للأمة، ولن تصبح الأمة الإسلامية في مكانتها التي أوجها الله لها مادام سلطان العلم بعيداً عن فردها المسلم.
إن حب العلم من الأمور الهامة والضرورية التي تغرس في نفس المسلم محبة العلم وأهله والصبر عليه حتى ينال الدرجات العليا فيه، فهذه ثمرة حب العلم للعلم وليس للدنيا، والترغيب فيه، وحب السعي إليه.
ويقول ابن الجوزي (وبالعلم يتقوم قصد العلم كما قال يزيد بن هارون طلبنا العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله ومعناه أنه دلنا على الإخلاص) (1) وما يحدث الآن من غرس في نفس المسلم لحب الدنيا، فنجد أن البعض يقول في وقتهم الحالي لقلة الوظائف وعدم وجودها، ماذا نستفيد من الدراسات وهذه الشهادات التي سوف نحصل عليها ما دام لا يوجد لها وظيفة ؟
ومن خلال هذه النظرة التشاؤمية أصبح طلاب العلم لا يميلون له، بل همهم الوحيد الحصول على الوظائف والماديات التي يحصلون بها على المراكز في المجتمع دون علم يقيم حاجتهم في الأمور الخاصة بهم.
وبذلك يتخرج فئة لا تعرف من العلم إلا اسمه، دون علم عنده أو فقه في الدين، وبذلك يطبق الجهل على هذه الفئة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : (سَيَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ، يَكْثُرُ الْقُرَّاءُ، وَيَقِلُّ الْفُقَهَاءُ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ)، قَالُوا : وَمَا الْهَرْجُ ؟ قَالَ : (الْقَتْلُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ رِجَالٌ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ يُجَادِلُ الْمُنَافِقُ الْمُشْرِكُ الْمُؤْمِنَ) (2).
عن علي رضي الله عنه قال : (يَا حَمَلَةَ الْعِلْمِ اعْمَلُوا بِهِ، فَإِنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَوَافَقَ عِلْمُهُ عَمَلَهُ وَسَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَحْمِلُونَ الْعِلْمَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يُخَالِفُ عَمَلُهُمْ عِلْمَهُمْ وَتُخَالِفُ سَرِيرَتُهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ يَجْلِسُونَ حِلَقًا فَيُبَاهِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ عَلَى جَلِيسِهِ أَنْ يَجْلِسَ إِلَى غَيْرِهِ وَيَدَعَهُ، أُولَئِكَ لَا تَصْعَدُ أَعْمَالُهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ، تِلْكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى) (3).
فالأحاديث تدل على فتنة عظيمة وهي أن يكثر القراء أن يكثر المطَّلعون, يستدلون بالقراء، يحفظون القرآن يستدلون بالسنة، عندهم علم بكلام الناس وبما في الكتب؛ لكنهم ليسوا بعلماء فقهاء, فهؤلاء لاشك يحدثون فتنة، لأنهم يضرون بالناس إذا قالوا ما لم يعلموا.

ولذلك يجب على كل غيور في هذه الأمة أن يبحث هذه المشكلات التي تواجه الأمة ليجد الحل الأمثل لها ليعيد الأمة الإسلامية إلى الساحة، ويجعل هم المسلم الوحيد القيام بالواجبات التي أناطه الله بها، ومن ثم يجد أن أمته خير أمه أخرجت للناس لقول الله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (آل عمران : 132)، والإسلام من خلال نصوص القرآن الكريم يكشف عن فضيلة العلم والدعوة إلى طلب العلم قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة 132).
ولمواجهة التحديات المعاصرة يكون طلب العلم للعلم، وحتى يتأثر بالعلم ويؤثر في الآخرين؛ إذ العلم سبب لمرضاة الله تعالى، وسبب للحياة الطيبة في الدنيا والآخرة والحياة البرزخية.
فالعلم يُقوِّم سلوك الإنسان، ويهذب نفسه ولا يكون ذلك إلا لمن أخلص النية في طلبه وتطبيقه للنجاة من الشرور على اختلاف أنواعها وأخباسها، وعندما يجتمع أفراد المجتمع لينهلوا من بعضهم يتعلمون ويعلمون، فهي من أجل القربات إلى الله سبحانه وتعالى، وكان سلفنا الصالح يشدون رحالهم طلباً للعلم، لذا "ولو لم يكن في العلم إلا القرب من رب العالمين، والالتحاق لعالم الملائكة وصحبة الملا الأعلى، لكفى به شرفاً وفضلاً، فكيف وعز الدنيا والآخرة منوط به شروطه بحصوله" (4).
إن الحصول على العلم الذي ينفع يكون فيه عز الناس في الدنيا والآخرة، ورقيها إلى مصافي الأمم المتقدمة، وفيه معرفة الله ومعرفة رسوله صلى الله عليه وسلم والإيمان بهما.
كما أن الحصول على العلم للدنيا من الأمور التي تؤدي إلى عدم رضا الله سبحانه وتعالى على هذا الإنسان وبعد عن الجنة في الآخرة، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (5).
عَنْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، خَرَجَ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ نَحْوًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَقُلْنَا : مَا بَعَثَ إِلَيْهِ السَّاعَةَ إِلَّا لِشَيْءٍ سَأَلَهُ عَنْهُ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ : أَجَلْ، سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ)، (ثَلَاثُ خِصَالٍ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا : إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ).
وَقَالَ : (مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ، جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ) وَسَأَلَنَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى، وَهِيَ الظُّهْرُ (6).
إن الحصول على العلم الذي ينفع يكون فيه عز الناس في الدنيا والآخرة، ورقيها إلى مصافي الأمم المتقدمة، وفيه معرفة الله ومعرفة رسوله صلى الله عليه وسلم والإيمان بهما.
إن مواجهة التحديات المعاصرة من الأمور المهمة التي تناط به، أن يقوم بالعمل على علم من أمر من الله سبحانه وتعالى، لذا كان ذم الله سبحانه وتعالى للذين يقولون ما لا يفعلون، قال الله تعالى : (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) (الصف : 3).
فعدم العمل بالعلم سبب من أسباب محق بركة العلم؛ لذا كان السلف أحرص الناس على العمل بما يعلمون، ولأن العلم والعمل قرينان فيجتمعا ويرتفعا معاً، وإن كان هناك علم بلا عمل فإنه حجه على صاحبه، وتربية المسلم على طلب العلم للعلم يعين على تثبيت العلم.
وتظهر أهمية مواجهة التحديات المعاصرة لحاجة المجتمعات المسلمة والأقليات المسلمة في البلاد غير الإسلامية إلى إعداد المسلم إعداداً ينطلق من ثوابت التربية الإسلامية، ويراعي متغيرات العصر الحديث.
وتظهر أهمية مواجهة التحديات المعاصرة في الاستفادة من الأساليب التربوية في التعامل معه لتأصيل الجانب التربوي لديه في طلب العلم للعلم، وتظهر هذه التربية العلمية من خلال إبراز شخصية الفرد المسلم وتكاملها.
تقديم بعض المقترحات التي تساعد المجتمع على تربية أفراده تربية إسلامية شاملة متكاملة تبرز في حل المشكلات ومنها التفوق العلمي في جميع المجالات، وإبراز توجيهات الإسلام في تربية الأفراد وعنايته بطلب العلم للعلم، وإبراز أهمية تزكية العلم إذ بتقديرها يؤتى الله سبحانه وتعالى خيراً لا يتوقع مدخله على الأفراد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التربية الإسلامية والتحديات المعاصرة ـ تأليف : الدكتور علي عبده أبو حميدي.
(1) عبدالرحمن بن علي الجوزي، تلبيس إبليس، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1421هـ ـ 2001م، صـ284.
(2) سليمان بن أحمد الطبراني, المعجم الأوسط، تحقيق : طارق بن عوض الله بن محمد,‏ عبدالمحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، 1415م ـ 1995م، جـ 3، صـ 319.
(3) عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي، سنن الدارمي، تحقيق : حسين سليم أسد الداراني، دار المغني للنشر والتوزيع، الرياض، 1412هـ - 2000م، جـ 1، صـ 382.
(4) محمد أبو بكر بن القيم، مفتاح دار السعادة، مرجع سابق، جـ1، صـ 108.
(5) سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود، تحقيق صدقي محمد جميل، دار الفكر، بيروت، 1414هـ ـ 1994م، جـ3، صـ361.
(6) أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف عبدالله بن عبدالمحسن التركي، مؤسسة الرسالة، 1421هـ - 2001م، جـ،35، صـ467.