من أحدث المقالات المضافة في القسم.

طارق يسن الطاهر عدد المشاركات : ﴿76﴾ التسلسل الزمني : 1438/01/01 (06:01 صباحاً) عدد القراءات : ﴿2210﴾

تقريظ : ورحل المزمار / الشيخ القارئ نورين محمد صديق.
ها هي أرضنا تنقص من أطرافها، وها هي أرضنا تغطت بالتعب، واتشحت بالسواد، وخيم الحزن عليها.
نعى إلينا الناعي الشيخ القارئ نورين محمد صديق، مذ سمعت الخبر كنت أتنقل بين الوسائط؛ حتى أرى مصدرا واحدا يكذب الخبر، وينفي النبأ، ولكن خاب مسعاي، وكلَّ بصري - وأنا أبحث عن ذلك - فالجميع يؤكدون الخبر.
صوت رخيم عذب غض طري شجي، تسمع منه القرآن، كأنه أنزل الساعة، أوتي مزمارا من مزامير داوود، صوت يحبّر القرآن تحبيرا، يعطي الآيات دلالاتها، ويمنح السور أبعادها، ويهب الكلمات والعبارات مضامينها.
كان أحدهم كلما يركب معي يطلب مني تشغيل مصحف نورين، وكان يقول إنه صوت يذكرك الموت، وكفى بالموت واعظا، يذكر الموت؛ لأنه يقرأ من القلب، ولأن قراءته لم تقف عند حنجرته ، فقد تجازتْها لتخرج من قلبه لقلب المستمع، كان يقرأ برواية الدوري فيبدع، ويجعلك تبحث عن دلالة الكلمة التي اختلفت عما درج عليه الكثيرون في القراءة المشهورة عند حفص عن عاصم.
من أجال بصره بين صور الشيخ ما وجده إلا مبتسما أو باكيا، حاله بين هذين الحالين، فهكذا الحياة فرح وحزن، وهكذا نورين يعطي كل لحظة ما يناسبها، يبكي وهو يقرأ القرآن، ويبتسم في غير ذلك من المواضع، ويضحك حتى تبدو نواجذه.
رحل نورين مع كوكبة من الحفاظ عائدين من شمال البلاد إلى العاصمة في رحلة دعوية، رحلت بعثة الشهداء بكامل أعضائها كما رحل سبعون من القراء والحفظة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئر معونة، لحق بهم نورين وصحبه شهداء أيضا في حادث مروري مؤلم.
لا يعرف الكثيرون رفاق نورين في هذه الحادثة، ولكن ما ضرّهم إن كان رب الكثيرين يعرفهم، فقد صعدت أرواحهم إلى بارئها، وسمت محلقة إلى جنان ربها، وناموا ليلتهم في برزخهم يقولون ربنا أقم الساعة.
لم ينطفئ نور القرآن؛ فالله متم نوره، ولم يسكت صوت نورين؛ لأن تسجيلاته منتشرة في الوسائط، كلما استمع لها أحدهم دعا له، وهذا والله الخير العميم، والفضل الجميل الذي أراده الله له؛ فحسناته مستمرة، وعمله متصل غير منقطع.
حسنات كالجبال تثقّل ميزانه كلما استمع له أحدهم وهو يقرأ القرآن، ويبكي بصوته المؤثر، كلما حفظ أحدهم آيات، كان نورين سببا في حفظها، كلما تدبر أحدهم آية كان نورين سببا فيها.
رحم الله الشيخ نورين وصحبه، وغفر لهم، وبارك في ذرياتهم وعظم الله أجرنا جميعا.
|| طارق يسن الطاهر : عضو منهل الثقافة التربوية.