أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

مجرد كلام ﴿2242﴾.
متعة الفشل ﴿2820﴾.
مفاهيم ملحة ﴿3715﴾.
شذوذ وخلل ﴿5370﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. خالد محمد الصحفي.
إجمالي القراءات : ﴿3817﴾.
عدد المشــاركات : ﴿104﴾.

فلسفة الواقع المر : الفراق !
■ الفراق هو أن يموت شيء بداخلك وأنت ما زلت حيا، فالفراق حالة انفصال روح واحدة عن جسدين متآلفين متحابين، فيشعر كل جسد بعد هذا الانفصال بأن كل عضو فيه يحن للارتقاء بذالك الجسد الآخر والاندماج فيه والامتزاج به والانصهار في بوتقته، في الفراق نعرف جيداً حزناً اسمه الحرمان من شيء كان مصدر سعادة لنا وندرك لغة جديدة اسمها الفقدان لشيء كان يملؤ كل الفراغ المحيط بنا، والفراق حالة خاصة لا يدرك أسرارها سوى القلوب الطيبة التي لا تعرف سوى الصدق منهجاً لها والبياض لوناً لها.
في الفراق نكتشف أن الحياة هي ذاتها لم تتغير لكن شيئاً بداخلنا هو الذي تغير وهو الذي أصابه العطب والخلل والكسر فتغيرت معه كل استجابات مشاعرنا وأحاسيسنا لكل ما يحيط بنا من أزمنة وأمكنة وتفاعل مع الأشخاص والأشياء فأصبح كل ما حولنا باهتاً ومملاً ولا يوجد أي حدث يملأ الفراغ الكبير الذي يحيط بنا من كل جانب.
وليس صحيحاً أن الفراق دائماً انفجار مملوء بالضجيج والصخب فبعض الفراق ارتياح وانشراح ولا سيما حينما يكون من نحب لا يبادلنا الحب ذاته والشعور ذاته، فالفراق هنا فرصة لحفظ كرامة الذات وماء العزة من الإذلال والهوان لمن لا يستحقها فالإنسان كبرياء وكرامة وحينما يتنازل عنها باسم الحب فهو يتنازل عن ما هو أهم من الحب والحبيب، يخسر ذاته وكبرياؤه، والفراق في مثل هذه الحالة هو طوق نجاة وأمل جديد لرؤية الأشياء من منظارها الصحيح والموضوعي وفرصة جديدة للحب من جديد والعثور على الشخص المناسب الذي يهتم بنا ويبادلنا المشاعر ذاتها والاحتياجات ذاتها أو على الأقل فرصة لكي نحيا بهدوء وصمت دون خوف أو حزن، فقلبنا بين أيدينا نملكه نحن وليس بيد شخص آخر يلعب به مرة باسم الحب ومرة باسم الغيرة ومرة باسم الخوف ومرة باسم الشك، وهنا يجب أن لا نخاف من الفراق أو من الخسارة فالغابات المحروقة تعاود نموها وكل شجرة تمسها يد الشتاء لابد وأن تمسها يد الربيع وكل موت يقود بمعنى ما إلى حياة أخرى أو تقمص جديد، فالحب ابتداءً وانتهاء هو عطاء وتضحية وصبر وحنو على الآخر دون انتظار المقابل.
والفراق قد يكون أحياناً فرصة لمعرفة حجم احتياجنا إلى الآخر ومدى حاجته هو أيضاً إلينا ووقفة تأمل مع الذات ولحظة صمت عميقة لمراجعة كل حساباتنا وتصرفاتنا القديمة ومن ثم فلترة عواطفنا لكي نخرج منها كل شوائب الأنانية وترسبات الوهم.
والفراق حالة تأجج لكل الأشواق بداخلنا وصرخة حنين من صوت القلب لكل الأحبة الغائبين والراحلين الذين مضوا بعيداً إلى حياة أخرى وعالم آخر، فرق بيننا وبينهم الموت فرحلوا بأجسادهم وتبقت ذكراهم العطرة كالمسك لا نملك سوى الدعاء والصبر وكلما مر طيفهم قلنا بكل الصدق : (الله يذكرهم بالخير) !
والفراق يعلمنا الصمت والتأمل ونفهم معنى أن يكون المرء وحيداً وسط صخب الحياة وضجيج الناس، وفي الفراق نكتشف أن حياتنا تسير بانتظام فيما القلب تسوده الفوضى والاضطراب.
وبعض الفراق دمعة ولوعة وجرح لا ينتهي إلا بانتهاء العمر يصبح المرء فيها أسيراً لعباءة الماضي الجميل الحزين، وبعض الفراق دمعة سرعان ما تجف سريعاً ولوعة محدودة الأثر والتأثير وجرح سهل أن تداويه الأيام بسرعة، فبعض الجروح يأتي بها الزمن ويذهب بها الزمن أيضاً.
والفراق هو في النهاية جزء من نمو الحب وتطوره وحركته الدائمة التي لا تعرف الثبات والاستقرار وهو جزء من كينونة الحياة التي نعيشها وبالتالي يجب أن ننظر إليه أحياناً كشيء واقع وأمر يحدث لكل البشر وفي كل العلاقات وليس شيئاً يختص به الفقراء دون الأغنياء ولا المحبون دون الغرباء.