أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : طارق فايز العجاوي.
إجمالي القراءات : ﴿5258﴾.
عدد المشــاركات : ﴿35﴾.

الأدب الإسلامي : (الأسس والقيم والمعايير) ــ دراسة علمية.
■ جاء الإسلام بجملة من القيم لا تخفى على احد سنامها، نظرة الإنسان المسلم إلى الحياة والكون عموماً وإلى أخيه الإنسان وفي فهم فطرته وغاية وجوده في الحياة الدنيا ومصيره بعد موته وفهم قدرته وجوهره وفي تقرير مصادر المعرفة للإنسان والإنسانية جمعاء ومصادر العلم بصنوفها المعهودة.
فكما يعلم الجميع أن أول مصدر للعلم الحقيقي في الإسلام هو الوحي من عند خالقه، الوحي الذي جاء به الأنبياء والرسل والذي ختمهم سيد الخلق محمد (عليه الصلاة والسلام).
فالإسلام يربط العبد بربه وخالقه جل شأنه وهذا الرباط يقوم على ميثاق وعهد يجب على المؤمن أن يلتزمه، وهذا الالتزام يقوم على الولاء القاطع الملزم الخالص لله تعالى لا يشرك به أحدا.
ومن خلال هذا العهد تنبثق كافه عقوده - اقصد المؤمن - في الحياة الدنيا، إذا مصدر كل عهد ووعد الهي، ومن خلال ذلك ينبع معنى الحب الحقيقي ليكون حب العبد لخالقه ولرسوله صلى الله عليه وسلم هو أسمى حب وود في حياة المؤمن ومن خلاله ينبثق أي حب دنيوي آخر، وعلينا أن ندرك أنه إذا فسدت أو انحرفت عهود الإنسان أو جنح الولاء وانحرف الحب عن العهد مع الخالق أو الولاء له جلت قدرته أو الحب لرسوله فسد الحب والولاء والعهد والوفاء وبالتالي ضاع الإنسان وتاه وضل ممتطيا ظهور الفلسفات والأيدلوجيات والمذاهب التي بحقيقتها فيها إفساد للفطرة السليمة التي فطر عليها بني البشر.
والمؤمن يمضي على عهده وولائه على يقظة ووعي لا على طيش وجهل وضلال يمضي على وعي حقيقي وصادق للربوبية والألوهية ولحقيقة عبوديته لخالقه جلت قدرته وعلى وعي للأمانة التي يحملها في حياته الدنيوية ولحقيقة المآل والمصير بعد موته وعلى وعي وتصديق بالبعث والحساب، وهذا حقيقة ما يجعل الإنسان المؤمن مرتبطاً بالكون أوسع ارتباط. هذا الارتباط مبناه ومؤداه الامتداد من الممر إلى المستقر من الدنيا إلى الآخرة ليعي آيات خالقه الوارفة الممتدة، رويةً حقيقتها الإيمان والتوحيد والتصديق فينيب ويخشع ويزداد يقيناً وإيماناً وبالتالي يضحي هو العبد القوي على الأرض بالرسالة الجليلة العظيمة التي يحملها ويعتز بحملها.
هذا العبد بهذا التوحيد والإيمان بهذا العلم والوعي بهذا الحب والعهد والولاء والطاعة بهذه الإنابة وبهذا الخشوع بهذه الرسالة العظيمة وبهذه القوة وبكل ما يحمل هو الإنسان الذي كرمه خالقه واكرمه حقيقة بالأمانة التي حملها والخلافة التي أنيطت به والعمارة - إعمار الأرض - التي أمزه الخالق بها، والعبودية لله رب العالمين جل شأنه تلك العبودية التي خُلق ووجد لها ليكون بها عزيزا في الحياة الدنيا ناجيا في الدار الآخرة، وفعليا يجمع هذه القيم والتصورات كلها ويفصلها منهاج الله كتابا وسنة كما نزل على نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وحيا باللغة العربية العظيمة التي كرمها الله كي تكون لغة كتابه العزيز وبيانا معجزا جليا ميسرا للذكر والشكر.
فمن هذا المخلوق المؤمن الذي يحمل أسمى معاني الخير واعظم رسالة حملتها البشرية ينبع الأدب الإسلامي بشقيه الشعر والنثر كي ينهض بدوره في أداء الأمانة وواجب العمارة وحق الخلافة وعزة العبودية للخالق رب العالمين جلت قدرته.
من هذا الإنسان ينبع الأدب الإسلامي ومن خلال هذا التصور دون غي أو انحراف ولا حتى اصطدام هذا الإنسان المؤمن يخرج منه أدب بطعم ولون واحد هو (أدب الإسلام)، فهذا الإنسان هو حاجة البشرية قاطبة وأدبه الثري الصادق هو حاجة الإنسانية بقضها وقضيضها تنظر إليه وتنتظره كي يعود الخير والصدق والأمانة كي يسعد الطفل والكهل الرجل والمرأة ليسعد الإنسان، من أجل كل ذلك شرع الجهاد في سبيل الله ومن أجل ذلك كان الأدب الإسلامي أدب الجهاد والمجاهدة في سبيل الله تفتحت وأشرعت كافة ميادين الكون وكافة موضوعاته بالبيان الوارف الرائع إلى سنام الأدب الإنساني وليكون فعلا هو الأدب الحقيقي في هذه الدنيا.
هذه هي قيم ومزايا وخصائص وقواعد الأدب الإسلامي - أدب الرسالة - ومن هذا النبع الأدبي الثري يخرج الشعر والنثر ليكون أدب العلم والصدق والوعي والحق، أدب اليقظة لا أدب الأوهام ولا أدب الخرافات والأساطير .. الخ.
فالأدب الإسلامي يختلف عن سائر الآداب بما اسلفنا، فنظرته مختلفه بخصوص الكون والحياة والإنسان وتختلف من حيث المصدر على صعيد العلم والمعرفة وأيضا يختلف اختلافا كليا بخصوص نظرته للماضي والتراث والمستقبل أيضا، ولا شك أن هناك كثيرا من المذاهب تريد قطع وبتر الرابط والصلة مع الماضي في الوقت الذي يصل فيه الإسلام الأجيال كلها بالحق الذي يدعو إليه ويطرح الباطل ويصل الدنيا بالآخرة.
فديننا الإسلامي يرفض الخرافة والأسطورة والأوهام ويقوم على اليقين والحق ويؤمن بالغيب الحق الذي يأتي من عند الخالق، وحقيقة يجب الإشارة إليها ونحن بهذا الصدد ألا وهي أن الخرافات والأساطير لا تظهر في الأدب والفن عموما إلا عندما ينقطع الإنسان عن مصادر العلم اليقيني علم الغيب الحق من عند الله.
فالأدب في الإسلام يصل الأجيال كافة صلة أرحام وصلة رسالة وتاريخ يمتد مع الحياة. ويرعى الأسرة وروابطها ويبين ويحدد دورا كريما للرجل ومثله للمرأة على أساس الصلة الطاهرة والتعاون والسكن.
وتلك الآداب على الضفة الأخرى - الآداب الأخرى - تقطع صلة الأجيال ببعضها وتهدم الأسرة وتدعو إلى الرذيلة والفاحشة تحت شعار باطل كاذب هو طرحهم المذموم مساواة المرأة بالرجل، وهذه الآداب تلتزم وتأخذ بتناقضها عن الماضي الأسطورة والخرافة تقليدا أعمى في الوقت الذي ينكر ويرفض الإسلام الاتباع الجاهل والتقليد الأعمى ويدعو إلى الإيمان والعلم والوعي، ويؤكد أن سنن ونواميس الكون والحياة آيات بينات للخالق في حين تلك المذاهب تنكر النواميس والسنن الربانية وتحاول بجهلها المطبق مصادمتها، ونعلم جميعا أن تلك المذاهب والفلسفات الحداثية تعلن حربها على اللغة وتدعو إلى إفراغ الكلمات من معانيها وإلغاء علم المعاني والمعاجم والنحو .. الخ ويطلقون على هذا وغيره من أطروحاتهم نظرية (الشاعرية) ليجعلوا منها يما واسعا من الضلالات والأوهام يضل ويشت ويضيع فيه الإنسان.
بينما الإسلام أساسه منهاج الخالق لسانا عربيا لا عوج فيه تنهض لغتنا العربية لغة كتابه المعجز فمن خلال ما أوردناه يظهر الاختلاف الجوهري الهام بين النظرتين - كفة الإسلام وكفة الآداب الأخرى - وخاصة في مجال التطور والتجديد والنمو، فالإسلام وأدبه يدعو حقيقة إلى التجديد والتطور والنمو في جهدنا البشري بشرط أن يبقى محتفظا بجذوره وأصالته وقيمه فهو كالشجرة التي لا تطرح إلا طيبا.
إذاً من الظلم أن نطبق ذات المقاييس على الأدب الإسلامي بالصفة التي تطبق على تلك المذاهب والفلسفات ومن الإجحاف اعتمادها مقاييس وموازين لتطبيقها على الأدب الإسلامي.
إذاً التصور الإسلامي لمفهوم الأدب بشقيه الشعر والنثر ومنطلقه ينبع من كتاب الله جلت قدرته وسنه نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام وبناء على ذلك يجب أن تكون النظرية في أدبنا الإسلامي الثري الوارف ومن خلالها يجب أن يتولد النص الأدبي أو التعبير الفني عموما من حيث الجمال والمجال والمدى.
ولا أريد أن أخوض في هذه النظريات والفلسفات الوضعية التي رانت على الساحة العالمية عموما وعلى ساحتنا خاصة من افلاطون وانتقال الأفكار من اليونان إلى روما وبومجارتين وديدرو وكانت وفيتشيه وشابنهور وامتداد النظريات والفلسفات في الجمال في أوروبا على غير ثبات واستقرار امتدادا إلى فيتوفيلجوتيه الذي يعتبر من اهم دعاة (الفن للفن) وهو القائل "لا وجود لشيء جميل حقا إلا إذا كان لا فائدة له. وكل ما هو نافع قبيح" ثم جاء تاليا ادجارالنبو متأثرا بفلسفة هيجل وكانت وبندتوكورتشي الإيطالي متأثرا بهيجل واليوت. وتبع رجال الحداثة في أيامنا هذه نظريات متناقضه ومتضاربه أدت إلى نشر الرذيلة والفتنة والفساد، واشتد الصراع بين مختلف النظريات والفلسفات فنجد منهم من يغلب العاطفة على الفكر ومنهم من يغلب الفكر على العاطفة وذاك يمجد الإنسان نفسه وآخر يحدد دوره - أي الإنسان - وآخر يلغيه - أي يلغي دور الإنسان - في فترة ما ونجد بعضهم يرفع من النزعة الإنسانية والآخر يخفضها وحقيقة جميعهم حطُوا من قيمة الإنسان وقدرة وقيمة الجمال وشأنه عندما قاموا بعزله عن الإيمان والتوحيد.
أما في حمانا الإسلامي وفيما يخص الآداب نجد أن الفطرة في الإنسان، كما يمكننا فهمها من خلال نصوص الكتاب والسنه النبوية هي مستودع الطاقات الإنسانية ومستودع الأهواء والميول والغرائز واهم هذه القوى على الإطلاق قوة التوحيد والإيمان التي غرسها الخالق في فطرة خلقه حتى لا يكون لأحد حجة أبدا، وفعلا جاءت آياته جلت قدرته في الكون والحياة لتغذي هذا الاعتقاد والإيمان رحمة منه جل شأنه ثم جاءت الرسل والكتب المنزلة لتُختتم برسالة الإسلام رسالة رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام حتى لا يكون للخلق على الله حجة بعد رسله.
فالإيمان والتوحيد حقيقة هما القوة التي توازن بين سائر القوى والغرائز والشهوات والميول وهما النبع والمنبع الذي ترتوي منه هذه القوى كافة رياً عادلا يحفظ عليها العدالة والموازنة والاتساق إذا ما دامت كل قوة من هذه القوى مرتبطة حكما بالإيمان مرتوية منه فهي قوة خير وهناء وتقوى، فإذا انعزلت أو نضب النبع أضحت هذه القوة أو تلك فجورا وشرا ومجونا .. الخ.

● والقوى الرئيسة والهامة في فطرة الإنسان تنصب مجملا في قوتين رئيستين هما :
1. العقل والفكر .
2. العاطفة والإحساس .
فالأولى هي قوة التفكير والتدبر والتأمل والتحليل والدراسة وجمع المعلومات .. الخ. وقد اصطلح على تسميته قوة (الفكر)، أما الثانية فهي قوة الشعور والإحساس وتشتمل على العاطفة والرحمة والحنان .. الخ، ولقد اصطلح على تسميتها قوة العاطفة.
فمع كل عطاء يزجيه ويقدمه الإنسان تعملان هاتان القوتان معا ولا يضار أو يختلف المرء إلا بدرجة هذه القوة أو تلك مع هذا العطاء أو ذاك. ففي عطاء يغلب قدر الفكر دون أن يموت الشعور والإحساس ولكنه يخف ويبهت ويضعف، وفي وقت آخر تغلب العاطفة ولكن يبقى للعقل دوره مهما ضعف أو قل وعليه فانهما قوتان رئيستان في جبلتنا وفطرتنا الإنسانية تعملان معا على رتب ودرجات متفاوتة بين عطاء وعطاء.
فالإنسان في مسيرة حياته يمر بتجارب وأحداث تترك بصما في الإنسان في فكره وعاطفته على سنن الله ماضية وتبقى القوتان - الفكر والعاطفة - تتغذى وترتوي من ري الإيمان والتوحيد كما تتغذى سائر القوى على موازنة واتساق خاضعة لنواميس وسنن ربانية.

■ أيها الإخوة :
إن الإنسان عندما يتحرك للعمل تتحرك فيه قوة مهمة ألا وهي النية وهي في حقيقتها القصد والعزيمة والتوجه فلا عمل بغير نية، فإذا كانت لوجه الله عندها تصبح القوة التي تفتح نبع الإيمان والتوحيد كي يرتوي منه الفكر وترتوي أيضا العاطفة وسائر القوى العاملة في فطرة الإنسان سواء في حالة العلم والجهل، وفي نفس الوقت تمر الأحداث والتجارب وكل ما يجني الإنسان على النية وعلى الإيمان والتوحيد كي يتم تنقيتها وغسلها ثم تثبت على جناحي الفكر والعاطفة قوى تنمو عليهما وتزداد كانها تنتظر لحظة محددة ينطلق معا التفاعل بينهما، وفي الوقت الذي تأتي فيه هذه اللحظة المحددة بعينها على قدر من الخالق جلت قدرته وفي الوقت الذي تكون الإشعاعات والشحنات هنا وهناك دنت ونمت مع بعضها للتفاعل في هذه اللحظة عينها تتحرك الموهبة وهي حقيقاً القوة المختزنة في فطرتنا الإنسانية وفي كياننا، تتحرك هذه القوة المحركة وتندفع لتطلق الومضة الغنية على شكل عطاء فني أو علمي على حسب الموهبة التي أوجدها الخالق في هذا الإنسان أو ذاك.
وتفرز هذه الومضة عملاً قيماً يحمل في ثناياه كافة عناصر الجمال المؤثر في النفس المستقبلة المؤمنة نور الأمان وإشراقة النية وغنى التجربة، والزاد والحصاد في الأسلوب والصياغة وغيرهما ونقاء وطهارة الفكر والإحساس وصدق العاطفة والشعور وقوة الموهبة وإشعاعها ليحمل هذا كله الجمال الحق المرتبط بالمحيط الكون المتصل بالحياة الدنيا والآخرة في لحظة من اعظم لحظات العبد المؤمن الذي حباه الخالق وانعم عليه بموهبة مميزة وخاصة تدفع عطاءا خاصا. وحقيقة بقدر ما تكون هذه العناصر كلها غنية تكون الومضة غنية بالجمال والعطاء ومن الحصاد والزاد اللغة والعلم والفكر والثقافة.
■ مشاركة الأديبة : إيمان برجس.