أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. علي عبده أبو حميدي.
إجمالي القراءات : ﴿3503﴾.
عدد المشــاركات : ﴿36﴾.

المواطنة في الإسلام : حقوق وواجبات «5».
■ تأصيل مفهوم المواطنة باستقراء الأدلة الشرعية.
• ثانياً : السنة النبوية.
1- عن أنس رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إِلَى جُدْرَانِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا (1) إن هذا الحديث استنبط منه العلماء الدلالة على فضل المدينة وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه وهو من قبيل المواطنة (2) كما أن فيه دلالة على أن من المواطنة محبة الوطن، وهي شرعية يتقرب بها المسلم إلى ربه سبحانه وتعالى.

2- عَنْ أَنَسٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ : (اللّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ) (3) إن من المواطنة الاقتداء بالأنبياء والمرسلين في الدعاء، فقد دعا نبي الله إبراهيم لمكة بالرزق والبركة، ودعا الحبيب المصطفى للمدينة بضعفي البركة في مكة، وما دعاؤهم إلا لحبهم لهذه الأماكن.

3- عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ : هذِهِ طَابَةُ وَهذَا أُحُدٌ، جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ (4) إن من المواطنة حب الأرض بما فيها كما فعل الرسول، فقد أحب جبالها ووديانها، وأحب الجبل الصامت الصامد، وأشار إلينا أن نحبه فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا (جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ)، كما أن حب جبل أُحُد من حبه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمدينة، إن قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا (جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) قيل هو على الحقيقة ولا مانع من وقوع مثل ذلك بأن يخلق الله المحبة في بعض الجمادات وقيل هو على المجاز والمراد أهل أحد على حد قوله تعالى واسأل القرية وقال الشاعر :
وما حب الديار شغفن قلبي • • • ولكن حب من سكن الديارا (5)
ويمكن القول أنه (لا مانع أن تكون المحبة من الجبل على حقيقتها وضع الحب فيه كما وضع التسبيح في الجبال المسبحة مع داود عليه السلام وكما وضعت الخشية في الحجارة التي قال الله فيها : (لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر : آية 21) (6) إن حب مكة في قلب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بعد ما هاجر منها، وكان يحن إليها.

4- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَّةَ مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ (7) خاف الأنصار رضي الله عنهم يوم فتح مكة أن لا يرجع الرسول معهم إلى المدينة.

5- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَفَدْنَا إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ وَفِينَا أَبُو هُرَيْرَةَ ـ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ فَكَانَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا يَصْنَعُ طَعَامًا يَوْمًا لأَصْحَابِهِ فَكَانَتْ نَوْبَتِى فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ الْيَوْمُ نَوْبَتِى، فَجَاءُوا إِلَى الْمَنْزِلِ وَلَمْ يُدْرِكْ طَعَامُنَا فَقُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ لَوْ حَدَّثْتَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى يُدْرِكَ طَعَامُنَا فَقَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَوْمَ الْفَتْحِ فَجَعَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُمْنَى وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُسْرَى وَجَعَلَ أَبَاعُبَيْدَةَ عَلَى الْبَيَاذِقَةِ وَبَطْنِ الْوَادِي فَقَالَ «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ادْعُ لِي الأَنْصَارَ» فَدَعَوْتُهُمْ فَجَاءُوا يُهَرْوِلُونَ فَقَالَ «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ هَلْ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ» قَالُوا نَعَمْ قَالَ «انْظُرُوا إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَدًا أَنْ تَحْصِدُوهُمْ حَصْدًا» وَأَخْفَى بِيَدِهِ وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ وَقَالَ «مَوْعِدُكُمُ الصَّفَا» قَالَ فَمَا أَشْرَفَ يَوْمَئِذٍ لَهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ أَنَامُوهُ - قَالَ - وَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الصَّفَا وَجَاءَتِ الأَنْصَارُ فَأَطَافُوا بِالصَّفَا فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ لاَ قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِى سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلاَحَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ» فَقَالَتِ الأَنْصَارُ أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ وَرَغْبَةٌ فِى قَرْيَتِهِ وَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «قُلْتُمْ أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ وَرَغْبَةٌ فِى قَرْيَتِهِ أَلاَ فَمَا اسْمِي إِذًا - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُاللَّهِ وَرَسُولُهُ هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ» قَالُوا وَاللَّهِ مَا قُلْنَا إِلاَّ ضِنًّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ «فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ» (8) ولقد كان من دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرزقه حب المدينة كما يحب مكة.

6- عَنْ عَائِشَةَ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُا، أَنَّهَا قَالَتْ : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلالٌ، قَالَتْ : فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا، فَقُلْتُ : يَا أَبَتِ، كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ قَالَتْ : وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ : كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلالٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ، فَيَقُولُ : أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ وَهَلْ يَبْدُوَنْ لي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ : فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحِبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ (9) إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم (أو أشد) "أي بل أشد أو وأشد" (10) إن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرزقه حب المدينة أشد من حبه لمكة، كمواطن استشعر بأنا أصحبت بلداً له، وطناً يحن إليه، ويُسر عندما يرى معالمها.
إن المواطنة التي تنبثق من حب الوطن حيث سمى إخراجه وأصحابه من مكة إخراجاً، لأنهم خرجوا من مكة وهي دار شرك إلى المدينة بعد أن أصبحت مأوى للمؤمنين (11).

7- لذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لأصحابه أن يتم لهم هجرتهم، ولا يردهم على أعقابهم؛ إدراكاً لما يكابدونه في القيام بها.
عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ، «اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِى هِجْرَتَهُمْ وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ» قَالَ رَثَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَنْ تُوُفِّىَ بِمَكَّةَ (12).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
■ المواطنة في الإسلام ـ تأليف : الدكتور علي عبده أبو حميدي .
(1) صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب العمرة، باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة، د.ت، جـ3، صـ 29.
(2) فتح الباري يشرح صحيح البخاري، أحمد على العسقلاني، تصحيح عبدالعزيز بن باز، المكتبة السلفية، القاهرة، د.ت، جـ 3، صـ 727.
(3) صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب العمرة، باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة، د.ت، جـ3، صـ 29.
(4) المرجع السابق، كتاب المغازي، باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم الحجر، د.ت، جـ6، صـ 9.
(5) فتح الباري يشرح صحيح البخاري، مرجع سابق، جـ 6، صـ 102 - 103.
(6) السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون، علي بن برهان الدين الحلبي، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ ـ 1980م، جـ 3، صـ 487.
(7) الجامع الصحيح سنن الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي، كتاب المناقب، باب فضل مكة، تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرون، دار الكتب العلمية، بيروت، 1408هـ ـ 1987م، جـ 5، صـ 679 ـ 680.
(8) الجامع الصحيح المسمى صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج بن مسلم، باب فتح مكة، دار المعرفة، بيروت، د.ت، جـ 5، صـ 172ـ 173.
(9) صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب العمرة، باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى بالمدينة، جـ3، صـ 29.
(10) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، علي أحمد السمهودي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1427هـ ـ 2006م، جـ 1، صـ 35.
(11) حب الوطن، مرجع سابق، صـ 41.
(12) الجامع الصحيح المسمى صحيح مسلم، مرجع سابق، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، جـ 5، صـ 71.


المواطنة في الإسلام : حقوق وواجبات «1».
المواطنة في الإسلام : حقوق وواجبات «2».
المواطنة في الإسلام : حقوق وواجبات «3».
المواطنة في الإسلام : حقوق وواجبات «4».
المواطنة في الإسلام : حقوق وواجبات «5».
المواطنة في الإسلام : حقوق وواجبات «6».
المواطنة في الإسلام : حقوق وواجبات «7».