من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

مجرد كلام ﴿2242﴾.
متعة الفشل ﴿2820﴾.
مفاهيم ملحة ﴿3715﴾.
شذوذ وخلل ﴿5370﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. أكرم محمد مليباري.
إجمالي القراءات : ﴿3996﴾.
عدد المشــاركات : ﴿26﴾.

الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم؛ حيث كان التوجيه الإلهي الحكيم؛ لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في كلمة عظيمة : (اقرأ)، شاع من خلالها نور العلوم؛ وانثالت بعدها الأحبار مسطرة على صفحات التاريخ؛ بحورا من العلم؛ خاض في لججها الكثير من العلماء والفلاسفة المسلمون، وغير المسلمين؛ أثروا الزمان والمكان؛ بالمفيد والجديد، والكثير منه أسهم في دفع عجلة التقدم في الحياة؛ على جميع المستويات، منها ما كان في تنمية الفكر والأدب، وآخر في مجالات العلوم المختلفة الأخرى.
واللافت في كلمة (اقرأ) : أنها لا تدعو إلى القراءة بمجرد تمرير العين على حروف الكلمات فحسب؛ بل إلى التمعن في ما وراء المعاني والحروف؛ من أفكار عامة ومقصودات تهدف إليها تلك الكلمة، أو تلك العبارة. وكثيراً ما نحتاج إلى (القراءة بين السطور)، وهي ما ترمي إليه العبارة من معان ضمنية؛ مساقه في النص أو الكلمة من قبل الكاتب، أو الفكرة الأساسية التي يريد إبرازها. وأضرب مثالاً لتجلية المعنى : فحين أقول : "آن لك أن تقطف الثمرة !" وحين تقع تلك الجملة على أذن السامع، قد يفهم ما أقصده منها مبدئيا؛ وهو أن هناك ثمرة تحصد من خلال إروائها والعناية بها، ولا بأس بذلك، وقد يقع في تهويمات وتأويلات لا نهاية لها ! وليس من غير الطبيعي أن يحدث ذلك؛ لأن أغلب الجمل والعبارات؛ قد يكون من الصعب فهمها من غير معرفة المناسبات التي تقال فيها، والسياقات التي تستخدم في صياغتها، حينها - أي حين معرفة سياقاتها - من قبل السامع؛ سوف يكون فهمها سهلاً وبطريقة لا شعورية.
فإذا قلت لطالب وهو على طاولة الامتحان في نهاية العام الدراسي : "آن لك أن تقطف الثمرة !" فقد يتبادر لذهنه على التو أني أقصد أنه سوف يجني ثمرة ما بذله من اجتهاد واستذكار؛ وجد وسهر بمطالعة الكتب، وأداء الفروض المدرسية؛ من خلال طرح المعلومات التي ترسخت في رأسه، على ورقة الامتحان، ومن ثم يتم تقييم ما كتبه من معلومات؛ ويمنح بناء عليه الدرجة التي يستحقها.
ويحضرني تخيل المشهد العظيم الذي يخاطب به الله جل وعلا عباده الصالحين، يوم القيامة بعد القضاء والحساب : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) (الحاقة : 24) وهو حصاد للمؤمنين، وجني لثمار عملوا في دنياهم؛ من أجل قطفها يوم الحساب - جعلنا الله منهم - وهم في تلك اللحظة؛ مدركون لما يقصده الخالق جل وعلا، من دعوته التكريمية والتشريفية؛ للأكل والتلذذ من طيبات الفردوس؛ لأنها مناسبة قطف الثمار، وحصاد الزرع، مصداقاً لما جاء في دعوة الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام - ولما بلغوا به في دعوتهم.
والكلمة معيار يقاس به عقل المتكلم؛ ومما يذكر في هذا السياق؛ أن سقراط كان يقول : "تكلم حتى أراك !" فكم من صاحب ثوب أنيق، أو ساعة فاخرة أو منصب وجاه يتمنى سامعوه أن يسكت؛ من فجاجة ما يطرح من أفكار، أو بذاءة لسان أو سوء أدب.
وقد جاء القرآن الكريم محذراً المتحدث؛ من مغبة و خطورة التفوه بالكلمة العابرة؛ التي لا يلقي صاحبها لها أي اهتمام؛ (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق : 18) والرقيب هو الحافظ الذي يحفظ ما يقوله المرء، والعتيد هو الحاضر والشاهد الذي يشهد بقوله.
وفي مثال آخر، حيث يذكر أن شخصاً كان يقود سيارته في أحد الشوارع؛ حين صادفه شخص يقود هو الآخر سيارته بالاتجاه المقابل، وعندما اقتربت السيارتان من بعضهما؛ أخرج السائق الآخر رأسه من النافذة وصرخ في وجه الأول : "حمار !" فغضب صاحبنا غضباً شديداً؛ من جرأة ذلك السائق؛ الذي بادره بتلك الشتيمة من غير وجه حق، ومن غير سبب؛ ثم أكمل طريقه متجهاً إلى حيث المكان الذي يريد؛ ولكن أثناء الطريق؛ تفاجأ بازدحام بعض السيارات وسط الشارع؛ وعندما اقترب بسيارته، فإذا بحمار ميت مسجى على الأرض؛ قد دهس من بعض السائقين ! عندها تذكر تنبيه ذلك السائق له؛ وأيقن أن كلمة "حمار !" التي قالها ليست بهدف الشتم؛ وإنما لتنبيهه من ذلك الحمار الميت، الملقى في وسط الطريق ! فندم على ما كان من سوء ظن بدر منه.
وقد يقول قائل : إن ما حدث من غضب واستياء من قبل السائق؛ بسبب كلمة "حمار !" طبيعي جداً؛ حيث كان يندر أن يتبادر إلى ذهنه، أو حتى ذهن القارئ؛ أن المقصد منها كان للتنبيه ليس إلا، وما يدريه أنها تكون سوء سلوك وأخلاق ؟! حتى اتضح بعد أن رأى صاحبنا الدليل الدامغ؛ على حسن نية ذلك السائق، وفي حقيقة الأمر لعل ما كان في المثال السابق؛ دلالات ربما ترجح كفة الاعتقاد؛ بأن أول ما يبث في روع السامع أنها كلمة سب وانتقاص؛ لأنها لم تغذى بتعليل يغير من مسار معناها الذي يلحظه لأول وهلة من يسمعها، وفي موقف كهذا، أو حتى يتبعها بفائدة أو إشارة؛ توضح مقصدها؛ وحيث أنه لم يكن هناك وقت كاف للسائق المنبه؛ أن يوقف الأول ويشرح له أنه سيواجه حيواناً ملقى في وسط طريقه؛ ربما يسبب له أذى أو ارتباك، قد ينجم منه كارثة؛ فآثر أن يصرخ في وجهه محذراً بتلك الكلمة ! ويمكن أن نلخص ما يستفاد من المثال :
أ- الحفاظ على رباطة الجأش، ومحاولة ضبط النفس وعدم الميل إلى الانفعال قدر الإمكان.
ب- تعزيز الثقة بالنفس، ومما يساعد على ذلك : الالتزام بالأنظمة والقوانين العامة، التي تهدف إلى سلامة الإنسان وأمنه وأمانه.
ج- بذل الجهد في حسن الظن بالآخرين، مهما حصل منهم - على الرغم من صعوبة ذلك في مواقف مشابهة كالمثال الذي أوردناه - إلا أنه بالإمكان بعد طلب العون من الله تعالى، وتدريب النفس على ذلك.
د- ضرورة الأخذ في الحسبان أن الناس يختلفون عن بعضهم بشكل كبير؛ في تعبيرهم عما يتلجلج في صدورهم، وعن ما يعبرون عنه من عواطف ومشاعر؛ تبعاً لظروف تنشئتهم وثقافتهم.
وأذكر أني سمعت مثالاً مشابه من أحد الدعاة؛ قد تعرض له هو شخصياً، وفي أثناء قيادته لسيارته، حيث حادت سيارته بشكل غير مقصود، عن مسارها فنبهه السائق الذي كان يسير بجواره، مستنكراً ما حصل؛ قائلاً له : "هل أنت حمار ؟!" فأجاب : لا ! وكان رد فعل غاية في الأدب والحلم؛ قد لا يحسنه الكثير من الناس؛ عند تعرضهم ربما لموقف مشابه، وعندما سأله أحد المستمعين؛ عن عدم مجاراته لذلك الذي شتمه، أو أنه لم يرد عليه بالمثل، فقال الشيخ : لقد أخذت تلك الشتيمة على نحو سؤال منه؛ فأجبت وقلت له : لا أنا لست حماراً ولكنني إنسان !
وقد قال محمد بن ورد بن نصرويه : (العقل أن يغلب حلمك جهلك وهواك) فالنفس في الغالب تميل إلى الانفعال والأخذ بالثأر وذلك من الجبلة، ولكن محاولة التريث والحلم، وعدم إطلاق العنان لأهواء النفس، وأولها شهوة الغضب والانتصار للنفس، وتلبية حظوظها؛ هو الأولى والأجمل.
وعن سفيان بن عيينة أنه قال : (لا تنظروا إلى عقل الرجل في كلامه، ولكن انظروا إلى عقله في مخارج أموره) ولعل ما قاله هذا الإمام الجليل؛ قد يجعلنا نقرأ ما بين سطوره - كما أوردنا آنفاً - إذ أنه لا يلفت النظر إلى الكلام، بما فيه من الحث على اختيار جيد للألفاظ، والأساليب الحسنة وحسب؛ بل كذلك إلى ردود الأفعال؛ والممارسات التي تنتج من الآخرين، فهي توضح وتجلي مدى تعقلهم وحكمتهم، أو تهافت أفكارهم، إذ أنه يتوقع ممن أوتي طلاقة في اللسان، وعذوبة في التعبير، أو بلاغة في أسلوب الحديث؛ أن تكون أفعاله وممارساته؛ قريبا من ذلك على الأقل.
وكانت العرب تقول : (العقل التجارب، والحزم سوء الظن) وقد يفهم من ذلك؛ أن التجارب والمواقف التي يمر بها الإنسان عبر الزمن؛ تعمل على بلورة شخصيته، وتكسبه خبرة تعينه على مواجهة مواقف الحياة المختلفة؛ من حيث الصعوبة والشدة، أو الرخاء؛ فيتعامل معها بكفاءة ومهارة، أما سوء الظن فكثيراً ما يحرم صاحبه من الحكمة والتبصر في الأمور ومآلاتها؛ حيث أنه يكون في شغل دائم في مراقبة الخلق، والتدقيق في كل ما يقولونه ويفعلونه، مشيراً إليهم في كل الأوقات بأصابع الاتهام !
ومما يزيد في إذكاء جذوة روح التعانف والأخذ بالثأر، أو الانتصار للنفس، وعدم الرغبة في التسامح والعفو؛ في جميع المواقف التي يمر بها الإنسان الجهل بنوعيه؛ أي الذي يكون من عدم المعرفة، ومجافاة الحلم؛ وأركز هنا على الأول؛ لأننا ذكرنا شيئاً عن الحلم - بكسر اللام - فيما سبق؛ أما الجهل والذي يمثل القطب الآخر، فهو مصدر الشرور بأنواعها؛ لما فيه من عزل وقولبة لفكر الجاهل، مما يجعل الأهواء وشرور النفس تتسلط عليه، وتقوده إلى المهالك؛ فلا يستند إلى مرجع ثابت يغذي روحه بالعلم والدين والتهذيب والأخلاق، ولا مرجع آخر ينور بصره وعقله بسنن الله تعالى في خلقه؛ فترتقي بها نفسه.
وفي وصف الله تعالى لعباده المؤمنين؛ عند مواجهة الجهل وأهله يقول : (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) (الفرقان : 63) فالسلام في تفسير هذه الآية الكريمة؛ جاء بمعنى القول الذي يسلم فيه صاحبه من الإثم، فالرد اليسير اللين، والبعد عن الجدل والمخاطبة بالإحسان مع الجاهل وغيره، والعفو عند المقدرة؛ يقي المرء من الوقوع في الإثم والشر الذي قد يجلب من حدة الكلام والانفعال.
وهنا يمكن أن نربط بين الجهل الذي يكون ضد الحلم، والآخر الذي هو ضد العلم؛ بشكل غير مباشر، إذ أنه لو كان الجاهل السفيه مضطلعاً على علم أو يقرأ في أخلاق الفضلاء، أو يخالطهم؛ لكان على الأقل ينزع إلى تقليدهم، أو التحلي بأخلاقهم كأقل تعبير؛ لأن النفس تميل إلى أن تتأثر بمن تخالط.
ويقول ابن القيم رحمه الله : (الجهل شجرة تنبت فيها كل الشرور) لما له من آثار سلبية هدامة على فكر الأمة ودينها وأخلاقها؛ فهو ينخر في مبادئها وقيمها؛ ويهوي بها في أودية الظلام السحيقة.
والعزوف عن القراءة والاضطلاع والتثقيف المستمر؛ يفتح الباب على مصراعيه؛ داعياً الخرافة والظنون، وأهواء النفس، والإبائية والجمود الفكري، والانغلاق عن الجديد والمفيد، وكل ما من شأنه النهوض بأبناء الأمة الإسلامية، والاصطفاف جنباً إلى جنب مع الحضارات الإنسانية المعاصرة، ويحرمها من أخذ نصيبها من الإسهام في دفع عجلة التقدم على كافة الصعد والمستويات، وفي آخر إحصائية صادمة - كما جاء في وصفها - عن نسبة الذين يقرؤون فقد أفادت بأن الفرد الأوربي يقرأ في السنة ما يعادل 35 كتاباً، والإسرائيلي 40 كتاباً، أما في الدول العربية فإن كل 80 شخصاً يقرؤون كتاباً واحداً في السنة ! وحسب إحصائية اليونيسكو لعام 1991 فإن الدول العربية أنتجت 6500 كتاباً، بينما في أمريكا الشمالية، تم إنتاج 102000 كتاباً، وفي أمريكا اللاتينية والكاريبي في تقرير التنمية البشرية، لعام 2003، فإن هناك 4200 كتاب تم إنتاجه.
وذلك مؤشر ينبئ عن خطر حقيقي يهدد كيان الأمة العربية والإسلامية؛ وداء عضال يفت في عضدها؛ ما لم يتم استدراك ما تبقى من الجيل الحالي، والجيل الجديد؛ بترغيبهم وإقناعهم بالقراءة والمطالعة المفيدة، واستغلال الأوقات المهدرة التي لا تعود على المرء بأي نفع أو فائدة.
ومن المؤسف أن عدد المكتبات العامة في الدول العربية والإسلامية لا يقارن بالنسبة لعدد محال بيع أجهزة الهاتف الجوال - على سبيل المثال - والمطاعم السريعة ! فكأنه قطرة في بحر ! مما يدل على أن الاهتمام بالقراءة والمطالعة؛ يعد في آخر قوائم الأولويات، كما أن الأنشطة العلمية والثقافية، التي تدعم القراءة وتشجع النشء عليها؛ مثل معرض الكتاب والمسابقات الثقافية، والحوافز المادية والمعنوية، لنفس الغرض، وتغذية المكتبات المدرسية بالإصدارات الجديدة من الكتب، تعد هزيلة، وهامشية.
وعلى الرغم من وفرة الأجهزة الإلكترونية التي يوجد بها بعض التطبيقات التي تتيح القراءة على الشبكة العنكبوتية، حيث تعد ثورة علمية حديثة؛ قد يستفيد منها الملايين، الذين لهم اهتمام بثمه جانب؛ إلا أن الكتاب التقليدي له الفضل وقصب السبق على التقنية في نفس الحال، غير أن التقنية جعلت التنقل بملفات إلكترونية من شأنها أن تحمل في مساحة لا تتجاوز السنتيمتر الواحد المربع (الذاكرة)؛ المئات بل الآلاف من الكتب والمجلدات؛ والتي قد لا تستوعب حملها سيارة نقل متوسطة الحجم ! أمرا في غاية السهولة والمتعة، للقارئ الذي يريد أن يغذي عقله وفكره من العلم والمعرفة، أثناء الإقامة والسفر.

■ ويكمن استنتاج بعض النقاط المهمة مما سبق فنقول :
1- إن مما يعد من أول أسباب تخلف الأمة وتراجعها؛ هو الجهل وعدم الاكتراث للقراءة وتنمية وتطوير الذات، والإخلاد إلى الراحة والدعة؛ والدليل على ذلك ظاهر كالشمس في رابعة النهار؛ حيث يسكن الكثير من الرجال والنساء والشباب، سكوناً في البيوت وفي العمل؛ ولا يريدون أن يكلفوا أنفسهم بقراءة أسطر يسيرة - إلا من له أدنى اهتمام - قد لا تأخذ دقائق معدودات؛ بينما يقضون الساعات الطوال؛ في متابعة المسلسلات التي تعرض على شاشات القنوات الفضائية؛ ويعرفون كل صغيرة وكبيرة عنها ! ولو طلبت من أحدهم أن يعرض لك ما حصل في إحدى الحلقات من مسلسل ما؛ لتعجبت من دقة وتفاصيل العرض، والمعلومات التي يسوقها لك؛ عن الأحداث التي حصلت لأبطال المسلسل، وفي نفس الوقت، قد لا تجد منه أي استجابة وتفاعل؛ حين تحدثه عن كتاب انتهيت من قراءته، أو لآخر تريد شرائه وهكذا.
2- نحن لا ننكر أن الناس مختلفون في الاهتمامات والمشارب والأذواق، وطريقة قضاء أوقات الفراغ؛ فهناك من يحب ممارسة الرياضة بشكل يومي، والبعض يقضي جل أوقاته في مشاهدة برامج التلفاز، وهناك من يهوى النزهة والخروج أو التسوق، أو زيارة الأهل والأقارب والجيران .. الخ.
ولكن لا يمنع أن يخصص المرء من وقته؛ ولو عشر دقائق في اليوم، يقرأ فيها كتاباً مفيداً، أو يطالع صحيفة من الصحف أو المجلات العلمية، أو الثقافية، وسوف يجد بعد فترة من الزمن؛ أن العشر دقائق؛ ربما مكنته من قراءة كتاب كامل، صغير الحجم أو حتى متوسط الحجم مع مرور الأيام، وربما أصبح بعد ذلك محباً للقراءة، مما يساعده في أن يكون فيما بعد قارئاً جيداً.
3- الفكرة الأساسية التي نريد أن نوصلها للقارئ العزيز، من خلال كتابة هذا المقال؛ ليس بكثرة عدد الكتب التي ينبغي أن يقرأها، أو أن يكلف نفسه بشراء الكثير منها، أو أن يجعل من إحدى غرف منزله؛ مكتبة ضخمة مكتظة بالكتب؛ قد لا يطالع منها خمس صفحات ! وتكون مجرد أثاث في المنزل فحسب، ولكن الفكرة المحورية هنا؛ هي أن يستفيد القارئ مما يقرأ؛ في تحسين التفكير، وتطوير الذات والوعي، ومعرفة سنن الله - تبارك وتعالى - في الخلق وفي الحياة، والاضطلاع على التاريخ وتغيراته؛ لمعرفة أحداث الماضي، ومدى تأثيرها على الحاضر، ومدى الاستفادة من تجارب الغير، في تلافي المشكلات التي واجهتهم، ومن ثم فهم الحاضر واحتياجات المستقبل، ورسم الخطط والرؤى الممكنة لتحسين العيش، وإنجاز المشاريع الشخصية، والاضطلاع على طرق وأساليب التعليم الجيدة، لتعليم الأبناء وبناء الأجيال.
ولا يكون ذلك إلا من خلال الإبقاء على التواصل المستمر للمعرفة المتجددة، والمتسارعة في عصر العولمة، الذي يسابق الزمان والمكان، ويصبغ عليهما بين الفينة والأخرى؛ صبغة جديدة لم يسبق لها عهد بالتي سبقتها؛ وذلك من خلال تجدد المعلومات المستمر، والذي بطبيعة الحال؛ يلغي ويضيف أو يعدل ما سبقه من حقائق وفرضيات، ومما اتخذها كثير من العلماء كمسلمات.
وفي تقادم المعلومات وتجددها؛ فائدة عظمى؛ إذ أنها تجعلنا على صلة دائماً بالجديد، الذي يواكب العصر، وتجعلنا نعيش روحه؛ ونواكب متطلباته، ونستفيد من خدماته التي تسهم في تحسين سبل الحياة، وأساليبها، ولو لم تتجدد المعلومات، لكان لزاماً علينا أن نبقى منغلقين في فكرنا، ولأصبحنا بين حطام الماضي؛ وحضارة بائدة؛ نظل بها على هامش الحياة؛ وتجعلنا غرباء عن بقية بني جنسنا.
وكما قلنا في مقالات سابقة : إن الحضارة لا تميز بين الخير والشر؛ وكما وصفناها بأنها (عمياء صماء)، لأنها قابلة للاستخدام في الخير، فنعمر بها البلاد، ونخدم بها الدين وتساعدنا أغراضها في ذلك، كما أنها يمكن أن تتحول إلى وحش كاسر؛ يفتك بأول من يشعل فتيلها، ويركب أمواج الدمار والخراب.
والثقافة الجيدة التي تمسك بخطام الحضارة؛ فتوجهها نحو بر الأمان، وتحمي إنسانية الإنسان؛ إنما تستمد طاقتها ووقودها من عرى الدين الحنيف ومبادئه، ثم من العلم النافع الذي يرتقي بالعقل والروح؛ ويسمو بالإنسان إلى مراتب عالية من الأخلاق، والعادات الحسنة.
والوعي المتنامي على كافة الصعد؛ إنما هو نتاج التمسك بالأخلاق والخشية من الله تعالى أولاً؛ ثم بالاطلاع على سيرة سيد الخلق - عليه أزكى الصلاة والسلام - فهي خير مرشد وبرهان، وما جاء في مضمونها؛ مواكب لتغيرات العصر، ثم ما جاء في العصر الراشدي، وما تلاه يمكن أن يستفاد منه في تنمية جوانب كثيرة من الأخلاق، والأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ ولكن السؤال الذي يطرح دائماً؛ كيف يكون ذلك ؟ وعلى الرغم من أن الجواب معروف؛ لدى الناس، وهو بالقراءة والاضطلاع والارتياد المنظم والمستمر للمكتبات، أو استقاء المعلومات من الشبكة العنكبوتية، فهل نحن لدينا الهمة لذلك ؟ والله ولي الأمر والتدبير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
■ تفسير الجلالين.
■ العقل وفضله لابن أبي الدنيا.
■ دراسة نشرت على الشبكة العنكبوتية ــ منتدى (الفراولة).

image الفلسفة التطبيقية : فن المقاربة.