من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عادل عمر بصفر.
إجمالي القراءات : ﴿4761﴾.
عدد المشــاركات : ﴿43﴾.

وقفة مع الاختبارات الدراسية.
■ في هذه الأيام يعيش الطلاب والطالبات هموم الامتحانات والاختبارات. فنسأل الله العظيم أن يعينهم وأن يشرح صدورهم وأن ينور قلوبهم.

• يا معاشر الطلاب :
خير الوصايا وأنفعها وأصلحُها وللخير أجمعها : الوصية بتقوى الله عز وجل، فمن اتقى الله جعل له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرًا، وجعل العسير يسيرًا وأتاه خيرًا كثيرًا.

• يا معاشر الطلاب :
خذوا بأسباب النجاح وأسباب الصلاح والتوفيق والفلاح، وأجمعها وأصلحها : أن تعلموا علم اليقين أنه لا حول ولا قوة للعبد إلا بالله رب العالمين، توكلوا على الله وفوضوا الأمور إلى الله، واعلموا أنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إلى الله، لا تعتمدوا على الذكاء والحفظ ولا على النبوغ والفهم ولكن توكلوا على الحي الذي لا يموت وسبحوا بحمده، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين).
إذا أراد الله بعبده التوفيق جعله مفوضًا الأمور إليه وفقه وسدده لكي يعتمد على حول الله وقوته لا على حوله وقوته، وإذا وكل الله العبد إلى نفسه وكلَه إلى الضعف والخور.

• يا معاشر الطلاب :
هذا أوان الجد والاجتهاد فاجتهدوا، وإياكم والغش والتزوير فإنه خيانة وبئس البطانة، من كانت حياته على الغش سلبه الله الخير في دنياه وأخره قال حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما : "من خادع الله يخدعه الله" فمن نجح بالزور وغش ودلس فإن الله يمكر به ويعاقبه في دنياه قبل أخراه إلا من تاب فيتوب الله عليه.

• يا معاشر الطلاب :
ها هي أيامُ الاختبارات قد أقبلت عليكم فاستعينوا بالله وتراحموا وتعاضدوا، وإياكم والشحناء والبغضاء والحسد، وتنافسوا وليكن ذلك على وجه يرضي الله عز وجل.

• يا معاشر الطلاب :
إن لله حرمة، ولكتابه حرمة ولسنة النبي عليه الصلاة والتسليم وكتب العلم حرمة عظيمة ألا فاتقوا الله في كتاب الله، اتقوا الله في الآيات، واتقوا الله فيما جمعته الأوراق من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القرآن أعظم وأجل وأكرم من أن يرمى في الطرقات، أو تقطع أوراقه للامتحانات، الله الله في كتاب الله، وفي كلام الله وكلام رسول الله، وإياكم وامتهان كتاب الله فمن امتهن شيئًا من كتاب الله فإن الله يهينه، ولربما ينتقم منه في دينه أو دنياه أو آخرته فاتقوا الله عباد الله قال الله تعالى : (وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (البقرة أية : 281).

• يا معاشر الطلاب :
الرضا بقضاء الله، والتسليم لأمر الله نعمة من الله على عباد الله وإماء الله، فإن دخلتم ووجدتم بعد الاختبار خيرًا فاحمدوا الله على فضله، واشكروه على نعمه واسألوا المزيد من جوده وكرمه، ولا تقولوا نجحنا بحولنا ولا بقوتنا ولا ذكائنا، فالله قادر على أن يسلبك العافية، والله قادر على أن يسلبك الذكاء والفهم، فسبحان من بيده ملكوت كل شيء، له الفضل كله، وله الحمد كله فالحمد لله على كل حال.
وإن وجدتها محزنة ووجدت الاختبار مؤلمًا قاسيًا فقل الحمد لله فلعل درجة من الدنيا تفوت عنك فيعوضك الله بها درجات الآخرة.
الرضا عن قضاء الله، إياك والسب والشتم والغيبة، إياك وأذية المؤمنين في الغيب أو انتقاص من له عليك فضل كبير وهم معلموك ومربوك فاذكرهم بالجميل ورد إلى نفسك التقصير، وسل الله أن يجبر لك الكسر.

• يا معاشر الآباء :
رفقًا بالأبناء، ها هي أيامهم قد أقبلت وهمومهم قد عظمت فخذوهم بالعطف والحنان واشملوهم بالمودة والإحسان، وأعينوهم على هموم الاختبار والامتحان يكن لكم في ذلك الأجر عند الكريم المنان، أحسنوا إليهم وخففوا عنهم في التبعات ويسروا عليهم يسر الله عليكم الأمور، أعينوهم على ما هم فيه وقوموا بواجبهم عليكم، علموهم وأرشدوهم واشحذوا هممهم.
ولنا هنا وقفة مع ذلك الأب الرحيم، وتلك الأم الرحيمة، الذي أجهد كل واحد منهما نفسه، وأثقل وزره من أجل ابنه، فكأنه هو الذي سيُمتحن غداً ليس ابنه، فلا يرتاح له بال حتى يغادر ابنه إلى قاعة الامتحان، ويا للهول لو نام الابن عن الامتحان مصيبة عظيمة وذنب لا يمكن اغتفاره، وهو فعلاً كذلك، ولكن السؤال هنا هل عملت مع ولدك لامتحان الآخرة ما تعمله الآن معه لامتحان الدنيا ؟
هل سعيت لإنقاذه من فشل امتحان الآخرة، كما تسعى الآن لإنقاذه من فشل امتحان الدنيا ؟ هل بذلت جهدك المتواصل في تعليمه وتفهيمه ما يعينه على امتحان الآخرة، كما تفعل ذلك لامتحان الدنيا ؟
اسأل نفسك : هل توقظ ابنك لصلاة الفجر وهو شاب بالغ عاقل، بنفس الحرص الذي توقظه به لحضور الامتحان ؟
هل تعتني بتوجيهه وإرشاده إذا أخطأ في أمر شرعي، كما تعتني بتوجيهه وتصحيح خطئه في مذاكرته ؟
بل اسأل نفسك : هل أنت حريص على أن ينال ابنك الفوز في الآخرة، بنفس الحرص والحماس الذي تسعى له في نجاح ابنك في الامتحانات الدراسية بتفوق ؟
عبدالله : تذكر أنك مسؤول عن هؤلاء الأبناء ليس فقط من أجل نجاحهم في امتحان الدنيا، بل أنت مسؤول حتى عن نجاحهم في الآخرة، ففي الحديث المتفق عليه عن عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قُالُ : (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِه،ِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ ومَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) اعلم أن الفوز الحقيقي الذي تبحث عنه لابنك هو فوز الآخرة، فاحرص عليه.

• معاشر المعلمين والمربين :
ها هو عام دراسي ستطوى صحيفته، وتذهب أيامه وذكرياته، ذهبت بما فيها منكم من التوجيه والتعليم والإرشاد، شكر الله سعيكم وعظم الله أجوركم وجزاكم عن أبناء المسلمين وبناتهم بخير الجزاء وأوفاه، نعم ما صنعتم، وأسأل الله أن يعظم الأجور لنا ولكم.

• معاشر المعلمين :
الامتحانات مسئوليات وأمانات وتبعات فالله الله في فلذات أكباد المؤمنين، فاتقوا الله عز وجل فيهم، كونوا أشداء بدون عنف، ورحماء بدون ضعف، وأعطوا كل ذي حق حقه وكل ذي قدر قدره، وزنوا بالقسطاس المستقيم، واعدلوا بين أبناءكم وبناتكم فإنهم أمانة في أعناقكم.
اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الاختبار لا يقصد به التعجيز والأذية والأضرار، وأن تشقوا عليهم فتكلفوهم ما لا يستطيعون أو تحملوهم ما لا يطيقون فقد قال صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ) رواه مسلم.
الله الله أن يشق عليكم فاتقوا الله في هؤلاء، وأحسنوا إليهم، إن الله يحب المحسنين، ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء، قدروا ضعفهم، واشملوهم بالعطف والحنان، إن الطلاب يدخلون إلى الامتحان والاختبار بنفوس مهمومة، وقلوب مغمومة، فيها من الأكدار، وفيها من الأشجان والأحزان ما الله به عليم، فامسحوا على رؤوسهم عطفًا وحنانًا وأكرموهم لطفًا وإحسانًا، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

• معاشر المعلمين :
أسئلة الاختبار أمانة في أعناقكم، فاحفظوا الأمانات ألا لا إيمان لمن لا أمانة له، إفشاء الأسرار أو تنبيه الطلاب على مواضع الأسئلة، أو السكوت عن الغشاشين والمتساهلين، ذنب كبير، ووزر عظيم وشر مستطير يخرج للأمة من يتسمى بالعلم غشًا وزورًا وتحمل بين يدي الله إثمه ووزره فاتقوا الله يا عباد الله.
نعم إن الغش في الامتحان تزوير ممقوت، وخُلُق سمج، وتطبع إجرامي، بل إن الغش جريمة في حق المجتمع، لأننا نخرج طلاباً زوراً وبهتاناً، ولأننا سنخرج أطباء مزوَرين ومهندسين مزوَرين بل ومعلمين مزوَرين، فيموت الإبداع في كل مجال، ويولى الأمر إلى غير أهله، فتشيع الخيانة، وينتشر الضعف في كل مجال، فيُعلى علينا ولا نعلو، ونُهزم ولا ننتصر، لأن مراكز العلو، ومراكز الإنتاج قد تولاها غشاشون مزوَرون لا كفاءة لديهم، ولا إبداع.
نعم، هذا هو مآل التزوير والغش في الامتحان، لا تحسبوه هينا يا عباد الله، فإنه عظيم جَدُ عظيم، وإن من يكشف غاشاً في قاعة الامتحان، أحسبه أنجد الأمة من مِعْوَل هدم سيهدم بناءها في المستقبل القريب، بجهله وكسله وتفريطه، ثم بغشه وتزويره.

• يا معاشر المعلمين :
درجات الاختبار أمانة، فاتقوا الله في أبنائكم الطلاب وبناتكم الطالبات، أعطوا كل ذي حق حقه، وكل ذي قدر قدره، وزنوا بالعدل والقسط فإن الله يحب من عدل، وأحسنوا فإن الله يحب المحسنين، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم لنا ولكم، ولجميع المسلمين السداد.

اللهم إنا نسألك التيسير، اللهم يسر أمورنا واشرح صدورنا، ووفق أبناءنا وبناتنا، اللهم اجعلهم مشاعل النور والهداية، وخذ بهم إلى سبيل الرضا والولاية يا أرحم الراحمين.