أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

نمو العقل ﴿4075﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : خالد صابر خان.
إجمالي القراءات : ﴿5537﴾.
عدد المشــاركات : ﴿122﴾.

الخوف من الوصمة : مرض أم اضطراب نفسي ؟
في السنوات الأخيرة ابتعد الأطباء النفسيين وعلماء النفس عن استخدام مصطلح المرض النفسي واستبدلوه بمصطلح الاضطراب النفسي، فلا يتحدثون عن أمراض نفسية وإنما اضطرابات نفسية، لماذا ؟ تعبير مرض نفسي يحمل الكثير من الكنايات والمعاني السلبية في المجتمع والتي لا تساعد المريض، وهنا أيضاً لابد أن نفرق بين ثلاث مصطلحات : المرض، العلة، والوصمة الاجتماعية، العلة هو ما يراه الطبيب، والمرض هو ما يراه المريض، والوصمة هي ما يراه المجتمع.
فالعلة هي التفسير الطبي لحالة جسم الشخص، فمثلاً قد يجد الطبيب أن السكر أو الضغط عالي عند شخص ما مع إنه لا يشتكي من أي أعراض، فيحدث كثيراً أن يجد الطب أن الشخص يعاني من علة في جسده مع أنه لا يشعر بأي خلل.
المرض هو ما يشعر به المريض، كأن يشعر بصداع أو دوخة أو ألم، فهو يشعر أنه مريض وليس على ما يرام، فيذهب إلى الطبيب وقد يجد الطبيب العلة وقد لا يجد به أي علة، فكم مرة زار شخص الطبيب شاكياً من الآم في الجسم ويخبره الطبيب بعد الفحص أنه بخير ولا يوجد عنده مرض ! فلا بد أن نعرف أن هناك فرق بين ما يشعر به المريض وما يراه الطبيب، فليس كل العلل لها أعراض يشعر بها المريض وليس كل الأعراض هي لعلل واضحة، فقد يشتكي الشخص من أشياء جسمية ناتجة عن مشاكل نفسية.
أما الوصمة الاجتماعية فهي ردة فعل المجتمع لمرض الشخص ونظرتهم له، فردة فعل المجتمع لمريض السرطان تختلف عن ردة فعله لمريض الإيدز أو للمريض النفسي، فكل مجتمع لديه تراث ثقافي يفسر به أسباب الأمراض المختلفة ومدى مسؤولية الشخص عن حدوثها والمعاني الأخلاقية أو الدينية المرتبطة بها، فالاعتقاد السائد هو أن مريض السرطان بريء وغير مسؤول عن حدوث مرضه عموماً بينما يلام مريض الإيدز على سلوكه ويلام المريض النفسي على ضعفه أو ضعف إيمانه أو تفسر حالته على أنها مس أو عين أو غيره، وكثير من هذه التفسيرات خطأ ولكنها متوارثه في المجتمع، فكم من طفل أصيب بالإيدز، وكم من زوجة عفيفة نقل لها زوجها المرض، فالإيدز مثال للأمراض التي تتداخل فيها الأحكام الدينية مع الأخلاقية مع الطبية، وفي مثل هذه الحالات يعاني المريض من الوصمة الاجتماعية بالإضافة لمعاناة المرض نفسه، ونتيجة خوف الشخص من هذه الوصمة فإنه لا يزور الطبيب للكشف عن الحالة كما يحاول بكل جهد أن يبعد الوصمة عن نفسه بإنكار وجود المشكلة حتى لو ظهرت أعراضها عليه، وللمرض النفسي مثل هذه الوصمة خصوصاً في المجتمعات العربية، وذلك ناتج عن ضعف الثقافة النفسية وتقاعس الإعلام والمدارس عن توعية المجتمع بالمشاكل النفسية، فكثير من السلوكيات الغريبة من حولنا والتي لا نفهمها أو تزعجنا هي مجرد أعراض لاضطرابات نفسية معروفة عند الأخصائيين ولكن غائبة عن المجتمع لنقص الثقافة النفسية، فالتفسيرات الأخلاقية لانحراف السلوك غير كافية أحياناً ولا بد من وضع احتمال وجود اضطراب نفسي وراء السلوك، فقلة من المرضى النفسيين "يكلمون انفسهم" ويمشون في الشوارع بملابس ممزقة، فغالبية من يعانون اضطراباً نفسياً هم أناس عاديون، أذكياء وخيرون ويشاركون بشكل عادي في بناء المجتمع ولكنهم يعانون لفترة ما من اضطراب في احد الجوانب التي يمكن في حالات كثيرة علاجها، فكلمة اضطراب توحي بان الخلل مؤقت بينما كلمة مرض قد توحي باستمرارية المشكلة، فلا بد من إزالة هذه الوصمة حتى يمكننا بناء مجتمع صحيح، يعرف كيف يفسر مشاكله ويعالجها ويمنعها قبل أن تستفحل وتنتشر في المجتمع وتظهر وكأنها أمور عادية وهي في حقيقة الأمر أمراض عقلية ونفسية.