من أحدث المقالات المضافة في القسم.

د. محمد علي المسعري عدد المشاركات : ﴿33﴾ التسلسل الزمني : 1442/11/01 (06:01 صباحاً) عدد القراءات : ﴿3329﴾

معشوقتي ذات الرداء الأبيض.
مرت عليَّ ساعات، وأيام، وشهور، وسنوات، وأنا أشعر فيها بالوحدة في عالم مليء بالمتناقضات من فرح وحزن، وسعادة وتعاسة. وكنت لا أعرف صديقاً أشكو له همي، وفرحي وحزني.
كم كنت أبحث عن متنفس؛ لأخرج من هذه الوحدة التي فرضت عليَّ.
ويا لها من صدفة !
رأيت فيها فتاة جميلة المحيا، بيضاء البشرة، صافية نقية، مربوعه القامة ما عابها قصر ولا طول، هيفاء مقبلة ومدبرة، تتجلى فيها كل صفات الجمال والكمال، درة مصونة وبيضة مكنونة.
حَرَّكَتْ مشاعري، وملكت فؤادي، وأسرت لبـي، وأودعته حيث لا مأمن، ولا شط أمان.
توطدت العلاقة بيننا، وأصبحت لا أرى سواها، خاللتها فخادنتني، واتفقنا على أن يكون حبنا عذرياً.
كانت ملجأ شكواي، وسلوة خاطري، ومحط فرحي وترحي. إن شكوت إليها أنصتت بشوق ولهفة، وبادلتني شعوراً بشعور، وحفظت سري.
إنـها الأنيسة في الوحشة، والصديقة في الغربة، والوزيرة في الشدة.
ما أن تغيب عني حتى تـهفو نفسي إلى لقائها، ويتقاطر الشوق إليها كتقاطر المداد من اليراع حتى إذا رأيتها كأن شيئًا لم يكن.
كم أنا عاق لهذه المعشوقة المسكينة. إذا أبصرتـها كِلْتُ لها من الكلام ما لا تطيقه، وتقافزت ألفاظي نحوها كالرصاص لتصيب كبدها، فتستقبل ألفاظي بصدر رحب حنون، وتحتضنها كاحتضان الأم لوليدها، ليس هذا فحسب، بل تتريَّق السموم بألوانـها، وأنواعها المختلفة إرضاءً لي.
تداعبني بكلمات رقيقة تشفُّ عن أصالة معدنـها، وطيب قلبها الكبير الذي يتسع لكل ما يصدر مني من شوق ووهم، وحلم وألم.
إن قلبها هذا جعلني أرتمي في حضنها طالباً الصفح والرضا، فما تلبث أن تحيطني بذراعيها وتغمرني بحنانـها.
إنـها معشوقتي التي ما وجدتُ نفسي في حاجة إليها إلا وأراها من خلال نظراتـها تعاتبني عتاب الخل لخليله، فتمتد يدي إليها، وألمسها فيخامرني شعور لا أستطيع وصفه، فأحياناً لا أدري إلا وأنا قطعت معها مسافات طويلة تطويها في حجرها، وأخرى يسرح خيالي إلى آفاق لا أدرك كنهها فأكون كمن يود أن يفعل شيئا لا يعرفه.
أغادر مجلسها دون استئذان، وأعود إليها بلا اعتذار، فلا تجزع من مغادرتي ولا تأنف من عودتي، فأجزع من صنيعها، فألطمها على وجهها، وألكمها في صدرها، وأضع يراعي في عينيها، فتبتسم ضاحكة من فعلي وكأني أقبلها في خدها، أو أتمرغ على صدرها، أو أكحِّـل عينيها.
أدغدغها بيراعي فتفرح وتضحك، وإذا هبت نسمة ضربت بيديها ورجليها، وتقلبت، وقفزت وعادت، ومارست أنواعاً عديدة من اللعب إلى أن أوقفها.
أناظر صفحة وجهها فأنقش اسمي وشماً على تفاحَتَي خدها، وأحياناً أترك بصمة من توقيعي فيدغدغها يراعي فتهتز طرباً وكأن شيئاً يسري بداخلها كسريان النسيم على صفحة النهر، أو النار في الهشيم، فتنتشي مادة ذراعيها في الفضاء لتستكثر مما يخامرها.
وقد يخدشها يراعي فتجزع، ولكنه جزع العذراء ليل زفافها التي ما تلبث أن تكون أسعد الناس بجرح السعادة.
فلا يطيب لي كل ما تفعله من أجلي من محبة متناهية، واستسلام منقطع النظير دون تذمر، أو ملل، أو تعليق على سوء صنيع فيستفزني عدم اعتراضها وتثيرني قلة اكتراثها، فأمزق ثيابها وأحرقها عامداً متعمداً، وأقبرها في ثيابـها الممزقة، وكأني استكثر عليها أي شيء حتى الكفن.

■ إنها معشوقتي ذات الرداء الأبيض، إنـها صفحتي، صفحة آمالي ورؤاي، وآلامي وشكواي صفحة الكتابة (ورقة الكتابة).
|| د. محمد علي المسعري : عضو منهل الثقافة التربوية.