من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

متلاعبون ﴿2770﴾.
ظلم الأحبة ﴿5406﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : طارق يسن الطاهر.
إجمالي القراءات : ﴿5332﴾.
عدد المشــاركات : ﴿78﴾.

ثمة رسائل تبثها النفس الإنسانية، تنطلق في اتجاهين : داخلي وخارجي، تحمل في طياتها طاقة، قد تكون إيجابية أو سلبية.
قد تجالس شخصا يريك الحياة جميلة، هذا الجانب الإيجابي من الطاقة، يجعلك تشعر أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، يرى النصف الممتلئ دائما، يرى الجانب الجميل من الحياة، ليس لأنه في أحسن حال؛ لكنه يملك نفسا جميلة : كن جميلا تر الوجود جميلا.
بالتالي ينقل من طاقته الإيجابية هذه إلى جلسائه، كما قال شمس التبريزي :
جالس جميل الروح • • • تصيبك عدوى جماله

وقد تجالس شخصا يُريك الحياة برؤيته الضبابية، ويُلبسك منظاره الأسود، لا يرى في الوجود إلا الألم والمعاناة، يُكثر من الشكوى حتى إلى من هو دونه حظا، لا يرى في الكوب إلا نصفه الفارغ، ولا يعلم أن للحياة حقيقتها، وللنفس الإنسانية جمالها:
أدركتْ كنهها طيور الروابي • • • فمن العار أن تظل جهولا

مثل هذا ينقل لك -من حيث يدري أو لا يدري- طاقة سلبية؛ فما أن تنهض من عنده حتى تجد الإحباط مسيطرا عليك، ويكسوك التشاؤم ويعلوك الإحباط.
مثل هذا ينفث سمومه قبل همومه، لا أعني منع الشكوى، فالفضفضة والبث أمران مهمان، تخففان عبئا وتلقيان عنك حملا:
فلابد من شكوى إلى ذي مروءة • • • يواسيك أو يسليك أو يتوجع

نفسك بين جنبيك أمانة، فانظر عند من تضعها، أعند الذي يزينها ويجملها ويحسّنها أم عند الذي يلوثها ويشوهها ويشينها؟!
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وقدوة فاضلة، حينما أوضح لنا خصائص كل نوع من الجليسين: (إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالحِ والجَلِيسِ السّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِير، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) متفق عليه.
الطاقة السلبية شعور مزعج يصيب الإنسان، يحس بعده بالضيق، وتسيطر عليه المشاعر السلبية في جميع المجالات؛ فتنعكس السلبية بكل ما هو سيئ على حياته، وعلى حياة محيطه.
تترتب على الطاقة السلبية آثار سيئة، نفسية واجتماعية واقتصادية، تؤثر سلبا في حياة الشخص، ولا تقف عنده، بل تتعداه إلى كل المحيطين به، بل ربما تتمدد وتصبح سمة عامة من سمات المجتمع.
أما الطاقة الإيجابية فهي مصطلح في علم النفس يشمل الصفات الجيدة التي توجد في الشخص مثل التفاؤل والتهذيب والحب والعطاء.
والشخص الذي يكون قادرا على انسياب الطاقة الإيجابية هو شخص مستقر نفسيا ومقبل على الحياة. يمكنه النظر في الخير الذي بقي لديه، وليس في الخير الذي ذهب عنه، هنا تبرز قصة عروة بن الزبير حين قطعت رجله، ومات ابنه، فقال : "اللهم إنه كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا، وأبقيت ثلاثة فلك الحمد، وكان لي بنون أربعة، فأخذت واحدا وأبقيت لي ثلاثة فلك الحمد، وأيم الله لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن أبليت طالما عافيت".
ويمكن نقل الطاقة الإيجابية للآخر عن طريق التحفيز سواء كان ماديا أو معنويا، ولو لم يتوافر المادي فالمعنوي يقوم مقامه فهو سهل، مثل أن يذكر الآباء نجاحات أبنائهم لدى الضيوف والأصدقاء، مثل تعليق شهادة نجاح أحد الأطفال أو الاحتفاظ برسمة لأحدهم، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الكلمة الطيبة صدقة، وذلك أسّ الطاقة الإيجابية : (كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابّته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة) رواه البخاري ومسلم.
فلنتخير ما نقول؛ لأن في ذلك تأثيرا عظيما على السامع، وكما ورد في التراث العربي قولهم: رب كلمة سلبت نعمة.
وليتنا نتأسى بالمنهج النبوي في التعليق على سامعينا، فقد كان صلى الله عليه وسلم يثني إيجابيا على من يحدثه، ثم يذكر الملحوظة التي يرغب في تعديلها، لأن البدء بذكر السلبيات ينفّر السامع، وذكر الإيجابيات يجعل المتلقي يتقبل التوجيه، مثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر رضي الله عنه: (نِعْمَ الرَّجلُ عبدُ اللَّهِ لَو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ) قالَ سالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُاللَّهِ بعْدَ ذلكَ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلًا. متفقٌ عَلَيْهِ.
لو كانت الطاقة السلبية هي المسيطرة لكانت العبارة كما يلي: أنت رجل غير صالح لأنك لا تقوم الليل.
كثيرة هي الكلمات التي أثرت سلبا في تغيير مسارات بعض الناس، حسب الطاقة التي تحملها الكلمة، وتتشبع بها العبارة، فمنها الإيجابي الذي حفّز المتلقي، ومنها السلبي الذي ثبّط المتلقي، ولو أعيدت صياغتها لأفرغت طاقتها السلبية، وامتلأت بالطاقة الإيجابية.
ربما تكون الكلمة تحمل نفس المضمون، ولكن حسن الصياغة والحصافة لدى المتكلم كانت لها الأثر في القبول، وهنا أسوق قصة من التراث عن أحد الملوك حين رأى في المنام أن أسنانه سقطت، ففسرها له أحد المعبرين بأن كل أهله يموتون قبله، هنا غضب الملك وعاقب ذلك الرجل، فسأل آخر كان أكثر حكمة وحصافة، فقال له: هنيئا لك أيها الملك، فأنت أطول أهلك عمرا، ساعتئذ فرح الملك، وأعطاه هدية.
لو قارننا بين كلام الرجلين :أن أهلك سيموتون قبلك، وأنت أطول أهلك عمرًا، نجد المضمون واحدا، ولكن تبرز هنا مخرجات الذوق الكلامي.
فليزن الإنسان كلامه، وليحمد الله على ما آتاه، ولا يؤثر سلبا على سامعيه، وليمتلئ طاقة إيجابية تعينه، وتسعد غيره، وتغيّر مجرى الأحداث إلى الأفضل.