من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عبدالرحمن قاسم المهدلي.
إجمالي القراءات : ﴿2826﴾.
عدد المشــاركات : ﴿76﴾.

مجالس رياض التائبين : المجلس الرابع عشر ــ من لوازم الإيمان.
■ من لوازم الإيمان: اعتراف العبد بقيام حجة الله عليه من لوازم الإيمان، أطاع أم عصى. فإن حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسول وإنزال الكتاب وبلوغ ذلك إليه وتمكنه من العلم، به سواء علم أو جهل. فكل من تمكن من معرفة ما أمر الله به ونهى عنه، فقصر عنه ولم يعرفه، فقد قامت عليه الحجة والله سبحانه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، فإذا عاقبه على ذنبه عاقبه بحجته على ظلمه.
قال الله تعالى : (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ {8} قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ) (الملك : 8 - 9).
وقال تعالى : (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود : 117)، وفي الآية قولان :
أحدهما : ما كان ليهلكها بظلم منهم، الثاني : ما كان ليهلكها بظلم منه. والمعنى على القول الأول : ما كان ليهلكهم بظلمهم المتقدم وهم مصلحون الآن، أي : إنهم بعد أن أصلحوا وتابوا لم يكن ليهلكهم بما سلف منهم من الظلم، وعلى القول الثاني : إنه لم يكن ظالما لهم في إهلاكهم، فإنه لم يهلكهم وهم مصلحون، وإنما أهلكهم وهم ظالمون، فهم الظالمون لمخالفتهم وهو العادل في إهلاكهم.
فإذا أقدم العبد على سبب الهلاك ـ وقد عرف أنه سبب الهلاك ـ فهلك، فالحجة مركبة عليه، والمؤاخذة لازمة له.
قال الله تعالى : (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ {69} لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ) (يس : 69 - 70)، فأخبر سبحانه أن الناس قسمان : حي قابل للانتفاع، يقبل الإنذار، وينتفع به، وميت لا يقبل الإنذار ولا ينتفع به، لأن أرضه غير زاكية ولا قابلة لخير ألبتة، فيحق عليه القول بالعذاب، وتكون عقوبته بعد قيام الحجة عليه، لا بمجرد كونه غير قابل للهدى والإيمان، بل لأنه غير قابل ولا فاعل، وإنما يتبين كونه غير قابل بعد قيام الحجة عليه بالرسول، إذ لو عذبه بكونه غير قابل لقال : لو جاءني رسول منك، لامتثلت أمرك! فأرسل إليه رسوله، فأمره ونهاه، فعصى الرسول بكونه غير قابل للهدى، فعوقب بكونه غير فاعل. فحق عليه القول أنه لا يؤمن ولو جاءه الرسول : كما قال تعالى : (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) (يونس : 33) وحق عليه العذاب، كما قال تعالى : (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) (غافر : 6) فالكلمة التي حقت كلمتان كلمة الإضلال وكلمة العذاب كما قال تعالى : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (الزمر : 71) وكلمته سبحانه إنما حقت عليهم بالعذاب بسبب كفرهم، فحقت عليه كلمة حجته وكلمة عدله بعقوبته.

■ وحاصل هذا كله :
أن الله سبحانه أمر العباد أن يكونوا مع مراده الديني منهم، لا مع مراد أنفسهم، فأهل طاعته : آثروا الله ومراده على مرادهم فاستحقوا كرامته. وأهل معصيته : آثروا مرادهم على مراده، وعلم سبحانه منهم أنه لا يؤثرون مراده ألبتة، وإنما يؤثرون أهوائهم ومرادهم، فأمرهم ونهاهم، فظهر بأمره ونهيه خبيءُ القدر الذي قدر عليهم من إيثارهم هوى أنفسهم ومرادهم على مرضاة ربهم ومراده، فقامت عليهم بالمعصية حجة عدله، فعاقبهم بظلمهم (1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : المدارج (1/292- 294).


image في علم المستقبل : مجالس رياض التائبين.