من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. أحمد محمد أبو عوض.
إجمالي القراءات : ﴿4836﴾.
عدد المشــاركات : ﴿722﴾.

أثر تعليم القرآن الكريم «3».
الأثر التربوي والخلقي لتعليم القرآن الكريم على الفرد والمجتمع.
■ المبحث الثالث : أصول وضوابط لتحقيق الأثر التربوي والخلقي لتعليم القرآن الكريم.
إنّ تحديد الآثار التربوية والخلقية ينبغي أن يسند إلى أصول وضوابط تعين في تلمسها وتحقيقها، وقد جهدتُ هنا في ذكر بعض هذه الأصول والضوابط التي تدل على غيرها من الأصول والضوابط :
1) تحققها نسبي :
الآثار التربوية والخُلقية التي يرجى تحققها من تعلم القرآن الكريم على الفرد والمجتمع؛ توجد بنسب معيّنة، فقد تكون بعض هذه الآثار ظاهرة واضحة يلمسها الناظر إليها لأول وهلة، ولكنها لا تنعدم على العموم في الفرد أو المجتمع.
لذا فإن الدعاة والمصلحون والمعلمون عليهم تأمل هذه الآثار، ومحاولة إبراز ما كان خافيًا منها، غير ظاهر ودراسة الأسباب، وتقديم الحلول.

2) يسبق التأثر الصحيح تصور صحيح :
يجب على المعلم أن يحرص على إيصال المعاني التربوية التي يتعلمها الطالب من خلال الشرح المبسط، لتتنقل هذه المعاني إلى سلوكهم وأخلاقهم. وأن لا يكون تعلمه للقرآن بعيدًا عن العمل به، والتأدب بآدابه من خلال فهمه للمعنى العام لها.

3) التكامل :
يجب علينا أثناء تعليم الطالب للقرآن ولمعانيه أن لا نغفل أهمية التكامل في بنائه وتربيته مع واقعه داخل أسرته، بمعنى : يجب على القائمين على هذه الحلقات مدّ الجسور مع أسرة الطالب، وتهيئة الأجواء الأسرية له لينطلق في تعلمه للقرآن، وتطبيقه لمعانيها. وكثيرًا ما ينقطع الطالب عن تعلم القرآن بسبب الحلقة المفقودة في سلسلة التواصل بين حلقات تعليم القرآن وبين أسرة الطالب.

4) تحقق الخيرية بالتعليم :
يقضي الطالب ما يقارب الأربع أو الخمس سنوات في إتمام حفظه لكتاب الله تعالى، وبعدها يقضي سنة واحدة لينسى القرآن بكامله.
لماذا؛ لأنّ أكثر حلقات تعليم القرآن الكريم لا تحافظ على ثمرات جهود هذه الحلقات، والأوقات التي بذلت، والأموال التي صرفت لأجل أن يتم هذا الطالب القرآن.
ومن المهم تأصيل هذا الأصل العظيم في نفوسهم بعد إتمامهم لحفظهم أن الخيرية الواردة في حديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : (خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه) أخرجه البخاري، لا تتحقق إلا بتعليمه للقرآن بعد تعلمه.
وبذلك نحافظ على حفظ الطالب، ونأمن من نسيانه، وذهاب جهد تلك السنوات سُدى.
ولأجل هذه الخيرية جلس أبو عبدالرحمن يقرئ القرآن ويعلمه للناس من إمرة عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى دخول الحجاج المدينة، وكان يقول : (ذاك الذي أقعدني مقعدي هذا) (38).

5) قراءة القرآن وتعلمه سنة متّبعة :
بمعنى أنّ هذه الآثار التربوية التي تحدثنا عنها لا تحقق بعيدًا عن أخذ القرآن مشافهة، فهذه سنّة متّبعة في تعلمه، لذا فإن أهل القرآن نهوا عن أخذ القرآن مباشرة عن الصحف، دون تلقيه عن أفواه المشايخ المتقنين له.
لذلك قال أهل العلم : (لا تأخذوا القرآن من مصحفي، ولا العلم من صحفي) (39)، وقالوا : (لا يفتي الناس صحفيولا يقرئهم مصحفي) (40).
والمصحفي هو الذي أخذ القرآن عن المصحف مباشرة دون شيخ، وكذلك الصحفي الذي يكون شيخه كتابه، ومن ذلك أن اشتهر أحدهم بعيبهم قراءته لقوله تعالى : ﴿وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً﴾ (نوح : 23)؛ إذا كان يقرأها (وبشرًا) (41).

6) آثار تتنافى مع تعلم وتعليم القرآن :
من الآثار التي ينبغي أن يترفع عنه متعلم القرآن ومعلمه اتخاذ القرآن وسيلة للتكسب، من ذلك اشتراطه المال للتعلم أو التعليم، والانقطاع عن التعلم أو التعليم بانقطاع المال.
وأخذه الأجرة على القراءة في المحافل التي يطربون الناس فيها، ويصيحون طربًا عند سماع آيات الوعيد والتخويف.
والتخنث في اللباس من الأمور التي لا تليق بقارئ القرآن الكريم، قال الله تعالى : ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ (المزمل : 5).
فهو ثقيلٌ في وزن الثواب، وثقيلٌ في التكاليف، وثقيلٌ تنزله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (42).
إلى غير ذلك من الأمور التي لا تليق بحامل كتاب الله تعالى، من التلبس بالمعاصي الظاهرة، أو المجاهرة بها.

■ الخاتمة
الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعد :
فلقد فرغتُ من إعداد هذا البحث من خلال معايشتي لكتاب الله تعالى، وحلقات تحفيظ القرآن الكريم متعلمًا ومعلمًا.
وها أنذا أضع القلم رجاء أن أكون قد قمت بشيء من الواجب تجاه هذه الحلقات التي هي مدرسة التربية الأولى لإخراج الأجيال الإسلامية التي تتربى على كتاب الله تعالى ومعانيه.
وقد ذكرتُ أحد عشر أثرًا تربويًا وخُلقيًا على الفرد بتعلمه للقرآن الكريم.
وأتبعتها بذكر ثمانية آثار تربوية وخُلقية لتعلم القرآن على المجتمع، ثم ختمتُ ذلك بذكر قواعد وأصول في هذا الشأن بلغت ستًّا تدّل عليها.

■ ومن أهم التوصيات التي أختم بها هذا البحث :
1- الاختيار الجيّد من قبل القائمين على إدارة حلقات تعليم وتحفيظ القرآن الكريم للمعلمين الذين يجيدون المزج بين تعليم حروف القرآن وإيصال معانيه للتلاميذ.
2- تنظيم تقارير دوريّة لأولياء أمور التلاميذ الهدف منها ربطهم بهذه الحلقات، وجذب اهتمامهم بها.
3- إيجاد مرشد طلابي يهتم بشؤون الطلاب، لمعرفة أسباب تأخرهم في التعلم والحفظ، ومحاولة إيجاد الحلول لها.
4- الاهتمام بمن أتمّ حفظ كتاب الله تعالى؛ ليحقق الخيرية الواردة في حديث تعلم القرآن وتعليمه من خلال تعليم القرآن.

هذا، وأسأل الله تعالى أن يتقبل مني هذا الجهد، وأن يغفر لي ويرحمني، وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
(38) فتح الباري (11/229).
(39) فتح المغيث (2/262).
(40) المرجع نفسه.
(41) تصحيفات المحدثين (1/13).
(42) انظر : أضواء البيان (8/358).
الدكتور عبدالرحمن بن جميل قصاص ــ أستاذ مشارك بكلية الدعوة وأصول الدين ـ جامعة أم القرى ــ مكة المكرمة.