من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عبدالله سافر الغامدي.
إجمالي القراءات : ﴿2431﴾.
عدد المشــاركات : ﴿33﴾.

أوراق ريفية خفيفة «2».
■ البيوت القديمة :
برع الآباء قديماً في بناء أبراج عالية، مربعة ومستطيلة، لها أشكال هندسية بديعة، تدل على ولعهم بالبناء، وإتقانهم له، وهي مبان لا تزال حاضرة شاهدة، قائمة شامخة؛ فعمر بعضها أكثر من مائة عام.
كانوا يقومون من أجل بنائها بتكسير الصخور الكبيرة؛ بأدوات اللغب والعتل والفانوس، والتي كانوا يحملونها على الجمال من الشفيان، ومن مختلف الأودية، وكان للحجارة طريقة في التكسير، وطريقة في الترصيص، وطريقة في التسقيف.
وفي بيوتهم كان يصنع النجار المرزح، والزافر، والسارية، والجوز، والجريد، والشبابيك والمصاريع، وجميعها مأخوذة من الأشجار، والتي يتم دهنها ـ في الغالب ـ بالقطران، وذلك بهدف المحافظة على صلابتها وقوتها.
أما جدرانها من الداخل؛ فكانت تغطى بطبقة سميكة من الطين والعلف، وتُدهن بمادة النورة، كما كانت تزيّن السترة في بعض البيوت بأحجار المرو البيضاء أو الشفافة.

● العصبة :
لا أقصد بالعصبة ذلك المصطلح المشهور، والمحدد منذ آلاف السنين؛ والذي يعني الولاء المطلق من الإنسان لمصالح التجمع القبلي أو القروي، بل يقصد به هنا ذلك القانون الاجتماعي المعروف قديماً فيما بين الأجداد، والخاص بالتكاتف، حيث تتفق أسرتان فأكثر؛ على التعاصب والمشاركة في أعمال : الحرث - السقاية - الحصاد - حمل المحاصيل - بناء منزل أو جدار وغيرها.
ففي العصبة؛ يهب أفراد أسرتين فأكثر؛ على المشاركة بما لديهم من أدوات، أو حيوانات : جمل، أو ثور، أو حمارة، ثم يتعاون الرجال والنساء والأطفال على إنجاز الأعمال المطلوبة لدى كل أسرة، والتي يحرصون فيها على : الحضور الكامل، والتواجد المبكر، والإنجاز السريع، والأداء المتقن.
وقد كان ديدن الأهالي الاهتمام بوسائل التعاضد والتكاتف فيما بينهم، فالحاجة تدفعهم إلى طلب المساعدة، والمعيشة تجعلهم يقدمون المساندة؛ للمحتاج إليها، أو للعاجز عن توفيرها، بل كذلك لغير المحتاج، وغير العاجز.
إن العصبة قانون شرعي ثابت؛ آمنوا به ودفعتهم الحياة إليه، وعملوا على العمل به؛ في مختلف أمورهم، وأبسط شؤونهم، فهل يمكننا اليوم العودة إليه ؟! أم إن الناس اليوم استغنوا عن بعضهم البعض !!

● يوم الطينة :
كان أهل الريف يهبون أجمعين ـ رجال ونساء ـ إلى تسقيف بيوتهم التي يبنونها، حيث تأتي النسوة بالماء من الآبار، والرجال يخلطون الماء مع التراب الخاص، ليضعوه على سقف البيت، وهم يصنعون ذلك وألسنتهم تردد أهازيج عذبة، وأصوات نديّة، مثل :
ما نستعين إلا بربنا • • • ولاّ فلا حول ولا قوة
أو كقولهم :
الله يا مَن يدِّرق عن بني عمه • • • الله لا يجعله منا وفينا


● ثمرة النيم :
حرص الأطفال في زمن الريف القديم؛ على المشاركة مع آبائهم في حضور سوق السبت الأسبوعي في بالجرشي، والمساهمة في بيع ما يمكن بيعه، حتى يستفاد من ثمنه؛ في شراء الاحتياجات، وتوفير المتطلبات.
كان الأطفال يحرصون على العناية بأشياء كثيرة، وذلك لبيعها في السوق، مثل : الحمام - الأرانب - الوبارة - الدجاج العربي - البيض - التين الشوكي - وكذلك بيع حبوب النيم.
وهي تلك الثمرة الخضراء الصغيرة الحامضة، التي تتواجد بكثرة في بعض الأودية، وفي مواسم معينة، حيث تجمع من شجرتها بعناية فائقة، نظراً لصغر حجمها، وتواجدها بين أشواكها.
لا أقصد هنا بشجرة النيم؛ شجرة الزينة الموجودة في بعض الشوارع، لكنها هنا تلك الشجرة المتشعبة، التي لها أوراق صغيرة، وشوك غير مضر، والتي تراها على أطراف المزارع، وعلى مشارفها.
فهل نجد من المزارعين؛ من يعتني بزراعتها، ويستفيد من بيع ثمرتها، والتي لا توجد في الأسواق حتى الآن ؟!

● لغب يالغب :
كانوا قديماً يقومون بتكسير الصخور لبناء المنازل، وفيها يقوم الملغب بحفر الحجر باستخدام العتلة، والتي هي من الحديد الصلب، حيث يضرب الصخرة برأسها المدبب؛ مع لفها يميناً ويساراً، ويستمر كذلك مع إضافة بعض الماء ليسهل عملية ثقب الصخرة؛ حتى يصل إلى العمق المطلوب فيها.
وهذا يحتاج إلى عمل متواصل، وجهد مستمر لساعات، وبعد الانتهاء من حفر الحجر؛ يقوم الملغب بصب البارود داخل المضرب إلى منتصفه تقريباً، ثم يصب فوقه الحجارة الصغيرة مع كمية أخرى من البارود.
ثم ينادي الملغب بأعلى صوته بكلمة يعرفها الجميع : (لغب يا لغب) حتى يتنبه الناس ويبتعدوا عن مكان الانفجار؛ الذي تتطاير معه الحجارة إلى مسافات بعيدة، وبعد تفتيت الصخور؛ يقومون بتعديلها باستخدام المطارق والفوانيس المخصصة لذلك.
كلمة (لغب يا لغب) لم نعد نسمعها منذ أربعين عاماً تقريباً؛ حيث استغنى الناس بمعدات التكسير الحديثة.

● لعبة الليالي المقمرة :
كانت تمارس في الليالي المقمرة؛ لعبة لطيفة ظريفة، تقوم على الخفة والسرعة، والتعاضد والتكاتف، وفيها يعيش مجموعة من الفتيان والأطفال، أجواء من المتعة والمرح، والسعادة والفرح، وعلى ضوء القمر الجميل، ومع نسمات الليل العليل.
وملخص اللعبة تقوم مجموعة منهم بمسك ثياب بعضهم من الخلف بالتتابع (على شكل قطار)، على إنهم الأبناء، والأم تتقدمهم، ويأتي أحدهم يمثل الذئب، حيث يقوم بمحاولة مسك أحد الأبناء، والأم تحاول حمايتهم، وهم في خلف الأم يتحركون سوية، ميمنة وميسرة، هرباً من الذئب، دون أن يتفرقوا، ومن يمسكه الذئب فعليه الخروج من اللعبة.
وكانوا أثناء اللعبة يرددون بصوت واحد :
يا يمّنا حجي بنا • • • دجي بنا في ليلة القماري

● حِماية المزارع من الطيور :
كان الأطفال قديماً يساهمون مع أهاليهم في حماية المزارع من هجوم الطيور عليها، فالمزارع كانت محملة بحبوب الذرة والمجدولة والسيّال، وممتلئة بثمار العنب والرمان والمشمش، والتي تحتاج إلى وقاية متواصلة من التلف والضرر الذي يصيبها؛ من تواجد العصافير فيها.
ويعدُّ لذلك بناء يسمى : العُشّة، وهي عبارة عن مظلة كبيرة من الجريد والقش والقصيل، ولها أربعة أعمدة، وسقف مرتفع، يستظل بها الحامي من الشمس أثناء النهار.
ويستخدم للحماية ما يسمى : المِقلاع أو المرجمة، وهي عبارة عن حبلين بطول متر تقريباً، تلتقي في كُمٍّ صغيرٍ توضع فيه الحصاة، ويمسك الرامي بالرأسين الأخريين، وعند الرمي يفلت أحد الحبلين، ويمسك بالآخر لتُرمى الحصاة بالاتجاه الذي يريده, ولهذا صوت عالٍ يكون له أثراً كبيراً في طرد الطير من المزرعة.
أما (القلقيلة) المستخدمة في حماية المزارع من الطيور، فهي عبارة عن حبل يوضع فيه عدة عُلب؛ من التنك الفارغ، وفي داخلها بعض الأحجار الصغيرة، التي يصدر منها إذا حُرِّكَت ضجيجاً وصخباً، يفزع بسببها الطيور، ولا تعود إلا بعد نسيانها فترة من الزمن.