بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. أحمد حمود الحرازي.
إجمالي القراءات : ﴿4484﴾.
عدد المشــاركات : ﴿6﴾.

المُقدم والمُؤخر.
■ هذا ليس مهر صداق لعقد نكاح. إنها كلمتان، اسمان لهما معاني عظيمة. هل تعلم أنك إذا فهمت هذان الاسمان المقدم والمؤخر ستشعر بالحكمة تجاه أمور كثيرة في حياتك اليومية ؟
نعم إذا سألت نفسك يوماً لماذا حصل هذا القدر وفي هذا التوقيت ؟
تكون الإجابة : لأنه المقدم والمؤخر (الله) قدَّر المقادير كلها وكتبها في اللوح المحفوظ.

■ لماذا تقدمت بعض الأمور ؟
لأنه المقدم. تأمل :
يتقدم فلان صاحبك في المقعد الدراسي عليك ويتخرج وأنت تتأخر عن التخرج.
يتزوج فلان الأصغر منك سناً، وأنت لم تتزوج بعد.
تذهب لقضاء معاملة فتتقدم على من معك وتتأخر أوراقهم.
تبدأ العلاج فتستجيب له وتتقدم في الشفاء وهو يتأخر شفاؤه.
يتقدم الأصغر منك سناً في العلم وتتقدم أنت في التجارة والمال.
هو (الله) المقدم والمؤخر. إنه الذي يقدمك في أشياء ويُؤخرك عن أشياء لِحِكَم عظيمة تخفى عليك. ثق أن التقديم والتأخير يحمل في طياته حكم عظيمة التي قد تعجز الجبال عن حملها ! لذلك لا تحزن ولا تيأس إن تأخر رزقك، فالله عز وجل قد يكون آخر الرزق لكنه قدم لك نِعم أخرى عظيمة لا تُعد ولا تُحصى. إن سُنة التقديم والتأخير في (الدراسة، والوظيفة، والزواج، والذرية، والتجارة، والمشاريع، والشفاء، وفي الأرزاق عموماً). هي أقدار مكتوبة لا مهرب منها، فلا تكن ممن يتسخط على أقدار الله.

■ فالعارف بالله حين يقول : لماذا تأخر رزقي ؟
يأتيه صوت من داخله يقول له : إن الله هو المقدم والمؤخر. لذا كان التأخير، هذا التأخر الذي يقضي مضجعك هو يُخفي في داخله ألطاف لا تُعد ولا تُحصى ! ليس التأخر هو تأخر الرزق فحسب بالأشد إيلاماً تأخر العبد في سيره إلى الله.
الله عز وجل رفع الخلق بعضهم على بعض ونرى فلان متقدم في العلم وآخر متقدم في الصيام وآخر متقدم في الإمامة والقرآن. فمن الذي قدمهم ! الله عز وجل في علاه المقدم، وما قدمهم إلا لعلمه أن فلان يستحق هذا التقديم. يقول الإمام النووي رحمه الله : (يُقدم من يشاء من خلقه إلى رحمته بتوفيقه، ويُؤخر من يشاء عن ذلك لخذلانه) كلام نفيس يفهمه أصحاب العقول والقلوب الراقية، حين يقدمك الله للطاعة ولِما يحب، فهذا من توفيق الله لك، وحين يُؤخرك فهذا من خذلان الله لك ونعوذ بالله من الخذلان.

■ لذا تأمل :
في حياتك تأخرك وتقدمك، وتيقن أن الأمر به حكمة الخير.
فلان لا يصلح له التأخر في الدراسة، وفلان لا يصلح له إلا التقدم والسبق !!
فلان يصلح له التأخر في الزواج، وفلان لا يصلح له إلا التقدم في الزواج !!
فلان يصلح له التأخر في الإنجاب، فلان لا يصلح له التأخر في الإنجاب !!
فلان يصلح له السبق في العلم والدعوة، فلان لا يصلح له إلا التأخر !!
هذا هو الله، المقدم والمؤخر جل في علاه، فكل المقادير بيده، والأمور تسير بحكمته، فلا تتعجل في التضجر والتأفف. وتأمل وتذكر أن التوفيق بيد الله إن قدمك فلحكمة وإن أخرك فلحكمة. نسأله سبحانه أن ينور بصائرنا في كل تأخر وتقدم بحياتنا.

لذا احرص أخي الحبيب على وضع هذان الاسمان نصب عينيك وقلبك. عالج بهما مشاعرك وأفكارك عندما يهمك التقديم والتأخير. ذكر نفسك كثيراً وكرر عليها (الله) المقدم والمؤخر وستجد في تكرارها وإمعانك التأمل شفاء راقياً لروحك وقلبك.