أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : عبدالله علي الخريف.
إجمالي القراءات : ﴿7000﴾.
عدد المشــاركات : ﴿27﴾.

من كان يعبد رمضان .. !
■ ليس سراً أن العنوان بعض كلمة خالدة أطلقها الصديق أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ حين نظر للمرة الأخيرة في الدنيا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وتأكد من وفاته، وخرج إلى الناس وهم أشد ما يكونون أسفاً وحيرة، قال كلمته العامرة : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
وإن هذه الكلمة لعمر الحق تحمل الكثير من الدلالات، وليس أولها دلالة استمرارية العبادة، ودلالة صرف التعلق إلى الله وحده، ودلالة انتفاء التقديس للأشخاص والأماكن والأزمان إلا في حدود ما أنزل الله.
وهل أعظم من فراق الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل أكبر من ذلك في الأحداث يمكن أن يتكرر ! لكنها عظمة هذا الدين، في عظمة الخالق جلّ وتبارك وعز.
وها قد رحل رمضان فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد رحل وإن الله سبحانه وبحمده لا تأخذه سنة ولا نوم، ومن كان يعبد مكة، فإنه سيغادرها يوماً وإن الله معبود في كل مكان، ومن كان يعبد الحج فإن الحج سيأتي موسماً مشرقاً جلياً باهراً لكنه هو الآخر لا يلبث إلا أن يغادر وإن الله هو الحي القيوم.
هذه المعاني تمنح شعوراً مختلفا لنوعين من المؤمنين فإن المحبين المكلومين لرحيل رمضان الذين حين فارقهم رأيت وحشة في قلوبهم وإشفاقاً في أكبادهم كذلك الذي يصيب الحبيب إذا فارق حبيبه، فهؤلاء حين يتذكرون أن الله معهم أين ما كانوا حين يمسك أحدهم المصحف فيضمه إليه وحين يقدم رجله للمسجد في كل وقت فإن وحشته تذهب وشفقته تنقضي ويردد في صمت : وما عليّ إذا ذهب رمضان وربي يقبل طاعتي في كل حين ويسمع مناجاتي في كل وقت إن سألته أعطاني وإن دعوته أجابني وإن استغفرته غفر لي وإن تبت إليه تاب عليّ فيجتمع على قلبه ما تفرق منه وتقر عينه ويسكن فؤاده.
وأما النوع الثاني من المؤمنين فهم أولئك الذين تنشط نفوسهم في رمضان ويقوون بمن وما حولهم من إخوانهم ومن الجو العبادي العام فإذا رحل رمضان عادوا إلى الغفلة وعادت القلوب إلى الفتن فاستعرضتها عوداً، عوداً وقبلتها واستقدمتها وأدخلتها حجر القلوب وصوالينها وفرشت لها الأسرة ورمت لها المطارف والحشايا حتى باتت الذنوب في العظام ورجعت القلوب إلى ما يشقيها من الذنوب والخطايا فما هو إلا أن يتذكروا هذه المعاني ويتقرر لديهم أن الله العظيم الذي عبدوه واتقوه في رمضان معهم في كل وقت حتى تتصالح نفوسهم معهم حين تعلم صدقهم.

رحل رمضان وبقيت الصلاة المفروضة مطهرة للقلوب وبقيت صلاة الفجر جماعة مع المسلمين أماناً وضياء للمشائين في الظلم ونوراً إلى يوم القيامة، رحل رمضان والقران بين أيدينا هدى وشفاء ورحمة للمؤمنين، رحل رمضان ولكنّ معانيه التي صنعها في نفوس الطيبين باقية.
وهل جاء رمضان أصلاً إلا ليجدد القلوب للمزيد من الطاعات، ويحّفز النفوس لأيام عامرة بالعبادات.
■ تقبّل الله من الصائمين والقائمين وجبر كسر قلوب المقصّرين وألهمنا رشدنا.