من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : عماري جمال الدين.
إجمالي القراءات : ﴿6201﴾.
عدد المشــاركات : ﴿20﴾.

شهر رمضان : رمضان فرصة العمر فانتهزها.
■ رمضان فرصة العمر فانتهزها :
1 ـ ففروا إلى الله : الأصل في صلة الإنسان المسلم بخالقه عز وجل أنها دائمة مستمرة لا تنقطع، لأنها بمثابة الحبل السري الذي يمده بمقومات ومتطلبات الحياة الطيبة، كيف لا والمخلوقات جميعها بل الكون كله عاكف في محراب العبودية يسبح بحمد ربه - ولو أننا لا نفقه تسبيحهم - قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج : 18) نعم إنه لا عز ولا شرف ولا كرامة ولا مكانة لهذا الإنسان بل لا معنى لوجوده إلا في ظل عبادة الواحد الديان إذا فالمؤمن منسجم في حركته مع الكائنات الأخرى لا يحيد عن طاعة ربه قيد أنملة، ولا يقبل عنها بديلا، هذا في أيامه العادية وفي باقي الشهور، أما والموسم رمضان، شهر الخيرات والبركات، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار فالحال يختلف، تراه يزداد إقبالا على الله عز وجل، وينخرط في مشروع رباني إيماني روحاني أخلاقي لا حصر له ولا حد. وهذا على مستوى النية والقصد، كما على مستوى القول والعمل، يلهج بذكر ربه سبحانه بلسانه وقلبه وبكل جوارحه، منقاداً عن طواعية وحب ورغبة وشوق، مستجيباً لداعي الله (يا باغي الخير أقبل) ولقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال : 24) فالحياة الطيبة هي حياة من استجاب لله وللرسول ظاهراً وباطناً، وما عدا ذلك أموات غير أحياء، وإن سمعنا لهم أصواتا، فما أسعد من يكثر من نيات الخير، وأعمال الخير في هذه الأيام المعدودات، وهي ليست كغيرها من الأيام ولياليه ليست كغيرها من الليالي، أنفاس العباد فيه تسبيح ونومهم فيه عبادة - كما ثبت في الحديث الشريف - فما بالك بالذاكر القائم والصائم المحتسب، إنه فضل الله وفيض جوده وكرمه، فلا يقعدن أحد بعد هذا، وليكن الشعار :
ركضا إلى الله بغير زاد • • • إلا التقى وعمل الرشاد
وكل زاد عرضة للنفاذ • • • غير التقى والبر والرشاد

2) متى نغير ما بأنفسنا ؟
أسئلة كثيرة جديرة بالطرح، بل هي تطرح نفسها بإلحاح وتنتظر منا الإجابة العملية. متى أتوب إلى الله عز وجل ؟ كيف أقوي إيماني ؟ ما معنى "ففروا إلى الله" ؟ أي كيف نفر إلى الله ؟ كيف أدعو ؟ كيف أنتفع بالقرآن ؟ ما السبيل إلى التحقق بالتقوى كأهم مقصد من شعيرة الصيام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) (سورة البقرة : 183) ما الذي يمكن أن أستفيده من مدرسة رمضان، هذا المحضن التربوي الرباني العجيب والفريد من نوعه ؟ وبعبارة أوضح، كيف نجعل التغيير في رمضان أشمل وأمضى وأعمق وأدوم بأن يستمر بعد رمضان ؟ كيف نحدث التغيير المنشود ؟ كيف نغير ما بأنفسنا ؟ حتى يتحقق فينا وعد الله الذي وعد به عباده، إذا ما قاموا بتغيير ما بأنفسهم، (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) (الرعد : 11).
ما أحوجنا ونحن نعيش أسعد اللحظات في هذا الشهر الفضيل - لولا دماء تسيل وأرواح تزهق لإخوان لنا، خفف الله عنهم ونصرهم على عدوهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله - أن نقف مع أنفسنا وقفة تأمل ومراجعة، فنحدد نقاط القوة ونقاط الضعف، ما أنجز وما لم ينجز، وما هو في طريق الإنجاز، لنرسم بعدها خطة إيمانية نجدد بها الإيمان ونثقل بها الميزان فنعيد للروح حقها لنحدث توازنا في حياتنا، لأننا والحق يقال كثيرا ما نبالغ في تلبية مطالب الجسد على حساب حاجات الروح، إنه بإمكاننا إحداث التغيير إذا أردنا ذلك، لا شك أننا قصرنا قبل رمضان وهذه فرصة الاستدراك قد حانت، لذا ينبغي أن تكون المخرجات التي تشكل ملمح الخروج في نهاية الشهر في المستوى المطلوب كالاستمرار في المحافظة على الصلوات في وقتها وفي المسجد، وخاصة صلاة الفجر، مع الالتزام بالورد القرآني اليومي، مع الذكر والأوراد المأثورة، وكذلك الدعاء والإنفاق وصلة الرحم، إضافة إلى الواجبات الأسرية والدعوية والمهنية، وما إلى ذلك، لذا ينبغي أن نخرج من هذه المرسة الربانية وقد حققنا انتصارات وسجلنا نجاحات وحققنا قفزات نوعية، على عدة جبهات من العبادات إلى العلاقات فكرياً ووجدانياً واجتماعياً ودعوياً، وهكذا نودع الضيف الكريم بروح قوية وهمة عالية وحيوية ونشاط، ورغبة شديدة لمواصلة السير إلى الله في فرح وحبور.

3) محطة للتزود والمراجعة :
كلنا في أمس الحاجة إلى وقفة تأمل مع النفس والحياة من حولنا، بطرح أسئلة جدية كل ذلك من أجل أن نعالج ونصلح أحوالنا، ونحسن في أداءاتنا، فالأصل أننا نتقدم خطوات نحو الأمام، ومن المفروض أن حاضرنا أحسن بكثير من ما ضينا إن كنا فعلاً نبذل جهوداً، ونحاول في كل مرة أن نضيف وأن نطور، وأجدر بنا أن ننجز تشخيصاً موضوعياً دقيقاً، وهذا يستوجب وقفات ومراجعات لمختلف الجوانب على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والأمة، لأنه ليس من المنطق ولا من الشرع أن نهتم بأنفسنا والأمة تعاني ما تعاني، قال تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ۙ فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأعراف : 35) وإذا كان القرآن الذي بين أيدينا، هو الذي كان مع الصحابة، رضوان الله عليهم، وهو الذي صنع منهم هذا الجيل الفريد، فما الذي تغير ؟ لماذا لم يعد القرآن ينتج مثل هذه النماذج التي تخاف الله وتخشاه أشد الخشية في السر والعلن ؟ يسأل سائل أين الخلل ؟ حاشا لكتاب الله المعجزة الخالدة أن يلحقه خلل أو نقص أو قصور، نعم الخلل فينا نحن، قال تعالى : (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران : 165) وفي الحديث الشريف : (وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت) (ورد في سنن أبي داود - باب تداعي الأمم على الإسلام) قال الشاعر الحكيم :
دواؤك فيك وما تبصر • • • وداؤك منك وما تشعر
وتحسب أنك جرم صغير • • • وفيك انطوى العالم الأكبر

وقال آخر :
نعيب زماننا والعيب فينا • • • ما في زماننا عيب سوانا

إن المشكلة مشكلة قلوب، هنا مربط الفرس وهنا مكمن الداء وهنا المرض. فما علينا إلا المسارعة لغسل قلوبنا مما علق بها من أمراض وعلل وأدواء، جراء ما اقترفناه من معاصي وذنوب وتقصير في الطاعات والواجبات، قال سعيد ابن جبير في تفسير قوله تعالى : (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) (سورة المدثر : 3) وقلبك ونيتك فطهر، وقال قتادة : (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) (المدثر : 3) أي طهرها من المعاصي.

4) صناعة الربانية :
لا يختلف اثنان في أن المؤمن في هذا الشهر يختلف عنه في الشهور الأخرى، حيث يشرق قلبه وتزدهر أيامه وتزدان لياليه بالذكر والصلاة والصيام وتلاوة القرآن الكريم، فرمضان ربيع المؤمن لا ريب، إن الخلل الذي سلمنا به والشرخ الذي نلحظه ليس في المنهج ولا في المبادئ والتعاليم، بقدر ما هو في فهمنا القاصر، وفي تفاعلنا وتعاملنا الشكلي مع موروثنا الثقافي الثري، كذلك المشكلة ليست مشكلة نصوص بل في تطبيق النصوص، إن المطابقة بين القول والفعل، وبين العقيدة والسلوك ليس بالأمر الهين ولا بالطريق المعبدة، إذ لا بد من مجاهدة النفس الأمارة بالسوء لانتزاع الخصائص، لابد من تربية أصيلة عميقة تستهدف التغيير من الباطن قبل الظاهر، تربية ربانية إيمانية روحية خلقية على هدي رسول الله صلى عليه وسلم، وصحابته الأخيار، إنه لا دعوة بدون تربية، ولا إصلاح بدون صلاح، ولا صلاح بدون مجاهدة وتوبة نصوح ونية صادقة وإرادة قوية، وفرار إلى الله، يبدأ بإصلاح الباطن قبل الظاهر، وتطهير القلب وتزكية النفس قبل البدن، وإذا لم نتحقق بهذه المعاني وغيرها في هذا الشهر الفضيل فمتى ؟ عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وما تقرب عبدي إلي بأحب مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه: البخاري.