من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : محمد أحمد الأكوع.
إجمالي القراءات : ﴿2538﴾.
عدد المشــاركات : ﴿54﴾.

في الموهبة : الغرور مرحلة متوقعة.
بزعمي أنّ الغرور مرحلة متوقعة لأي موهوب يسلك صنعة !
وبزعمي - أيضاً - أنّ الغرور مثل الوسوسة؛ لا يسلم من زيارتها أحد؛ ودليلي أنّ الفاروق عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قد نادى بالصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس، وكبروا، صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على نبيه عليه الصلاة والسلام ثم قال : أيها الناس، لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم، فيقبضن لي قبضة من التمر أو الزبيب، فأظل يومي وأي يوم ! ثم نزل، فقال له عبدالرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، ما زدت على أن قمّأت ـ عبْتَ ـ نفسك فقال : ويحك يا ابن عوف ! إني خلوت فحدثتني نفسي، فقالت: أنت أمير المؤمنين، فمن ذا أفضل منك ؟! فأردت أعرفها نفسها !
وفي رواية: "إني وجدت في نفسي شيئاً، فأردت أن أطأطئ منها" !
لم يفت على السادة الفقهاء الانتباه لمثل هذا المتوقع؛ فحذروا طلبتهم من "أبي شبر"؛ وقالوا عنه: "العلم ثلاثة أشبار : من دخل في الشبر الأول تكبر، ومن دخل في الشبر الثاني تواضع، ومن دخل في الشبر الثالث يعلم أنه لا يعلم شيئاً" !
وعلى ما مضى؛ فقد أحسن صُنعاً العلاّمة الإبراهيمي عندما بثّ في ترجمته لنفسه، وحكاية مطلبه للعلم؛ ما قد كان جرى له في أثناء المرور بشبر التميز الأول؛ فقال - لله دره - بكل صدق وصراحة : "وما أشرفت على الشباب حتى أصبت بشرِّ آفة يُصاب بها مثلي، وهي آفة الغرور والإعجاب بالنفس؛ فكنت لا أرى نفسي تَقْصُر عن غاية حفَّاظ اللغة وغريبها، وحفاظ الأنساب والشعر، وكدت أهلك بهذه الآفة لولا طبع أدبي كريم، ورحلة إلى الشرق كان فيها شفائي من تلك الآفة" ا .هـ.
أستوعب، وأظنكم تفعلون مثلي بأن يُصاب بداء الغرور شاب بمثل ما هو عليه ذكاء وتوقد "الإبراهيمي"؛ إذْ أنّ الإبراهيمي كان آيةً من آيات الله في الوَعاء والصبب؛ بالإضافة لنجابته في القراءة، وإنجابه في الكتابة؛ وكونه قد أوتي قلماً خصيباً لا يعقم عن توليد المعاني أو ابتكارها وإنك لتعجب أشدّ العَجب بعد أن تقرأ لهذا القلم الإبراهيمي السيال؛ وكيف أنّ انهماره يجيء بدفقٍ واحد لا يرهق من تتابع موضوع، أو يضيق من تباعد مسافة في أسلوب !
أقول : هذا أمر من اليسير تفهمه، وعلى غير المشقة إدراكه؛ ولكن ماذا عمن قد اختصر المسافات أو هو لم يقطعها أصلاً؛ ثم بعدها يقول : أنا أنا !
هو هو : يكتب بإملاءٍ قد ابتكره لنفسه؛ وأسلوب لم يركبه سواه : بخلُقِ جعظريٍ جواظ، ثم ينظر للخلق بعدها قائلاً : والله ما في الجبّة غيري!
الجالب لضحك الثكالى بأنّه يكتب تحت اسم مستعار؛ فلا هو من الحقيقة في شيء، ولا هو على سجلات التاريخ مدونٌ في صفحة!
لا أدري ـ أمانةً ـ ما هو ذا الحبل السري بين الكتابة والغرور؛ لأقطعه ؟!
أظن بعض السبب يرجع لأن الكاتب إنما يُدون شخصه على الطرس، وينفث نفْسَه على الورق؛ والمرء بنفسه ـ لا شكّ ـ مُعجَب ! ثم إذا ما تلقفها قارئ ما بعابرٍ من ثناء؛ فإنّ العملية النفسية تقول : إنما هو أنت يا "يوزر نيم"؛ فافرح بنفسك !
لا أستثني في الشبكة العنكبوتية طيفاً فكرياً من هذا الداء المزعج ؛ بله ربما قد ظهر هذا البلاء عند بعض الأخيار من بني جلدتنا : بشكلٍ هو ربما أشنع هضماً منه عند غيرهم وما ذاك إلاّ لحرص الشيطان على هلاك الحي؛ إذْ ما حاجته في القلب الخرب !
نصيحتي وانطباعي؛ بأنّ ثمة فرق شاسع بين من يُريد الخلود ومن يُريد العيش؛ فالأخير يُطعم نفسه من غروره لتعيش على زهو، وترتفع من قيعة، والأول يحبسها لتُجريها الأيام وتُرسيها من ثَمّ على قمّة. ومن أصدقُ - بعدها - من الأيام، ومن هو أطول يا ترى ؟!
ما من خاتمةٍ عندي تجاه هذا الخُلُق الرديء سوى الإشارة لكل مغرورٍ سعيد بمنتدى؛ بأنّ جارك لا يعرفك، وبأنّ تحديث منتداك كفيلٌ بإزاحة خربشتك ودفنها!
ثمّ وجرب : غبْ شهراً؛ فإن افتقدك أحد فتعال بعدها : حاسبني.