من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : خالد صابر خان.
إجمالي القراءات : ﴿4390﴾.
عدد المشــاركات : ﴿122﴾.

صُم .. يا سادة .. صُم .. وليسوا معوقين.
لا تقل معوّق إلا إن كنت ناقصاً بنظرك. كلمات أشّر بها والدي تجاه جاره الأكاديمي الذي كان يتحدث معه أثناء خروجهما من المسجد بعد صلاة المغرب وقد كنت بينهما أقوم بترجمة الحوار، دلفنا إلى المنزل بعد أن ودعنا جارنا الفاضل.
جلس والدي في مكانه المعتاد بالمجلس وتوافد إليه إخوتي لتحيته والجلوس حوله، بدأنا بالحديث بين متكلم ومترجم، تأملت المشهد، جميع إخوتي يؤشرون بينما يتحدثون تأدبا مع الوالد، حتى أمي رعاها الله تلتزم بهذا الأسلوب في الحوار. سألت نفسي : أين الإعاقة التي كان يشير إليها الجار أثناء حديثه عن الصم ؟
فأبي يعيش حياة طبيعية كغيره من الأشخاص، بيت، وظيفة، زوجة، أبناء، حتى أدق أمور الحياة. لا تختلف عن غيره.
بدأت مع أبي حيث انتهينا في حوارنا حول جزئية (معوقين .. أم صم ؟).
فغصنا في بحر طويل من بيان التناقضات وأصل مسمى الإعاقة، وهل هي متناسبة مع الصم من عدمه.
حديثي مع والدي كان يدور حول بعض المفاهيم المغلوطة مع الاتفاق المطلق على أن فاقدي السمع هم (صم) وليسوا معاقين أو معوقين.
عدت إلى بيتي وفي الصدر قهر سابت أيقظه والدي ضد كثير من التوجهات العقيمة والتي تصرّ على صفة الإعاقة لفاقدي السمع.
بدأت ابحث عن حقيقة هذا المسمى ثم يسّر الله لي في صلاة الفجر من اليوم التالي آية قرأها الإمام أهدتني للبحث عن كلمتي (إعاقة) و (صم) في القرآن الكريم. قول الله تعالى المقدّس من كل نقص، الحامل لكثير من المعاني الحسية والمعنوية والتي يجب أن نستحكم في مثل هذه الأمور ليست بالنسبة لي إنما لبعض العقول المخالفة، حيث قرأ الأمام من قوله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ) (سورة الأنبياء : آية : 45).
قرن الله سبحانه وتعالى عدم السمع بالصمم في هذه الآية عودا على مسألة البحث، خرجت لي 9 نتائج تحمل كلمة (صم) بينما كلمة إعاقة أو معاق أو معوق نتيجتها صفر. فالله سبحانه وتعالى مقدر الأقدار وخالق البشر ابتداء من آدم أختار مسمى الصم وهو العالم بمخلوقاته أما حقيقة معنى كلمة الصم فقد بينها الله تعالى في كتابه مقرونا بعدم السمع كالآية التي ذكرتها آنفا.
في (سورة البقرة : آية : 171) قال تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ).
في (سورة يونس : آية : 42) قال تعالى : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ).
وفي (سورة هود : آية : 24) قال تعالى : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ).
بغض النظر عما تقصده هذه الآيات من معاني تصف فيها المعرضين عن هداه بالصم إنما الشاهد الصريح في الآيات يدل دلالة واضحة إلى أن من لا يسمع يكون أصما. والقرآن الكريم نزل شاملاً كاملاً لا يأتيه الباطل من بين يديه (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا).
الذين يتعنتون ويتعلقون بمسمى الإعاقة السمعية أو المعوقون سمعياً أليس لهم بهدي الله سبحانه وتعالى هدي و سبيل ؟
بدأت في خير ما بدأ به الرسول في التبليغ وخير ما يبتدي به المتخالفون للعودة إلى حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. أما يخص مسمى الإعاقة فهي مسمى دخيل لا أصل له حتى التوجهات الحديثة نحو الصم لا تعترف به جملة وتفصيلاً.
الجامعات المتقدمة والتي تعلم الصم منذ عقود مضت وعلى رأسها جامعة (جالوديت) والمراكز والاتحادات والمعاهد تستخدم (الصم) أو (فاقدي السمع) أو (ضعاف السمع) ولا تعترف بكلمة (المعاقين سمعياً).
العجيب التناقض الواضح وضياع الهوية الإسلامية التي نشكو منها حتى في بعض المسميات والتي أوضحها الشارع في كتابه صريحة، نترك ذلك كله ونتبع الغرب الذي عاش عصور مظلمة وصراعات عدة تجاه شعبة وتحديدا تجاه الفئات الخاصة ومنهم الصم.
المبكي المضحك بالأمر أنه حتى الغرب في السنوات الماضية سبقونا لتصحيح هذا المسمى فأقروا الصم بدلاً من المعاقين سمعياً في مؤتمرات دولية بينما نحن ما زلنا في خلاف حوله. والقرآن بين يدينا وقبل أربعة عشر قرناً وصف فاقدي السمع (صماً).

■ إليكم بعضا من المسميات لجمعيات وجهات كبيرة تستخدم كلمة Deaf أي صم :
● (National Association of the Deaf (NAD «الجمعية الوطنية للصم» .
● في السويد خدمات الصم فيها تنافس ما هو موجود في أمريكا : (Swcdish National Assciation of the Deaf (SDR .
● في فنلندا (المقر الرئيسي للاتحاد العالمي للصم : The Finnish Assciation of the Deaf.
● في استراليا : (Australian Assciation of the Deaf (AAD .
● في نيو زيلاندا : (Deaf Assciation of New Zealand (DANZ .
● في بريطانيا : British Deaf Assciation .
● في الكويت : Kuwait Club for the Deaf .
● وفي الصين : China Association of the Deaf .
(مصدر المسميات مقتبس من مقال للأستاذة هند الشويعر في جريدة الرياض).

ومن نواحي أكاديمية، فجميع الأكاديميين والتربويون يؤكدون على صحة استخدام هذا المسمى (الصم).
وعوداً على بداية كلامي حول أن الصم ليسوا معوقين أوضحت أنفاً الشرع حول هذا المسمى.
أما ما يخص الحياة الاجتماعية فالأصم يعتبر من الفئات المشابهة للأقليات في أي مجتمع كان، فله لغة خاصة يتحدث بها وثقافة تميزه عن باقي أفراد المجتمع حتى في تحاوره مع نظرائه من المجتمع يستخدم (مترجماً) كحال الكثيرين من الأقليات. إذ ليس من لا افهمه ولا يفهمني أصفه بالإعاقة كما ليس من يخالفني ثقافة يكون معاقاً !
وهنا محور خلافي مع بعض التربويين، إذ يصرون على صفة الإعاقة للصم، وحين تبحث عن إصرارهم في هذا المسمى تكتشف أن هذا التربويّ أو غيره ممن يصف الصم معوقين، لا يجيد التواصل معهم بلغة الإشارة ولا يفهم ثقافتهم ولا يجيد حتى أبجديات التعامل معهم، فكان أن وصفهم بالمعاقين، بينما لا يسمي عامل النظافة لديه بالمكتب الفاقد كلياً للغة تواصل، والمخالف تماماً بالثقافة، معاقاً ! تناقض عجيب ولست اشك ذرة أن من يستخدم هذا المسمى لا يؤمن بالصم وبقدراتهم ولا يعدّهم حتى كأمثالهم بالمجتمع والشواهد كثيرة اتركها في مقال أوسع.
أما من نواحي وطنية، فولاة الأمر بالدولة، وفي أي دولة، يؤمنون بأبنائهم الصم، ويدعمونهم، ويتيحون لهم جميع ما أتيح لنظرائهم في المجتمع، فأقروا اتحادا خاصا للرياضة سمي باتحاد رياضة الصم، وانشأوا نوادياً ومراكزاً سميت بنوادي ومراكز الصم، حتى في الإعلام الرسمي بالدولة يطلق على مترجم لغة الإشارة مترجم للصم، اخرجوا مرسوماً مليكاً يتيح لأبنائنا الصم إكمال دراستهم الأكاديمية، كل القرارات والتقارير التي تصدر من جهات عليا أو من ينوبها بالدولة تستخدم كلمة (الصم)، بينما نجد نزر يسير يصرّ على صفة الإعاقة رامياً بكل هذا عرض الحائط، والسبب ما ذكرته سلفاً عن عدم إيمانهم بقدراتهم والنظرة الناقصة تجاههم.

■ أخيراً :
اقتبس كلام احد الكتاب حول الإعاقة الحقيقية فلقد قال : لابد أن يعي المجتمع كاملاً ما هي الإعاقة الحقيقية ؟
الإعاقة الحقيقية يا عزيزي القارئ ليست إعاقة الجسد كما يفسرها قاصري النظر !
الإعاقة هي موت الطموح وانطفاء شمعة الأمل والعيش بمنغصات وألم. فكم حولنا معاقون بالرغم من جمال مظهرهم, وقوة أجسادهم, ونمو عضلاتهم إلا انهم يعانون من السذاجة وعمى البصيرة وقصور المنطق والعجز الفكري وهذه هي الإعاقة الحقيقية.

■ وللإعاقة مقومات منها :
أن تشعر بالعجز وأنت قادر بالإرادة على أن تتغلب على المشاكل والصعاب !
صديقي القارئ يا من تعاني من أزمة اغلبها بالإرادة التي تتحطم أمامها كل إعاقة تسلح بالابتسامة والبس نظارة عنوانها النظر إلى ما وراء الحدث وكن شجاعاً قوياً في اتخاذ القرار, وافتح الأبواب المغلقة وانظر إلى الأمام بروح متفائلة متأملة بالله خيراً لا تنظر إلى عبارات من يريد أن يحبط عزيمتك, ويقلل من قيمتك.
◄ أحمد بن خليفة الفهيد .