من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : عبدالله أحمد هادي.
إجمالي القراءات : ﴿13213﴾.
عدد المشــاركات : ﴿126﴾.

مسؤوليات المنظمة تجاه المجتمع : المسؤولية الأخلاقية.
■ تحدثت في مقالين (سابقين) إلى أن أكثر التصنيفات ــ شيوعاً ــ لمسؤوليات المنظمات تجاه المجتمع هي :
1 ـ المسؤولية الاجتماعية.
2 ـ المسؤولية القانونية.
3 ـ المسؤولية الأخلاقية.
4 ـ المسؤولية الذاتية.
والحديث في هذه المقالة عن المسؤولية الأخلاقية كإحدى مسؤوليات المنظمة تجاه المجتمع.

■ تعريف الأخلاق.
1. في اللغة :
(الخلق) السجيَّة. يقال : خالص المؤمن وخالق الفاجر، وفي الحديث : ليس شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق. والخُلُق، بضم اللام وسكونها : هو الدين والطبع والسجية، والجمع أخلاق (ابن منظور ـ لسان العرب ـ ج 5 ـ ص140).
قال في تاج العروس : (والخُلق) بالضم وبضمّتين : السجية, وهو ما خلق عليه من الطبع.
وقال ابن الأعرابي : الخُلق : المروءة, والخُلق : الدين. والجمع أخلاق.

2ـ في الاصطلاح :
قال مسكويه في تهذيب الأخلاق : الخُلق حال للنفس داعية إلى أفعالها من غير فكر ولا روية.
في اعتقادي يُمكن إيجاز مصطلح الأخلاق في كونه : ـ علماً إنسانياً ـ يهتم بالفضائل وأساليب اكتسابها. والرذائل وسبل اجتنابها.

■ هل الأخلاق قابلة للتغيير والتغير أم لا ؟
الإجابة على هذا السؤال يُمكن تلخيصها في ثلاثة آراء ـ ليس المجال لمناقشتها ـ :
1ـ الرأي الأول : إن الأخلاق البشرية قابلة للتغيير والتغير.
2ـ الرأي الثاني : إن أخلاق البشر لا يمكن لها التغير.
3ـ الرأي الثالث : التفصيل بين الأخلاق الفطرية والأخلاق غير الفطرية، فيمكن التغير في الثانية دون الأولى.

■ أثر العقيدة في توجيه الأخلاق.
إن العقيدة الصادقة تصنع الأعاجيب، فمتى استقرت في القلب ظهرت آثارها واضحة في المعاملة والسلوك (الإسلام عقيدة).
والمسلم إذا تمكنت العقيدة من نفسه تبرأ من المشركين وما هم عليه من عقائد وأفعال وسلوك، وإذ تخرّج على العقيدة الإسلامية نموذج فريد من الرعيل الأول، كانوا قمماً شامخة ؛ ارتفعوا فوق جواذب الجاهلية ومفاتن الدنيا وما فيها من مغريات.
وسارت الأجيال المسلمة تنهل من التربية الإسلامية التي غرسها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن الأخلاق الفاضلة التي لم تتغير من فرد إلى فرد، ولا من مجتمع إلى آخر بل هي قيم ثابتة تزداد ثباتاً كلما مرت الإنسانية في تجاربها خلال هذه الحياة. وهي أخلاق متكاملة تحتضن جميع الفضائل لصالح الفرد والمجتمع وفي جميع الميادين.

من المسلم به أن للعقيدة أثراً في توجيه الأخلاق ـ كما أسلفنا ـ بيد أن البعض قد يتسآل قائلاً : ما علاقة العقيدة الإسلامية بالأخلاق ؟
بل وقد يكون أكثر صراحة. فيقول : ألا يمكن أن يكون للناس أخلاق طيبة بلا عقيدة ؟!
نعم، قد يوجد أخلاق عالية مُثلى كانت عند عرب الجاهلية وعند المجتمعات غير المسلمة (حالياً) أحياناً ولكن هذا سببه أن النفس تحتجز رصيدها الخلْقي بحكم العادة والتقليد أمداً طويلاً، بعد أن تكون قد فقدت الإيمان كجزء من العقيدة ! وقد تحتجزه فترة على وعي منفصلاً عن العقيدة ! ومن الموضوعية : يُفترض هذا التساؤل ـ في ذاته ـ أن يقوّم مع أني أميل إلى أن النتيجة الحتمية واحدة في النهاية !
إنه ما دامت العقيدة قد انحرفت، فلا بد أن تنفصل الأخلاق مهما طال الأمد، وما دامت الأخلاق قد انفصلت عن العقيدة فلا بد أن تذبل، وإن هؤلاء ـ اعتقدوا ـ أن التصورات قد تنحرف ثم يستقيم السلوك وهذا غير منطقي، لأن هؤلاء قد ضُلّلوا عن حقيقة الرذيلة المدمرة التي يعيشون فيها.
إن غاية المسلم الأساسية ـ في أخلاقه ـ أن يحقق مرضاة ربه، ذلك أن هدفه الأول من كل أعماله هو ابتغاء وجه الله ـ جل وعلا ـ فقد أمره ـ سبحانه وتعالى ـ بذلك، وعده بالجزاء الأوفى على أعماله الخيرة يوم القيامة، قال تعالى : (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ • ومَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراً يَرَهُ) (الزلزلة : 7-8).
ومما لا ريب فيه أن المسلم يحقق سعادته في الدنيا؛ معتمداً على قوله ـ تعالى ـ : (وعَدَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَذِي ارْتَضَى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) (النور : 55).
فالنجاح ثمرة عملية لمن يتحلى بالأخلاق الفاضلة، والطمأنينة القلبية والشعور بخيرية الذات وخيرية المصير من ثمرات الانسجام بين (الإيمان والأخلاق) وذلك نتيجة طبيعية؛ لأن الإنسان عندما يتصرف بمقتضى عقيدته ـ فيؤدي الواجبات (الأخلاق) كما ينبغي أداؤها ويتجنب المحرمات (الرذائل) ـ يشعر بأنه إنسان خيِّر قوي الإرادة.
إن المتابع للوقائع، يعلم مدى ما يعاني غير المسلمين من الاضطراب النفسي والقلق والحيرة في أعماق قلوبهم، ذلك أن في طبيعة الحياة الإنسانية جانباً لا يُملأ إلا بالأخلاق، وكثيراً ما تدفعهم الرذيلة إلى محاولات الانتحار.
إن المتفحص للعلاقات الاجتماعية ـ في حياتنا المعاصرة ـ يجد أن الاضطراب في السلوك هو الظاهرة السائدة، وأن الابتعاد عن الاستقامة مما تعج به أكثر المجتمعات الحديثة، وهذا مؤشر قوي على ابتعاد الكثير عن حقيقة العقيدة الإسلامية.

■ سوء الخلق دليل على ضعف التمسك بالعقيدة الإسلامية.
ربطت العقيدة الإسلامية بين الإيمان والأخلاق ربطاً قوياً، ونلاحظ ذلك في نصوص عديدة مثبتة في الكتاب والسنة.
■ القرآن الكريم.
1ـ قال تعالى : (ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) (آل عمران : 164).
2ـ قال تعالى : (قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها) (الشمس : 9).
3ـ قال تعالى : (قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) (الأعلى : 14).

■ الحديث النبوي.
1ـ قال عليه الصلاة والسلام : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) صححه الألباني.
2ـ قال عليه الصلاة والسلام : (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) رواه أحمد.
3ـ قال عليه الصلاة والسلام : (أكثر ما يدخل الناس الجنة، تقوى اللّه وحسن الخلق) رواه الترمذي والحاكم.
4ـ قال عليه الصلاة والسلام : (إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً) رواه أحمد والترمذي وابن حبان.
5ـ سأل الرسولُ عليه الصلاة والسلام أصحابَه يوماً (أتدرون من المفلس ؟) قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال : (المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار) صحيح الإمام مسلم.
6ـ قال عليه الصلاة والسلام : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).
7ـ قال عليه الصلاة والسلام : (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً).
■ الخلاصة : إن قرن الإيمان بحسن الخلق من مبادئ الشريعة الإسلامية. وسوء الخلق دليل على ضعف التمسك بالعقيدة الإسلامية.

■ القيم الأخلاقية للمنظمات الإدارية.
إن معظم المهتمين بعلم وفن الإدارة ـ مهما كانت عقيدتهم ـ يدركون أن ممارسة (الأخلاق) هي مسؤولية أساسية للمديرين، حتى أن (Samuel) افترض في نظرية الأخلاق أنه يتوجب على المديرين أن يركزوا على أشياء أخرى إضافية غير التركيز على الأرباح مؤكداً الحاجة إلى اتخاذ قرارات إدارية ذات علاقة بالصيغ الأخلاقية والعادات السائدة داخل محيط المنظمة.
إن الأخلاق والتنافس لا يمكن فصلهما عن بعض، فيقول (Samuel) : نحن نتنافس كمجتمع ولا يوجد مجتمع في أي مكان يتنافس لمدة طويلة بنجاح مع الناس الذين يطعنون بعضهم البعض من الخلف.

■ الإدارة .. والأخلاق.
عند تطبيق مختلف وظائف الإدارة ـ وفي وظيفة الرقابة بالذات. يبرز الاهتمام بالإجراءات الإدارية التي تحقق مستوى عال من الإتقان. وفي إدارة الجودة الشاملة توجه العناية للمسؤولية الاجتماعية التي تجسدها علاقة الرئيس بالمرؤوس، وعلاقة البائع بالزبون، ومن المؤكد أننا سنضمن تحقيق مستويات جودة عالية حين تترسخ فكرة المسؤولية الأخلاقية.
فالمعرفة الأخلاقية تؤثر في السلوك الإنساني بطرائق عديدة، وترسخ لدى الفرد الوعي الأخلاقي بالإضافة إلى الولاء المنظمي، وهذا يجسد ترابط الإدارة والأخلاق، فكلاهما يعنيان باتخاذ القرارات الرشيدة، وإن كان هناك فرق نظري بينهما فيتمثل في أن الإدارة تختص بتأثير القرارات الإدارية في المنظمة، في حين أن الأخلاق تتناول تأثير القرارات الإدارية في كل الفعاليات، كما أن الإدارة تمارس في سياق المنظمة، أما الأخلاق فتمارس في المنظور العام، ما يجعل الإدارة جزءاً من الأخلاق.

■ مما سبق :
يُمكن تعيين المسؤولية الأخلاقية للمنظمة تجاه المجتمع في أن تكون أخلاق المنظمة متوافقة مع السلوك العام للمجتمع، ومن شواهد ذلك :
أ- التزام المنظمة بأخلاق المجتمع.
ب- التزام المنظمة بأخلاق المهنة.
ت- التزام المنظمة بتدريب وتطوير الأفراد العاملين في حقل العلاقات الإنسانية.
ث- التزام المنظمة بعدم التجاوز على حقوق المجتمع والأفراد لصالح التنظيم.
ج- التزام المنظمة بالحفاظ على حقوق الأطراف المتعاملة مع التنظيم.
ح- التزام المنظمة بعدم استغلال الأفراد العاملين في النزاعات التنظيمية المختلفة.
مسؤوليات المنظمة تجاه المجتمع : المسؤولية الاجتماعية.
مسؤوليات المنظمة تجاه المجتمع : المسؤولية القانونية.
مسؤوليات المنظمة تجاه المجتمع : المسؤولية الأخلاقية.
مسؤوليات المنظمة تجاه المجتمع : المسؤولية الذاتية.