
طارق يسن الطاهر
عدد المشاركات : ﴿76﴾
التسلسل الزمني : 1443/08/01 (06:01 صباحاً)
عدد القراءات : ﴿5751﴾
ما بين "لم أك" و "لم أكن".
◄ في سورة مريم وردت آيتان، الأولى على لسان مريم؛ إذ ورد قوله تعالى : "ولم أك بغيا".
والثانية على لسان زكريا ورد : "ولم أكن بدعائك رب شقيا".
لماذا حذفت النون في الآية الأولى ولم تحذف في الثانية؟
■ أولا ــ لابد من ذكر شروط حذف نون "كان":
1- أن تكون بلفظ المضارع.
2- أن يكون المضارع مجزوماً.
3- أن يأتي بعد النون حرف متحرك.
4- لا يقع بعد النون ضمير متصل.
ثم نعود لحصر أقوال بعض العلماء في الإجابة عن السؤال عن آيتي سورة مريم وبقية الآيات المتشابهة :
● الدكتور عبدالغني عبدالجليل :
(وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)، إذ يصح في غير القرآن: ولا تكن في ضيق مما يمكرون، وقد قرئ بها، كما أشار إلى ذلك الزمخشري ــ غفر الله له ــ ولكن لما كان المقام مقام ضيق ألمّ بالنبي صلى الله عليه وسلم من جراء هزيمة أحد وتمثيل المشركين بجثث المسلمين، وخاصة جثة عمه، حمزة ــ رضي الله عنه ــ ناسب أن يخاطبه الله ــ عز وجل ــ بأقل قدر ممكن من الكلمات، لأنه لا يحسن الإثقال على الشخص المكروب بالكلام، فحذف من الكلام ما يصح المعنى بدونه، والكلام يصح بحذف نون "تكن"، كما هو الحال في التخفيف عن مريم عليها السلام في آية: (ولم أك بغيا).
إن هذا الاقتطاع للدلالة على أن السيدة مريم لم تكن بأدنى درجة من البغي فكيف بأعلاه؛ لذا اقتطع الحرف هنا من (أكن) فصارت (أكُ) فهو دليل لعفتها وطهارتها.
زكريا عليه السلام كان يدعو ربه، والدعاء يناسبه أن يطول الكلام، فهو من باب: "هي عصاي ...".
ومريم كان خطابها مع الملك، وهي عذراء، فكان الإيجاز مناسبا لحيائها وخفرها.
● الدكتور فاضل السامرائي:
ورد مثالان في القرآن الكريم الأول في سورة النحل (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {126} وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {127})، والثاني في سورة النمل (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ {69} وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {70}).
آية سورة النحل نزلت على الرسول بعدما مثّل المشركون بحمزة عمّ الرسول في غزوة أحد؛ فحزن الرسول عليه حزناً شديداً، وقال: لأمثّلن بسبعين رجلاً من المشركين، فنزلت الآية تطلب من الرسول أن يعاقب بمثل ما عوقب به، وأراد أن يُذهِب الحزن من قلبه، ولا يبقى فيه من الحزن شيء.
وقوله تعالى (ولا تك في ضيق) بمعنى احذف الضيق من نفسك، ولا تُبقِي شيئاً منه أبدا، أي أن المطلوب ليس فقط عدم الحزن، لكن مسح ونفي أي شيء من الحزن يمكن أن يكون في قلب الرسول، فحذفت النون من الفعل.
أما في آية سورة النمل، فالآيات في دعوة الناس للسير في الأرض والتفكّر، والمقام ليس مقام تصبير هنا؛ فجاء الفعل مكتملاً (ولا تكن في ضيق).
ومن الأمثلة الأخرى على حذف أو عدم حذف النون في فعل (تكن)، قوله تعالى في سورة القيامة: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى {37}) حذفت النون هنا؛ لأن النطفة هي من الذكر، وهي غير مكتملة بعد، وغير مخصّبة، وهي لا تكتمل إلا بعد لقاح البويضة.
إذن حال النطفة الآن غير مكتمل؛ فحذف ما يدل على أن الفعل أصلاً ليس مكتملاً فلزم الاقتطاع؛ لأنها غير كاملة والحدث غير كامل.
وكذلك قوله تعالى: (وإن تك حسنة يضاعفها)، وقوله في سورة مريم: (ولم أك بغيّا).
حذف النون؛ لأنه ليس في مريم أدنى شيء من البغي، وليس هناك جزء من الحدث مطلقاً أصلاً.
أما في قوله تعالى: (ولم أكن بدعائك رب شقيا) هذا سياق عام يحكمه المقام.
وفي قوله تعالى: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)، وقوله: (ألم تكن آياتي تتلى عليكم)، لم تحذف النون من الفعل هنا؛ لأن الآيات مكتملة والأرض مكتملة؛ فجاء بالفعل تامّاً؛ لأن المعنى تامّ ولا يحتاج إلى حذف.
وفي قوله تعالى في سورة لقمان: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ {16}) الأولى حذفت منها النون؛ لأنه لم يذكر مكان الحبة، أما الثانية فذكر فيها النون؛ لأنه ذكر المكان وحدده إما الصخرة أو السموات أو الأرض وهي كلها مكتملة.
|| طارق يسن الطاهر : عضو منهل الثقافة التربوية.
◄ في سورة مريم وردت آيتان، الأولى على لسان مريم؛ إذ ورد قوله تعالى : "ولم أك بغيا".
والثانية على لسان زكريا ورد : "ولم أكن بدعائك رب شقيا".
لماذا حذفت النون في الآية الأولى ولم تحذف في الثانية؟
■ أولا ــ لابد من ذكر شروط حذف نون "كان":
1- أن تكون بلفظ المضارع.
2- أن يكون المضارع مجزوماً.
3- أن يأتي بعد النون حرف متحرك.
4- لا يقع بعد النون ضمير متصل.
ثم نعود لحصر أقوال بعض العلماء في الإجابة عن السؤال عن آيتي سورة مريم وبقية الآيات المتشابهة :
● الدكتور عبدالغني عبدالجليل :
(وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)، إذ يصح في غير القرآن: ولا تكن في ضيق مما يمكرون، وقد قرئ بها، كما أشار إلى ذلك الزمخشري ــ غفر الله له ــ ولكن لما كان المقام مقام ضيق ألمّ بالنبي صلى الله عليه وسلم من جراء هزيمة أحد وتمثيل المشركين بجثث المسلمين، وخاصة جثة عمه، حمزة ــ رضي الله عنه ــ ناسب أن يخاطبه الله ــ عز وجل ــ بأقل قدر ممكن من الكلمات، لأنه لا يحسن الإثقال على الشخص المكروب بالكلام، فحذف من الكلام ما يصح المعنى بدونه، والكلام يصح بحذف نون "تكن"، كما هو الحال في التخفيف عن مريم عليها السلام في آية: (ولم أك بغيا).
إن هذا الاقتطاع للدلالة على أن السيدة مريم لم تكن بأدنى درجة من البغي فكيف بأعلاه؛ لذا اقتطع الحرف هنا من (أكن) فصارت (أكُ) فهو دليل لعفتها وطهارتها.
زكريا عليه السلام كان يدعو ربه، والدعاء يناسبه أن يطول الكلام، فهو من باب: "هي عصاي ...".
ومريم كان خطابها مع الملك، وهي عذراء، فكان الإيجاز مناسبا لحيائها وخفرها.
● الدكتور فاضل السامرائي:
ورد مثالان في القرآن الكريم الأول في سورة النحل (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {126} وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {127})، والثاني في سورة النمل (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ {69} وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {70}).
آية سورة النحل نزلت على الرسول بعدما مثّل المشركون بحمزة عمّ الرسول في غزوة أحد؛ فحزن الرسول عليه حزناً شديداً، وقال: لأمثّلن بسبعين رجلاً من المشركين، فنزلت الآية تطلب من الرسول أن يعاقب بمثل ما عوقب به، وأراد أن يُذهِب الحزن من قلبه، ولا يبقى فيه من الحزن شيء.
وقوله تعالى (ولا تك في ضيق) بمعنى احذف الضيق من نفسك، ولا تُبقِي شيئاً منه أبدا، أي أن المطلوب ليس فقط عدم الحزن، لكن مسح ونفي أي شيء من الحزن يمكن أن يكون في قلب الرسول، فحذفت النون من الفعل.
أما في آية سورة النمل، فالآيات في دعوة الناس للسير في الأرض والتفكّر، والمقام ليس مقام تصبير هنا؛ فجاء الفعل مكتملاً (ولا تكن في ضيق).
ومن الأمثلة الأخرى على حذف أو عدم حذف النون في فعل (تكن)، قوله تعالى في سورة القيامة: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى {37}) حذفت النون هنا؛ لأن النطفة هي من الذكر، وهي غير مكتملة بعد، وغير مخصّبة، وهي لا تكتمل إلا بعد لقاح البويضة.
إذن حال النطفة الآن غير مكتمل؛ فحذف ما يدل على أن الفعل أصلاً ليس مكتملاً فلزم الاقتطاع؛ لأنها غير كاملة والحدث غير كامل.
وكذلك قوله تعالى: (وإن تك حسنة يضاعفها)، وقوله في سورة مريم: (ولم أك بغيّا).
حذف النون؛ لأنه ليس في مريم أدنى شيء من البغي، وليس هناك جزء من الحدث مطلقاً أصلاً.
أما في قوله تعالى: (ولم أكن بدعائك رب شقيا) هذا سياق عام يحكمه المقام.
وفي قوله تعالى: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)، وقوله: (ألم تكن آياتي تتلى عليكم)، لم تحذف النون من الفعل هنا؛ لأن الآيات مكتملة والأرض مكتملة؛ فجاء بالفعل تامّاً؛ لأن المعنى تامّ ولا يحتاج إلى حذف.
وفي قوله تعالى في سورة لقمان: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ {16}) الأولى حذفت منها النون؛ لأنه لم يذكر مكان الحبة، أما الثانية فذكر فيها النون؛ لأنه ذكر المكان وحدده إما الصخرة أو السموات أو الأرض وهي كلها مكتملة.
|| طارق يسن الطاهر : عضو منهل الثقافة التربوية.