من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

فوائد لغوية ﴿22071﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. محمد الصفى بن عبدالقادر.
إجمالي القراءات : ﴿5319﴾.
عدد المشــاركات : ﴿65﴾.

ديوان "ضفاف الأمل" للشاعرة سعاد الزاكي (قراءة فنية).
■ بلغة ناصعة خالية من كل العقد البلاغية التقليدية وبدون غموض، عبرت الشاعرة سعاد الزاكي عن مهموساتها الشعرية من خلال ديوانها "ضفاف الأمل" بأسلوب تصريحي سلس ممزوج بالعبارات العاطفية والصور الإنسانية المصطفات من سنوات الغربة والحنين لكل ما يعكس الهوية الحقيقية لأي كائن وجذوره التاريخية.
إن ديوان "ضفاف الأمل" عمل شعري جمع بين أناقة الحرف وصراحة البوح مشكلا مقاربة أسلوبية ذات أبعاد استطاعت من خلاله الشاعرة سعاد الزاكي تكسير البنية المفهومية للقصيدة التي تمنحها الصورة الشعرية وجعل المجاز يغلب على الخيال داخل كل نص مما أكسبها قوة وحياة ووعيا جماليا وظفت فيه تجربة ممتدة في الذاكرة والتاريخ الفردي، وهي بهذا الأسلوب تحيلنا إلى زخم من الأحاسيس لنقف أمام شاعرة تنشر حروف الإبداع والجمال لتعيد رسم صورة شامخة للحب والسلام والإخاء ومفتاحا لقهر المعاناة والظلم والاضطهاد، تقول:
أتقدم بكلماتي وسط الغيام
اغسل العار
أدفن الآلام
تعلو ابتساماتي
تحوم فوق الفبور
أحتاج إلى بريق
إلى صوت عصفور طليق
إنها تحيلنا على عالم كله تسامح وصفاء ومحبة محاولة استلابنا للغوص رفقتها وهي التي قضت زهرة حياتها خارج أرض الوطن، حيث استطاعت أن تمزج بين ثقافات وعادات ضاربة في التاريخ محاولة استجماعها وتسخيرها في قالب شعري رقيق، يطغى عليه طابع الأمل والتشبث بالحياة محاولة رتق الجراح في الثوب الشهي، مستلذة بجرائم الحب، كون الحياة بدون أمل ما هي إلا محك للذات الإنسانية التي تستقي كينونتها منه وتحاول قدر ألإمكان ترميم هذا العوز الوجودي، وهو ما باشرته شاعرتنا سعاد الزاكي بكتاباتها الابداعية والتي أثبتت به ديوانها "ضفاف الأمل" انطلاقا من "الإهداء" تقول :
لا تعتقد أن نهاية الأشياء هي نهاية العالم
فليس الكون هو ما تراه عيناك ..
لا تنتظر حبيبا باعك
انتظر ضوءا جديدا قادما يمكن أن يتسلل إلى قلبك الحزين

رسائل إهداءها هذه تحيلنا إلى ذات الشاعرة بكل ما تختزله من رقة وحس جمالي وروح متفائلة ليس بها آلام أو أوجاع، إهداء يمكن اعتبار رمزيته في من تصله كلماتها دون تحديد لهذا أو ذاك لتبحر عبر قوارب ديوانها راسية على ضفاف الأمل كأول نص به حيث نشعر بتدفق عاطفي تم تشكيله وفق بنية تعبيرية انزاحت نحو الخلق والإبداع أبرزت ذاتها وكينونتها رغم ما يعتريها من إحساس اتجاه هذا العالم الذي صورته باحتراق أعشاب ربانا ونوم الثرى متعلقة بذاك الأمل الذي لا يفارقها والمجسد في قصر الليل و اقتراب ألوان الفجر.
عجبت لأبوابنا
كسرت
نوافذها دون زجاج
والغبار يعزف ألحانا
على شاشات زمننا

ليبقى ديوان "ضفاف الأمل" دلالة قوية على الحضور الأنثوي وتجسيد لما تعيشه هذه الذات لحظة التجلي والارتجاج الباطني، وهو ما تم استنباطه في بعض نصوص هذا الديوان كـ "من أنا" والذي حاولت الشاعرة أن تصور لنا ذاك الإنسان التائه بين متاهات الحياة ودوالبها، متجرعا مرارة نكران ذاته له وتعنتها لدرجة النشاز وعشق الموت للتخلص من هذا الألم مع البحث عن الصبابة والعشق الداخلي في ذاته والذي قد يمكنه من الصمود والانعتاق من أجل البقاء.
في وحمة الأمكنة
أقدامي تأبى المسير
ما قيمة لوعتي
من أغنية العشق
• • •
جسدي يحمل آلامي
يمشي ...
طريق الصبر طويل

وبقراءة لما قدمته الشاعرة سعاد الزاكي من خلال نصوصها "طيف – مناجاة – بكاء – مقام – دنيا العشق" فقد نحثث بدفق سحر روحها وشاعريتها المتوقدة خلف جدران قلبها بكل شموخ وافتخار كل اللحظات الجميلة في الإنسان باصمة إيقاعات من البوح الشفاف والصادق مقتنصة وهج اللحظة.
• تقول في "طيف" :
وجدت في صوركم
حقيقتي
سقيت ورود مروركم
بأريج عشقي
بحجم البحر عمقا

• فيما تقول في "بكاء" :
أرتب أوراقي
أحقق الأماني
لمن بعدي
لينعم العالم بإنسانيتي

• وفي نص "عشق" يتواصل مسعى الأمل رغم ظلمة الدروب وغيابات الغربة تقول :
على ضفاف الأمل
سأظل صامدة
خلف ابتسامة غامضة
سأبني جسر الأمل
على شاطئ الانتظار

استخدام بارع لظاهرة الحرف لإبراز الصدى لتأكيد المعنى بصيغة المتكلم في وحدة متراصة تجعل نصوص الديوان روحا واحدة تغازل لذة الحياة تارة وتتمرد على كل ألوان الظلم والاضطهاد تارة أخرى وفق سمفونية الهيام والاستجداء بالزمن الجميل وعطر الأنفاس في استحضار كلي للموطن الأصلي، حيث تقول في "مواطنة مهاجرة" :
هجرت أرض أجدادي
أحمل حفنة تراب
ساقني
لرغيف أبيض وصحن صيني
• • •
لن أدون اسمي بين "مارك"
و "جيني"
شباب الغرب
شعاري
الله الوطن الملك

بقي لي أن أقول أن الكتابة عن شاعرة من هذا الحجم وبهذه القدرات والتقنيات الفنية وبهذه الأحاسيس لم يأت عن اعتباطية ولكن وفق ما خلفته من بصمات في ساحة الأدب والإبداع الشعري، من خلال قصائد استطاعت أن تبرز ما تعانيه الحياة من مشكلات متفاوتة ومتباينة من الخطورة على الصعيدين المحلي والعالمي، يمكن اعتبارها كناقوس يشير برهافة شديدة إلى مناطق هذا الخطر، ووجوب التصدي، ودرأ كل ما يتهدد العالم من آلام وأخطار ونزعات غير إنسانية.
ليبقى أن هذا الديوان حفنة مشاعر شاعرة متنوع ومتألق استطاع صياغة الصور الفنية، من عشق للحياة وثورة لجعل العالم يسبح في بحيرة من الحب والجمال.