من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. حامد مصطفى المكاوي.
إجمالي القراءات : ﴿4613﴾.
عدد المشــاركات : ﴿23﴾.

الطلاق والتجديد الفقهي ــ قراءة موضوعية (1).
■ حل مشكلة الطلاق غالبا، يكمن في إزالة الشعور عند الزوجين بأن حياتهم التي يعيشونها صارت حياة بالحرام لأنه في يوم ما غضب الزوج وطلق زوجته، أو لم يغضب، وطلق زوجته، وذلك حاصل لا محالة لطبيعة البشر، المخلوقة من العجل والضعف قال الله - عز وجل - : (وكان الإنسان عجولا) -الإسراء 11- وقال : (خلق الإنسان من عجل) -الأنبياء 37- وقال : (فلا تستعجلون) -الأنبياء 37- وقال : (ولا تستعجل لهم) -الأحقاف 35- وقال : (فلا تعجل عليهم) -مريم 84- وقال : (ولا تعجل بالقرآن) وقال : (قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم) -الأنعام 58- وقال : (لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) -النمل 46- وقال : (وعجلت إليك رب لترضى قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري) -طه 84- وقال : (وخلق الإنسان ضعيفا) -النساء 28- ولذلك يميل إلى الخطأ ويكثر منه "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم" والله يقول : (الطلاق مرتان) -البقرة 229- لاحظ أن الطلاق كلمة مكونة من ستة حروف (ا ط ط ل ا ق) مع احتساب المنطوق، وستة مع احتساب المكرر حرفا واحدا، و (م ر ر ت ا ن) ستة حروف، وثلاثة أشهر قبل نية الطلاق، وثلاثة بعدها يساوي ستة أشهر، أقصى ما يمكن من مهلة لرأب الصدع وتدارك سفينة الأسرة من الغرق، وقد خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام، ويبدأ الزواج بكلمة : "زوجتك" وهي ستة حروف (ز و و - ج ت ك) (ف ا م - س ا ك) (ب م ع - ر و ف) (ب ا ح – س ا ن) وعند كلمة (تسريح) تبلغ الكلمات ستة مقاطع، حيث يقول الله - عز وجل - : (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح) وبعدم احتساب حرف التخيير أو كلمة تكون الكلمات ست كلمات.
والحديث الصحيح الذي لا يحتاج لمزايدة من أحد عليه يفيد أن ابن عمر - رضي الله عنه - طلق زوجه، وهي حائض، فنظر إليه الرسول الكريم - صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وصحبه - مغضبا، وقال : دعها حتى تحيض، ثم تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شئت فطلق، فلو كانت طلقة، وتقع أثناء الحيض، لقال له : قد طلقت، ولو كانت تقع بعد نيته التطليق، وعمله به بعد مرور تلك الحيضة، ثم الطهر، لقال له : انتظر حتى تطهر، أو هي الآن في طهر، فطلقها، ولكنه قال : انتظر حتى تحيض ثم تطهر ثم تحيض ثم تطهر، وهذا يعني ثلاثة شهور، من وقت نية التطليق، ومن يقوم مقام الرسول - صلى الله عليه وسلم - الآن في موضوع الطلاق، هو المأذون، فيخبر من ينوي الطلاق المأذون ثم يأتي له بعد ثلاثة أشهر، فإن شاء طلق شفهيا أو كتابيا، مع وجود شاهدي عدل، فيعطي الإسلام فرصة ثلاثة أشهر ليفكر ويتروى ويصدر الطلاق عن عزم ونية وإرادة، قال الله - عز وجل - : (فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) -الطلاق 1- فالحل عند الرسول - صلى الله عليه وسلم - هنا من باب الوقاية خير من العلاج، لقد كان عنده السعة، وعند الناس الضيق، حيث يجعلون العدة للمرأة فحسب بعد الطلاق، وليس هذا من العدل، والله - عز وجل - يقول : (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) -البقرة 228- فكما تنتظر المرأة المعتدة ثلاثة شهور، ينتظر الرجل ثلاثة شهور، وترك الظاهر، إنما يصح إذا أشكل مفهومه، فيلجأ إلى التأويل بدليل، ولا إشكال في الحديث، والطلاق لم يقسمه الرسول الكريم - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - إلى سنة وبدعة، وإنما ذلك محاولة لفهم النص عن طريق تأويله، ولما يأتهم تأويله لا في حديث آخر ولا آية أخرى، وإنما مجرد تقسيمات لا يدل عليها نص الحديث، ومستندهم باطل، وهو رواية منكرة عند الدار قطني، وقد ورد الحديث الصحيح مرة بعبارة : "أن النبي أمره" ومرة بعبارة : "مره" والأمر للوجوب.
ليس وجوب الإيقاع للطلاق في الطهر الأول، بل انتظار ثلاثة أشهر ثم الطلاق بعدها في طهر لا جماع فيه.
وليس الوجوب هنا وجوب انتظار لموافقة السنة، بل وجوب انتظار ليصح وقوع الطلاق، فصارت الثلاثة أشهر من شروط صحة وقوع الطلاق، بعد العزم عليه، وفي القرآن [لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ] -البقرة- أي يحلفون ألا يجامعوا نساءهم، مدة أربعة أشهر، فعليهم كفارة يمين إن فاءوا، ورجعوا عن العزم على اعتزال نسائهم، أو عزموا على الرجوع إلى جماع زوجاتهم، وإذ قلت : الأمر للوجوب، فإن الأمر بالشيء، نهي عن ضده، يقول الناظم :
وأمرنا بالشيء نهي مانع • • • من ضده والعكس أيضا واقع
والنهي هو :
تعريفه استدعاء ترك قد وجب • • • بالقول ممن كان دون من طلب
ففاعل المنهي عنه آثم، والسنة هي : ما يثاب المرء على فعلها، ولا يعاقب على تركها، فمسألتنا هذه ليست من باب السنة والبدعة، بل من باب الأمر، وما قابله من النهي.
فالطلاق باب مهم، والناظم يقول :
والأمر بالفعل المهم المنحتم • • • أمر به وبالذي به يتم
فالأمر بالتطليق بقوله : "ثم إن شئت فطلق" أمر به، وبما يتم به، من مضي ثلاثة أشهر، والنهي هنا يفيد التحريم، ويترتب عليه عدم وقوع الطلاق، إلا على تلك الطريقة المحددة الوصف والزمن في الحديث الصحيح.

■ عود على بداء أقول :
ولما كانت تلك التقسيمات للطلاق، إلى سنة وبدعة بعيدة عن الحديث وظاهره، صح وصفها بالبدعة، لا سيما وقد انهارت بسببها الأسر، وضاعت الجهود والأموال، وتسرب القلق والخوف والتعاسة إلى البيوت، وكثرت الدموع والآهات والقلاقل، وضعف الإيمان، ودخل الارتياب، وغرقت سفن كثيرة، وعزف الشباب والفتيات عن الزواج، وغلت المهور، وتضاعفت الآلام، ولقد أكد تقرير حديث لمركز معلومات مجلس الوزراء أن مصر تحتل المرتبة الأولى عالمياً في نسب الطلاق، التي تصاعدت من 7% إلى 40% في الخمسين عاماً الأخيرة، ووصل عدد المطلقات خلال تلك الفترة إلى أكثر من 3 ملايين، وتقع 240 حالة طلاق يومياً، بمعدل 10 حالات كل ساعة - أي : حالة طلاق كل 6 دقائق، وقل مثل ذلك في سائر الدول العربية.
حقا لقد عرف الخوف والرهب طريقه قسرا إلى الأسر، لماذا ؟ لأننا لم نعمل بالحديث الشريف المرفوع إلى سيد الخلق والأنام سيدنا محمد - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - والذي أقر نظام الوقاية خير من العلاج، حيث وضع الإٍسلام الوقاية بعدم إيقاع الطلاق إلا بعد ثلاثة أشهر من نية التطليق، ووضع العلاج بثلاثة أشهر أخرى من وقوع الطلاق تعتد فيها المرأة وتنتظر، فربما قام الرجل بإرجاعها إلى ذمته، ولو بكلمة هزل، قبل أن تمر تلك الثلاثة أشهر، وتصبح الطلقة بائنة، وفي الحديث : "لا طلاق إلا لعدة" والله - عز وجل - يقول : (فطلقوهن لعدتهن) –الطلاق 1-. والله أعلم.
image الطلاق في الشريعة الإسلامية : قراءة موضوعية.