من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

سجن النفس ﴿3219﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. حامد مصطفى المكاوي.
إجمالي القراءات : ﴿5649﴾.
عدد المشــاركات : ﴿23﴾.

الفتوى الشرعية في التسعيرة الجبرية.
■ يقول النبي - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - : "لا تسعروا، فإن الله هو المسعر" والمعنى أن الله يوفق المؤمنين، لتسعير مناسب لقدرات الشارين، ولكننا في زمان قل فيه العدول، وكثر الطمع والغلول، وظهر المنافقون والفاسقون، فقوم يفسدون، وقوم يودوا من المسلمين لو يرتدون، ولم يعد المكسب يقل، لحد خوف حدوث ظلم للبائع، فقد كان المعتاد قديما في المكسب ما بين 10% إلى 50 في المائة، أو نصف ثمن المبيع، ولكن العهد المعاصر والحديث، صار المكسب المعتاد فيه يصل إلى 100% بل ويزيد ربما إلى 400% كما كثر الناس، وصار المكسب اليسير كبيرا مع كثرة البيع، والضرورات تبيح المحظورات.
وقد أظهر البرلمان المصري تأييدا واسعا، لفرض تسعيرة جبرية، في كافة الربوع والأمصار، بعدما تلاعب التجار بالأسعار، وضج العباد من الكساد، ومثل الفارق الكبير، في التسعير، ما يشبه السرقة لجهود الغير.
وورد في كتاب الدر المختار (ولا يسعر حاكم) لقوله -عليه الصلاة والسلام- : "لا تسعروا، فإن الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرازق [وفي رواية : "إن الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرازق، إني لأرجو أن ألقى الله، وليس أحد يطلبني بمظلمة في دم، ولا مال، قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح] (إلا إذا تعدى الأرباب عن القيمة، تعديا فاحشا، فيسعر بمشورة أهل الرأي) وقال مالك : على الوالي التسعير، عام الغلاء ".
وقال ابن نجيم، الحنفي، في كتابه تبيين الحقائق، شرح كنز الدقائق : "ولا يسعر إلا إذا أبوا أن يبيعوه إلا بغبن فاحش، ضعف القيمة، وعجز عن صيانة حقوقهم إلا به، فلا بأس به بمشورة أهل الرأي على ما بينا، وإن امتنع من البيع بالكلية".
وفي شرح الوجيز للمالكية، وبأسنى المطالب : إن كان في وقت الرخص، فلا، وان كان في وقت الغلاء فوجهان (أحدهما) وبه قال مالك، يجوز رفقا بالضعفاء. وإذا سعر الإمام عليه، فخال ، استحق التعزير مُخَالِفُهُ) الَّذِي بَاعَ بِأَزْيَدَ مِمَّا سَعَّرَ، لِمَا فِيهِ مِنْ مُجَاهَرَةِ الْإِمَامِ بِالْمُخَالَفَةِ".
وفي حاشية البُجَيْرٍمِي على المنهج : لِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَزِّرَ مَنْ خَالَفَ، إذَا بَلَغَهُ، لِشَقِّ الْعَصَا أَيْ : اخْتِلَالِ النِّظَامِ، فَهُوَ مِنْ التَّعْزِيرِ عَلَى الْجَائِزِ.
والحنابلة حرموا التسعير، بحديث أنس قال : غلا السعر، على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا : يا رسول الله، قد غلا السعر، فسعر لنا، فقال : إن الله هو المسعر. وقالوا يحرم التسعير على الحاكم، لأنه يتسبب في الغلاء، حيث يمتنع التجار الكبار، من القدوم على بلد، فيه تسعير، فلم يكن لديهم برلمان يقرر تعميم التسعير، حتى لا تضار محافظة من المحافظات، بغلاء الأسعار، ولم تكن هناك فواتير، ولا مراجعين، ولا مراقبين، كما يتم اليوم،

■ تحرير الرأي الراجح :
على ضوء ما سبق بيانه، أرى أن الراجح، جواز أن يسعر الحاكم المبيعات، بما يناسب المجهودات وأن يعاقب المخالف ويدع، ويحدد ما يدفع، ويراقب ما اندفع، في كل بلد قل فيه العدل والورع، وفشى فيه الطمع والشجع، وغلا فيه السعر ورفع، حتى ظهر على الناس الفزع، والمرض والوجع، والضيق والجزع، وفي المثل : من لزم الطمع، عدم الورع، ومن يكن الطمع شعاره، يكن الشجع دثاره، ولا يؤتى القوم إلا من الطمع، وإذا انقطع السبب، انقطع الطمع، كما يجوز التسعير، في كل عام غلت فيه الأسعار، وتلاعب بها التجار، فلا ضرر ولا ضرار، والله -عز وجل- يقول : (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فإذا ظهرا على أغلب الناس عدم الرضا عن الأسعار، فقد فقد البيع والشراء شرط التراضي، وصار المشتري كالمغصوب على الشراء عاجلا أو آجلا، وبالتالي أصبح بيعا وشراء باطلا، ومن ثم وجب على الحاكم فرض التسعير، ليحصل نوع من التراض اليسير، ولا ريب أن رفع الأسعار من تاجر الجملة محتمل، فيبقى البائع في محله عاطلا، لا يجد من يشتري بضاعته عاجلا أو آجلا، فتكسد البضاعة، وتوقف الصناعة، ويشرف الناس على مجاعة، في الوقت الذي امتلأت جيوب تاجر الجملة بالمهالب، والأموال والمكاسب، وفي الوقت نفسه الذي يبدو الحاكم ذو البراعة، وربُّه ذو إمْرَةٍ مُطاعَةٍ، وهيبَةٍ مُشاعَةٍ، ورعيّةٍ مِطواعةٍ، مغلول الأيادي، تحتوشه الأعادي، مذموما بكل ناد ووادي، وحضر وبوادي، بألسنة حداد، ونظرات عناد، فكان ولا بد من قرارات شداد، تقضي على الكساد، ومظاهر الفساد، من خلال فرض تسعيرة بكل البلاد، تريح العباد، من الهم والأنكاد، وتأمل كيف قال الله بعد إباحة التجارة عن تراض : (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) فكم من عائل ضاقت به النفقة على الصغار، وعائلة أظلم عليها النهار، بسبب غلاء الأسعار، فقررا الانتحار، لذا جاز فرض تسعيرة على التجار، فإن كانت البلاد على مذهب الحنابلة، جاز التسعير للمبيعات، من باب الضرورات تبيح المحظورات. والله تعالى أعلى وأعلم.