من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عمر حسين الجفري.
إجمالي القراءات : ﴿5298﴾.
عدد المشــاركات : ﴿23﴾.

الحصص الحصص : أيها المعلمون.
■ إن الحصة الدراسية هي أساس عمل المعلم والمحك الرئيس لنجاحه والمقياس الأهم لدوره وإنجازاته وإبداعاته وهي الفترة الزمنيّة التي تجرى من خلالها الأنشطة والبرامج المدرسيّة والمشاريع التعليميّة والوقت التي تنفّذ بها الدروس اليوميّة داخل الفصل الدراسي.
ومن خلال هذا المقال فإنّنا نطرح بعضاً من التساؤلات حيال ذلك : ما واقع الحصص الدراسيّة في مدارسنا من حيث الالتزام والانضباط ؟ وما مدى قبول المعلِّمين وقناعتهم بها ؟ وما مستوى حماسهم وتفاعلهم في أداءها ؟ وما مدى مناسبة المدّة الزمنيّة المقرّرة لإنجاز المناهج الدراسيّة طبقاً للتخصّص أو المجال ؟ وما أسباب عدم الالتزام بأدائها أو ضعف الدافعيّة نحوها ؟ ولعلّنا نتناول أطراف الحديث عن الوضع القائم للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها ونعرِّج في سياقنا على بعض الوقفات التي نلمسها في الميدان التربوي في محاولة لوضع النّقاط على الحروف وكشف حقيقة ما يجري على أرض الواقع.

إنّ المتتبّع لحال مدارسنا اليوم يرى عجباً ويدرك أنّ هناك أزمة حقيقيّة تستوجب النظر حول تداعياتها وبحث أسبابها ومسبِّباتها فعندما نحطّ رحالنا صوب المحطّة التعليميّة ونيمِّم وجوهنا شطر الفصل الدراسي الذي هو قلعة العلم والمعرفة والمنارة التي يشعّ منها نور الهدى فإنّنا نقف صامتين وتتملّكنا الحيرة ممزوجة بخيوط التعجُّب على تلك الحصص التي تضيع دون جدوى والأوقات التي تهدر دون فائدة من زمن الطالب الذي يعدّ تعديّاً صارخاً على حقاً من حقوقه وواجباً ملزماً على من استرعاهم الله على تربية وتعليم أبناء الأمة.

إنّ من أكبر المشاكل التي تواجه مديري المدارس هو تأخّر المعلِّمين عن دخول الحصص من بدايتها لفترة ربّما تصل إلى عشر دقائق بداعٍ أو بدون داعٍ وقد اعتادوا ذلك وأصبح ديدنهم وتظهر تلك المعضلة في الحصص الأُوَل في الدوام الدراسي، وقد يغادرون فصولهم قبل انتهاءها بخمس دقائق أو أكثر ومنهم من يعطي من جهده أقلّ من ربع الحصّة أو أكثر قليلاً وقد لا يكتسب الطالب الخبرات التعليميّة المطلوبة في الحصّة ولا يتحقّق الهدف المرجوّ منها وفق خطّة الوزارة ،ومنهم من يترك جزءاً من حصّته مكلِّفاً أحد الطلاب ( عريف الفصل ) بتولّي زمام قيادتها لتسيير وقتها وآخرين منهم تعوّد على الاستئذان وكثرة الخروج من المدرسة والانشغال بأعمالٍ أخرى أو الغياب المتكرِّر ،والبعض منهم يؤدِّي حصّته متثاقلاً متكاسلاً يكتنفه الملل والبرود وعدم الرغبة والجديّة والحماس في أدائه ممّا يعود أثره على الطلبة بالإحباط ويضعف من دافعيّتهم ،وأمّا إذا لم يعدّ درسه إعداداً جيداً ولم يراع زمن الحصّة كاملاً ويملأ وقتها بأساليب وأنشطة ذات فعاليّة ومُخطّط لها مسبقاً الأمر الذي يفقد المادة الدراسيّة متعتها وقيمتها لدى الطالب ويقلِّل من أهمّيتها العلميّة ويفوِّت عليه كثيراً من مفاهيمها ومعانيها ومضامينها الإثرائيّة، ومنهم من يرى أنّ درسه يمكن إنجازه في أقل من زمن الحصّة المحدّدة بخمسٍ وأربعين (45) دقيقة وهذا ممّا يجعل هناك وقتاً لا يحتاجه المعلِّم فيصبح الطلبة بلا عمل فينشغلون بالأحاديث الجانبيّة وربّما اللعب والضحك وكثرة الحركة أو المزاح بينهم الأمر الذي يقلق المعلِّم ويشوِّش عليه أو يزعجه فينصرف عن إكمال الوقت المتبقّي من الحصّة إلى خارج الفصل ،ولا يُخفى على منسوبي التعليم أنّ من أكثر القضايا إشكالاً في المدارس هو كثرة النزاعات التي تنشأ بين الطلاب في تلك الفترات الزمنيّة الضائعة من الحصص دون وجود معلِّم، وبالأخص الحصص الأخيرة في اليوم الدراسي حيث تبرز جوانب الإهمال وضياع أوقاتها عند مغادرة المعلِّمين تاركين حصصهم وطلابهم وهذا ممّا يشجِّع فئة من الطلاب إلى الهروب أو الغياب أو العبث إلى غير ذلك من الأخطاء؛ وهناك من المعلِّمين من يرى أنّ طبيعة المادّة العلميّة لبعض المناهج الدراسيّة يمكن تدريسها وإنهائها في وقت أقل بكثير من الفترة الزمنيّة المعتمدة خلال الفصل الدراسي ولعلّ ذلك يؤدِّي إلى كثرة غياب الطلاب وشعورهم بالملل والكسل وعدم الجديّة.
لا شك أنّ هذا التفريط في أداء الحصص سينعكس سلباً على مستوى الطالب ممّا يؤدي إلى انخفاضٍ في مستوى تحصيله الدراسي وضعف معلوماته وقلّة خبراته ويؤثر على المخرج العام كما أنّه يغرس عادات غير حميدة من حيث عدم الانضباط فيكتسب الطالب من خلالها سمات خاطئة وتنعكس على سلوكه عندما يرى معلِّمه وقدوته متهاوناً ومقصِّراً في أداء واجبه ولا يتقيّد بزمن الحصّة في الوقت الذي نحاسب فيه أبنائنا بالالتزام والنّظام والحضور المبكِّر واحترام المواعيد وإجراء الواجبات على أكمل وجه ونطالبهم بأداء الأمانة والإخلاص بالطبع فإنّ ذلك سيخلق لديهم شيئاً من الازدواجيّة وعدم المصداقيّة وفقدان الثقة.

ولعلّ من الأسباب التي أدّت إلى هذا النوع من التراخي في أداء الحصص لدى المعلِّمين فعلى سبيل المثال لا الحصر هو شعور معظمهم بالملل ونظرتهم للدوام المدرسي بالرتابة والروتين الثقيل الذي لا جديد فيه، وذلك نظراً لكثافة الحصص الدراسيّة التي تصل إلى (24) أربعٍ وعشرين حصّة في الأسبوع والفصول المكتظّة بأعداد كبيرة من الطلاب والبيئة التعليميّة المنفِّرة غير الجاذبة وحصص الاحتياط وتكليف المعلِّم بأعباء وأنشطة صفيّة ولا صفيّة وأعمال إداريّة وكتابيّة وكثرة التعاميم والقرارات المتلاحقة ومطالبها الموجّهة للمعلِّم والإشراف على الطلاب في الفسح ومتابعتهم وقلّة الحوافز المعنويّة والماديّة وعدم تحقيق رغبتهم في النقل أو عدم ترقيتهم إلى مستوياتهم الوظيفيّة المستحقّة لهم لعدّة سنوات بينما نجد بُعْد المسافة بين مدارسهم ومنازل سكنهم وخصوصاً في المناطق القرويّة أو توصيل الأبناء إلى مدارسهم لعدم وجود سائقاً خاصّاً وعدم توفُّر وسائل النقل الميسَّرة والمناسبة إضافة إلى ضعف شخصيّة بعض المعلِّمين وعدم مقدرتهم على ضبط وإدارة الصف أو تساهل إدارة المدرسة وتسيّبها وضعف شخصيّتها أو تسلّطها أو تدنّي مستوى كفاءتها الإداريّة والقياديّة في حين نجد انصراف بعض المعلِّمين عن مدارسهم لإنجاز أعمالهم الخاصة وانشغالهم بها على حساب مهنتهم.

لذا، كان لزاماً على أصحاب القرار وذوي الشأن والمربِّين والتربويين دراسة هذه القضيّة في مدارسنا وتشخيص أوضاعها وبحث أسبابها وتقييم نتائجها وذلك رغبة في تحسين البيئة المدرسيّة وتهيئتها بما يعود على المستهدفين منها بالفائدة المرجوّة؛ كما أنّه لا يمكن إطلاق هذا القصور في الحصص المدرسيّة على جميع معلِّمينا وللّه الحمد والمنّة فإن الميدان يزخر بنماذج فريدة من المعلِّمين الذين يستشعرون الواجب الديني والمسؤولية الوطنيّة تجاه تنشئة أبنائها ويعشقون مهنة التعليم ويقدِّرونها ويضحّون من أجلها ويحرصون على أداء رسالتهم بكل أمانة وصدق وتفانٍ.

■ وأعتذر إليك أخي القارئ الكريم ومنك أخي المعلِّم ولكل مربٍّ لأنّنا لا نريد الإساءة لأحد ولا نسعى للتشهير حتماً لأي طرفٍ كان وبالأخص معلِّمي الخير والفضيلة، ولكنّه من منطلق الأمانة والغيرة وحبّ الوطن وخدمة الأمّة والمصلحة العامة ورفعة الدين وسمو المهنة وصلاح الأجيال، وإن كانت تلك المشكلة في واقعها ليست على نطاق العموم والكلّية إلا أنّها أخذت تتنامى يوماً بعد يوم وتتعالى نداءات قادة الميدان التربوي وتزداد معاناتهم من سوءاتها وعواقبها، واستدراكاً لذلك يحدونا الأمل في تغيير صورتها وملامح حدوثها وجوانب بروزها بما يحقِّق الغاية الأسمى منها، وذلك من خلال اقتراح بعضٍ من التوصيات كما يلي :
1ـ إعادة النّظر في حقوق المعلِّمين الوظيفيّة من حيث المستويات والترقيات والدرجات وسنوات الخدمة ومزايا الرواتب وتلبية مطالبهم المشروعة بما يكفل لهم الإنصاف والحياد وتحقيق الأمان الوظيفي.
2ـ التوسُّع في تحقيق رغبات المعلِّمين في حركات النّقل الداخلي والخارجي.
3ـ تخفيض نصاب المعلِّمين من الحصص الدراسيّة بألا تزيد عن (20) عشرين حصّة أسبوعياً وعدم تكليفهم بأي أعمال أخرى غير التدريس حتى يتمكَّنوا من أداء عملهم بكفاءة وجديّة.
4ـ الإيعاز لإدارات المدارس والمشرفين التربويين ومسئولي التعليم على تنظيم جداول حصص المعلِّمين وتنسيقها ما أمكن بالتشاور معهم وأخذ مرئيّاتهم بما يضمن أعلى إنجاز وأفضل عطاء وأكثر جودة ويحقِّق رغباتهم من خلال منحهم يوماً مخفّضاً في كل أسبوع يمكِّنهم من قضاء احتياجاتهم خارج المدرسة ومراعاة لظروفهم.
5ـ التعاقد مع شركات متخصِّصة في النّقل المدرسي لتأمين سيارات حديثة ومريحة ومكيّفة للطلاب والطالبات بأسعار مناسبة.
6ـ إعادة دراسة التوازن الزمني للفصل الدراسي بما يتناسب ومتطلّبات المناهج الدراسيّة وحجم المحتوى العلمي لها على اختلاف تخصُّصاتها ومجالاتها.
7ـ تفعيل اللوائح النظاميّة والأدلّة الإجرائيّة المقرّرة للحفاظ على سير العمل التعليمي وفق خطة الوزارة التطويريّة وسد منافذ القصور ومكامن الخلل.
8ـ التوسُّع في إنشاء المباني المدرسيّة وفق المواصفات المطلوبة للتخلُّص من المدارس المشتركة والحد من ازدحام الطلاب في الفصول وإعادة تأهيل المدارس القائمة منها وتجهيزها بجميع الإمكانيّات اللازمة ووسائل التقنية الحديثة.
9ـ اختيار وترشيح مديري المدارس الذين يمتازون بروح القيادة والانضباط والتزام القدوة الحسنة والشخصية المتزنة والكفاءة الإداريّة والمعرفيّة إلى غير ذلك من مواصفات الإدارة الناجحة.
ولا نود تكرار توصيات طرحت سابقاً ويمكن العودة إليها كما في مقال هروب جماعي من التدريس.

■ وقبل الختام :
نوِّجه رسالة إلى كل معلِّمٍ أنْ يتّق الله في أداء رسالته العظيمة التي هي امتداد لرسالة الأنبياء، وَلْتعلمْ أخي المعلِّم أنّ الحصّة الدراسيّة بالنسبة لك هي اللحظة الثمينة لحصد الخير والفرصة المناسبة لغرس البذرة ونقل المعرفة وتوجيه السلوك وتربية الأبناء على الأخلاق والفضائل والقيم والمبادئ؛ فكن لهم قدوة حسنة بالجدّ والاجتهاد والحرص والاهتمام والحفاظ على أوقاتها حضوراً وانصرافاً؛ اجعلها مليئة بالعمل الدؤوب والجهد المنظّم والعطاء المخطّط، وما تقدِّمه في حصّتك هو شاهد لك أو عليك عند تلميذك، واعلمْ أنّ الرقيب عليك ليس المدير أو المشرف وإنّما هو الله فراقبه واطلب رضاه ولا تجعل مقابل عملك ذلك الراتب الزهيد ولا تنتظر الشكر من أحد؛ فعملك ليس له أجر ولا مقابل ولا يستطيع أحد أن يجازيك عليه إلا الله فاصبر واحتسب منه الجزاء، واعلمْ أنّ ما تبذله أثره باقٍ وكما قيل سابقاً : فلن يضيع جميلاً أينما زرعا، واعلمْ أنّ تعبك وعرقك محفوظ لك في صحائفك عند علام الغيوب ففي الدنيا بزيادة المال وبركة العيال وصلاح الحال وراحة البال وفي الآخرة بالأجر والثواب ورضا المتعال.