من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : طارق يسن الطاهر.
إجمالي القراءات : ﴿3116﴾.
عدد المشــاركات : ﴿78﴾.

لم يرد أن يبقى في دار ذل وهوان وضيق، رأى بعين بصيرته أنه لن يستطيع نشر الدين، ولن يقوى على تبليغ الأمانة للناس، وهو في مكة، إذ ضيق المشركون عليه، وعذبوا أصحابه، وهو يعي: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)؛ لذا قرر أن يبحث عن أرض أخرى ينشر دين الله فيها، وقد يعود إلى تلك الديار مرة أخرى عزيزا قويا، يدعو أهلها للدين، وقد كان.
لم يكن متمسكا بما يحب، ولكنه قرر أن يفعل الصحيح، فهو يحب مكة، وهي موطنه، لكن الخير هنا هو تركُها إلى حين.
ولم يكن اتكاليا يترك الأمور دون تخطيط، كان يضع الخطط التي من شأنها أن تؤدي لنجاح رحلته، وهو يؤمن أن الله فوق كل ذلك قادر على أن يحميه، ويبلغه مراده، لكنه يعطينا الدروس المهمة، وهي التوكل وليس التواكل.
كان منهجيا في فكره، علميا في تخطيطه، حين فكر في الخروج من مكة، وحين أمر عليا – رضي الله عنه - أن ينام على فراشه، وحين فكر في اصطحاب أحد، وحين أحسن اختيار الصاحب، ومَن غير أبي بكر- رضي الله عنه - يصلح لهذه المهمة، وأجاد حين سلك طريقا يختلف اتجاهه عن طريق المدينة، رغم بعده، ورغم مشقته، ولكن للتمويه، ووُفِّق حين اختار دليلا يستعين به على الطريق؛ حتى لا يضل هو وصاحبه، ولم يتنطع - وهو القائل "هلك المتنطعون" - لم يتنطع، ورضي أن يكون الدليل مشركا، لأنه يريد مهمة لا يتقنها غير عبدالله بن أريقط.
نزل في الغار، وتلك مرحلة مهمة من الخطة، وذات النطاقين تحمل الطعام وتنقل الأخبار، وهي أمينة على ذلك، تصعد الجبل، وتعاني من تسلقه، لكنها صابرة محتسبة؛ فخلد التاريخ ذكرها، كان يُطمْئِنُ صاحبه، ما ظنك باثنين الله ثالثهما، ويطمئنه أكثر حين يقول له: "لا تحزن، إن الله معنا". ومن كان معه الله، فمن ضده ؟!
وكان صاحبه – نعم الرفيق، ونعم الأنيس - يخاف عليه؛ فيتقدمه ويتأخر عليه، إن خاف الرصد أو خشي الطلب.
ألم أقل لكم من غير أبي بكر يكون صاحبا ورفيقا ؟!
لحقه سراقة، وكان فارسا مغوارا مقداما، ساخت قدما فرسه؛ لأن الله بالغ أمره، ومتم نوره، وكان سراقة طامعا في الدنيا، ولكنه رجع ولم يحقق دنيا المشركين، وإنما نال دنيا محمد – صلى الله عليه وسلم - حين وعده سواري كسرى، وفاز بخير الآخرة بإسلامه لاحقا.