من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : محمد عبدالعزيز الحارثي.
إجمالي القراءات : ﴿2291﴾.
عدد المشــاركات : ﴿31﴾.

تجربتي عن مفهوم "الغفلة".
في طفولتي كنت أجلس مع بعض الأقارب وهم يلعبون (الضومنة) أو ما يسمى (الدومينو) فسمعت أحدهم يقول : قفلة على غفلة؛ فعرفت لاحقا أنَّ مفهوم الغفلة هنا هو أنَّ بعض اللاعبين غفلوا عن اللعبة فقفّلها عليهم أحدهم وفاز، وفي يوم ذهبت للّعب في بيت أحد الأصدقاء من الجيران فسمعت أمّه تقول لزوجها عن ضيوف زاروهم فجأة بلا موعد (ايش فيهم هدولا الأوادم يزورونا على غفلة لا احم ولا دستور)؛ فعرفت عندما كبرت أنَّ زيارة الغفلة عيب وليست من الآداب لأنّ المزار لا يعلم بها ولأنها بلا موعد، وفي سن الرابعة عشر وأنا في المرحلة المتوسطة تطور مفهوم الغفلة لدي عندما كنت أجلس مع جدي حامد بن عواض – رحمه الله تعالى – وهو من قرية تسمى "العجالطة" من قرى محافظة ميسان ــ كان شيخا من العارفين فإذا جلس في مجلس الجميع ينصت لحكمه وقصصه ومداعباته وأشعاره الجزلة وذات يوم قال لي : (وأنا جدك اجلس مجالس الرجال واسمع منهم الشعر الجزل ولا تحفظ إلا الجزل من الشعر) ثم أخذ يردد قصيدة كلما انتهى من إلقائها أعادها مرة أخرى وطلب مني أن أرددها معه لكي أحفظها، نسيتها لا اذكر أبياتها ولكن أذكر بعضا من معانيها ومنها : أن الرجل إذا وصف بالغافل فهذا مدح له يعني غافل عن الأفعال السيئة، وعندما بحثت لأجد هذا المعنى وجدت قصيدة أظنها للشريف بركات – رحمه الله تعالى - قال فيها :
وهرج النميمة والقفا لا يجي فيك ••• وإياك عرض الغافل إياك إياك

هنا علمت أنّ الغفلة قد تكون محمودة وهذا نادر كما قال الله تعالى في سورة النور : {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم}، ومعنى الغافلات في الآية أي العفيفات اللاتي غفلن عن الفاحشة ولم يفكّرن في الفسق والفجور لأنهن عفيفات نقيّات قلوبهنّ طاهرة.
ثمّ تطور مفهوم الغفلة لدي بعد فترة من الزمن فعرفت أن من معانيها عند العرب هو السهو والنسيات يقال : فلان غفل عن واجبه يعني : تركه وسهى عنه وانصرف لأمر آخر، وهذا الترك إمّا متعمّداً أو غارقًا بفكره وقلبه وحواسّه في أمر أنساه الواجب؛ فقد تكون الغفلة محمودة وهذا نادر أو مذمومة وهذا هو الأصل والغالب، ومن أخطر أنواع الغفلة هو الغفلة عن الله ومن غفل عن الله اتبع هواه وشيطانه فغرق في ظلمات الشهوات والشبهات، فهي فرصة ما دمنا في بر الأمان أن نأخذ بأسباب النجاة ولا نجاة لنا إلا مع الله ومحبته وخشيته والعمل من أجله سبحانه وتعالى.

■ أمّا أسباب الغفلة فهي كثيرة أذكر منها سببين :
الأول : الرغبة في المعاصي إيمانًا بالمثل القبيح الدارج : "كل ممنوع مرغوب" والذي "عشّش" في قلوب المرضى الذين أشربوا الفتن فأصبحوا من الغافلين قال صلى الله عليه وسلم ((تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كالحصيرِ عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشربَها نكتَتْ فيه نكتةٌ سوداءُ فيصيرُ أسودَ مربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا، لا يعرفُ معروفًا ولا ينكرُ إلا ما أُشرِبَ من هَواه)).
الثاني : - تضييع الوقت والإغراق في الملهيات التي لا فائدة منها كالذين يضيعون أوقاتهم في السهر والدردشات والشات متغافلين عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا تَزُولُ قَدَمَا عبدٍ حتى يُسْأَلَ عن أربع: عن عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاه، وعن علمِه ما فعل فيه، وعن مالِه مِن أين اكتسبه وفِيمَ أَنْفَقَهُ، وعن جِسْمِه فِيمَ أَبْلَاه".

■ قرب أذنك أوشوشك :
رمضان على الأبواب فلا تغفل عنه ويسعدني أن أهديك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ((رغِمَ أَنفُ رجلٍ ذُكِرتُ عندَهُ فلم يصلِّ عليَّ، ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ علَيهِ رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبلَ أن يُغفَرَ لَهُ، ورغمَ أنفُ رجلٍ أدرَكَ عندَهُ أبواهُ الكبرَ فلم يُدْخِلاهُ الجنَّةَ)).