من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. يحيى علي الزهراني.
إجمالي القراءات : ﴿5412﴾.
عدد المشــاركات : ﴿8﴾.

هل تعطي وزارة التعليم الأمان لمعلميها ؟
■ بينا تتسابق الدول الكبرى وتتباهي بالمكانة المرموقة للمعلم في أنظمتها، ومؤسساتها. فلا منزلة تُطال، ولا مهنة تُمتهن، بل جهود تُشكر، وإنجازات تُذكر، وتحفيز يُقدّم، يعيش المعلم عندنا حالة غير مستقرة من إرهاصات تطال أمنه الوظيفي، وبصور شتى تتفنن وسائل الإعلام كعادتها في التطاول عليه مرة، ونشر الشائعات مرة، والسماح لكل أحد أن يتناول المعلم همزاً ولمزاً مرات ومرات، وفوق ذلك حالة ترقّب يعيشها التربويون في أروقة وزارة تسكت كثيراً، وتنافح عنهم قليلا، حسب نظرة المعلمين والمعلمات لها.
ترقب لقرارات طالما ألِفوها كحالة، وعاصروها، وبالتالي اعتادوا عليها.

لكني سأوْقِف الحديث عن نقطة طالما تحدث عنها بعضُ من كتب، وإذا قيل لك مَن كتب، فاعلم علّمك الله أنك بعصر يكتب فيه كلٌّ، وينقد التعليم فيه كلٌّ، وربما تطاول على قامات تربوية كانت ولا زالت عاملة مخلصة، جادة مجتهدة في سبيل رقي العمل التربوي، منهم من يعمل داخل صرح الوزارة ومنهم من يعمل في بيوتها الخارجية - المدرسة - ومع ذلك فلا حصانة لمعلم، ولا مساءلة لمتطاول، لتستمر الحكاية.
موضوع الطرح هو رواتب المعلمين، والأحاديث التي تُثار حولها، وكَأنّ المعلم هو الوحيد الذي يعمل في الدولة، وكأنه الوحيد الذي يتقاضى أحد عشر مرتبا في العام، وكأنه الوحيد الذي يحق له أن ينقلب بعد عمل يوم شاق لإجازة آخر الأسبوع، وأسبوع يفصل الفصلين، وأسبوع في منتصف كل فصل، يَجِدَّ لينهي فيه مراجعاته للمشافي، ومواعيد أسرته لها.

حين نتحدث عن رواتب المعلمين، فأنت تتحدث عن فئة لها الفضل بعد الله في رفعة البلد، واستقراره، وتنمية اقتصاده، واستتباب أمنه.
نتحدث عن المعلمين، لأن الجميع يَدينون لهم بالفضل بعد الله تعالى، فليس من أحد إلا وللمعلم عليه فضل، وله عليه يد، وأي فضل أعظم ممن علمك ما لم تكن تعلم، ففضله عليك عظيم، وجميله كبير.
نتحدث عن المعلم، الذي بذل فوق راتبه ما قد يفوقه بأضعاف في العام، في سبيل تهيئة بيئة جاذبة لطلابه، وتوفير وسائل حديثة، يستعين بها لتحقيق رسالته.
نتحدث عن المعلم الذي بذل ويبذل كثيراً، منهم من يأبى أن يبوح بما بذله ودفعه في سبيل تحفيز طلابه، بهدايا خلال الفصل، وأخرى نهاية العام، كثيراً ما تكون تكاليفها من مرتبه الخاص.
نتحدث عن المعلم الذي دفع لمدرسته من حسابه الشخصي ما يُوازي إجار فصل دراسي للمسكن الذي يستأجره، دفعه والجملة المحفوظة في إدارات المدارس والتعليم، أحْضِر فاتورة ونرفع بها للإدارة، للوزارة. ويا لله من عبارة محفوفة بالمخاطرة، إذ كيف يُضحي مَن يستحق أن يُضحى من أجله بمرتب لا يكاد يسد رمقه، ولا يفي بغرضه. وتالله إن منهم من دفع وصرف ثم خرج من المنطقة، وربما أحال نفسَه للتقاعد، بعد أن أوْهَموه بأن حسابه سيأتي وما علم أن حسابه على الله !
نتحدث عن معلم يجب إن يَأمِن ويشعر بالاطمئنان، ويُؤْمِن بأن وزارته إن لم تُكرمه فلن تُهنه، وإن لم تُعطِه فلن تحرمه، وإن لم تُوفِّه فلن تبخسه، وإن لم تدافع عنه فلن تخْصِمه.
وزارة يجب أن تكون للمعلم كظله، سحابة ممطرة، وأرض خصبة، تشرح نفسه ليزداد توهّجاً، وتَدْفعه ليعلو تألُّقا.

وزارة تبدأ من حيث المعلم يطلب ويحتاج، من حيث العقبات تُوضع في طريق المعلم هنا وليس هناك تجد الوزارة واقفة معه لا واقفة عليه، فشعارها الذي ينبغي : ننصر معلمنا ظالماً أو مظلوماً، وإن كان الحال ليتها تنصره إن كان مظلوما ! ولا أُعمِّم، وأعوذ بالله أن أطال عرض مؤمن، أو اقتات عليه، لكن المقام يحتاج للبيان.
في وزارة أخرى، يحصل من التجاوزات والقصور والخلل، ما يوازي ملاحظات وزارة المعلم في أعوام، ثم لا نرى، لا نسمع، لا نتحدث عن تلك الملاحظات !

وفي وزارة التعليم، الخطأ غير مغفور، والذنب مخرج من المهنة، وأعيذك الله أن تخرج من الملة، وأعمالك الصالحة سيُحال بينك وبينها فلن تشفع لك، أو تذود عنك !
في وزارات أخرى، يتحدثون عن زيادة في مرتبات، ووالله إن لنستبشر لهم خيرا، مع أن هناك مزايا وحوافز يتقاضاها أولئك غير مرتباتهم، وفي وزارة التعليم لا مزايا لمعلم، لا فرص أخرى لزيادة الأجرة، فقط عليك أن تنتظر حتى نهاية ذلك الشهر لتتقاسم أنت وأولادك ما تبقى لك بعد أقساط بنك، وسيارة، وبيت، وفاتورة كهرباء، ورسوم، ومصاريف، هذا إذا بقي لك شيء، ولا أظن ذلك.
يبقى قبل أن نفنى، أنَ مِن أولئك المتشدقين بمرتبات المعلمين مَن يتقاضى أضعاف أضعاف مرتباتهم، فله أكثر من وظيفة، فهو يعمل في وزارة، ويكتب في صحيفة، ويقدم في إذاعة، ويشارك في مؤتمرات، وندوات مدفوعة الأجرة، فضلاً عن تذاكر سفر، وبدل سكن، وانتداب. وسيطول الحديث لو استطردنا مع مثل هؤلاء، لكن المعلمين والمعلمات يربؤون بأنفسهم أن يرتعوا في مرتع ضحل، أو منزل وحل، فهل نعي حقيقة ذلك ؟

في وزارة التعليم ورغم ما قيل ويُقال يبقى الأمل كبيراً، والظن وفيراً، في رجال التربية، ممن نحسبهم يسعون لتطوير التعليم إيمانا منهم بأن المعلم ركن الزاوية الأهم وليس حجرها المُعْثِر، وأن المعلم متى ما تقاضى حقه كاملاً من مستويات مستحقة، وفروقات متأخرة، ودرجات مفقودة فسيجِدُّ أكثر، ويعطي، ويبدع، ويتألق. أولئك الرجال نأمل منهم أن تكون ردودهم على المتطاولين على المعلم أفعالاً وليست أقوالاً، وأن يرى المعلمون مرتبات تزيد ولا تنقص، تنمو ولا تذبل، فالماء الراكد يأسن، ويتعكر، ونافورة الماء جميلة المظهر كريهة الريح، ماؤها لها، ولئن كانت تسر ناظراً، فكم ساءت مناضلاً.

فلْتَفِقْ وزارة التعليم، ولتستقبل معلميها في مطلع إجازة المنتصف بقرارات تسر الناظرين، والمستمعين، والعاملين.
قرارات تسد على المتطفلين تطفلهم، وعلى الناقمين حنقهم، وعلى المغرضين كيدهم.
ومع ذلك ففي مجتمعنا شرفاء كرماء نادوا وينادون بحقوق المعلم، وأن يكون له ما لا يكون لغيره من التقدير والتحفيز.
ولم يعد بعدُ متسع لذكر حقوق أخرى ينبغي أن ينالها المعلمون والمعلمات، منها بدل سكن، وتأمين صحي، وتخفيض على تذاكر الطيران، ومستشفيات خاصة مثل ما لإخواننا في القوات المسلحة، والأمن العام من مستشفيات خاصة بهم وبأسرهم، أما أنه يحق لهم ولغيرهم نقْدَ المعلم والحديث عن رواتبه، ولا يحق للمعلم أن يُطالب بمثل ما لهم من خدمات صحية !

■ ولعل في هذا القدر كفاية، وللحديث بقية ربما تكمله وزارة التعليم.