من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. المصطفى رحيب.
إجمالي القراءات : ﴿6248﴾.
عدد المشــاركات : ﴿5﴾.

التأخر الدراسي وسماته المتعددة .. إلى أين ؟
■ لعل من أهم المشاكل التي يواجهها المربون والعاملون بحقل التربية والتعليم، هو ظاهرة التأخر الدراسي، على الرغم من توفر عدد مهم من الوسائل والإمكانات التي تساعد على التقدم الدراسي، سواء من الناحية الذاتية أو الموضوعية. غير أن التأخر الدراسي والذي يمكن معالجته، أو الإحاطة به إلا بالتعريف به، فهو يتميز بتدني مستوى المتعلم التحصيلي، أو عدم مجاراته للإيقاع التعليمي والتعلمي الذي تسير به مجموعات قسمه، مما يحدث تخلفا جزئيا، أو كليا عن مواكبة أنداده داخل قسمه أو ضمن المجموعة التي ينتسب إليها, دون غيره من أترابه الذين يمتازون بالمستوى التعليمي العادي، سواء من ناحية القدرات، أو المهارات، والخبرات التي تجعلهم يتخطون عائق ومشكل التعلم في مقابل المتعلم المتعثر الذي يبقى ذو مستوى أقل بكثير من زملائه خلال مرحلة، أو فترة دراسية مما يعرضه إعادة وتكرار المستوى أو القسم رغم جميع المحاولات والإستراتيجيات المسعفة له.

■ التأخر الدراسي هو حصيلة عدة عوامل متداخلة، منها :
1 ـ فقدان الرغبة في التعلم من قبل المتعلم المتأخر بحيث يستحيل عليه مواكبة المسار التعليمي مع بقية أقرانه، سواء في مادة ما، أو مواد متعددة وهذا راجع بالأساس لعوامل ذاتية، أو موضوعية، كالنكوص الذي يبديه غداة حالة نفسية ما، أو كبح لاندفاعه الناتج عن فوبيا معينة أو لأسباب اجتماعية (قد تكون الطلاق أو الشجار الدائم بين الوالدين .. الخ) كما أن الوضعية المادية والاقتصادية من خلال تدني المستوى المادي للأسرة، والفقر، وغياب الحدود الدنيا للحاجيات الملحة والأساسية لكل متعلم والتي تتطلبها شروط الحياة.

2 ـ عدم التفاعل داخل القسم مع مجموعته، أو مع متعلمي القسم كلهم، نظرا لحالة نفسية معينة، أو لغياب توافق مع متعلمي القسم، مع اللجوء إلى الهروب من القسم والغياب المتكرر، نظرا لكونه لم يستطع إنجاز واجباته المنزلية أو لعدم حصول فعل التعلم بشكل سليم يسهل عليه التجاوب مع دروسه، ومن تم إغناؤها من خلال إنجاز الواجبات المنزلية، التي تعد مرحلة، دعم وإغناء بل وفي أحسن الأحوال استثمارا لمعارفه وترسيخا لها.
كما أن جهل الآباء، بالظروف التي يعيشها المتأخر دراسيا، إن لم تؤخذ على محمل الجد من طرف الوالدين اللذان يعتبر غيابهما عن وضع ابنهما سببا في تأزيم حالته، سواء من خلال التضييق على المتعلم وإجباره على الفهم، ولأن الوالدين أميان لا يملكان مفاتيح المعرفة لمصاحبة ابنهما.

3 ـ إن غياب الأسرة في تتبع ابنها ومساعدته بشكل كاف وموات لوضعه وحالته، قد يعمق الجراح التي يحياها ويضغط على المستوى العاطفي والوجداني ليزيده تدهورا كما أن تأجيل إنجاز الواجبات، والأعمال المنزلية مع إرجاءها إلى حلول فترات الاختبارات أو نهاية المرحلة الدراسية، مع ترك المتعلم عرضة للعب العشوائي دون رقيب، أو حسيب والرفقة السيئة، والانفتاح على الوسائط المتعددة بشكل عشوائي دون رقابة، أو تتبع قد يسقط المتعلم في مجموعة من المتاهات التي يستحيل انتشاله منها.

4 ـ كما أن عدم التتبع وفق الشروط الحرص الأسري سواء بالتتبع من طرف الأستاذ، أو الحراسة العامة أو من طرف الإدارة وبطبيعة الحال قد يغيب هذا العامل بفعل عامل الاكتظاظ مع عدم التجاوب والتعاون مع المدرسة، الذي هو مطلوب من الأسرة، في جو كثرت فيه الأعباء على الأستاذ أو الحارس العام، مما يفسح المجال للكثير من حالات التعثر بين صفوف المتعلمين والتلاميذ خاصة فئة المراهقين : 14 و 18 سنة حيث تتعدد الأسباب، والانزلاق التي تكون بوابة عريضة للتعثر والتأخر الدراسي.

5 ـ يعتبر عامل الذكاء مهما بالنسبة للمتأخرين، حيث يطرد بين المتعلمين بشكل متوسط، مع نسبة ضئيلة من الذين هم دون متوسط الذكاء العادي والتي قد لا تتجاوز 10% يمكن بتغير الإستراتيجيات الوقائية والساعفة قد يمكن من التغلب على هذا المشكل.

6 ـ الأسباب الفيزيولوجية : حيث أن الضعف الجسمي، والإصابة بالأمراض المزمنة التي تضعف الجسم، ومقاومة الأمراض التي تؤثر على الأداء داخل الفصل، كما أن الغياب، وضعف التركيز قد يؤثر في تحصيله البنائي للمادة الدراسية خاصة المواد العلمية كالرياضيات .. الخ.

7ـ الأسباب الانفعالية : من الأسباب الانفعالية التي تؤثر على أداء المتعلم هناك الانطواء، والقلق، والخجل، الذي يؤثر على أداء المتعلم مما يحول دون مجابهة المواقف والمشكلات الطارئة، خاصة أثناء عملية التعلم التي تتطلب توفر استعداد نفسي وانفعالي جيد .كما أن الصراع داخل الأسرة، إلى جانب الصراعات الداخلية إلى جانب العنف الذي يسلط عليه سواء من قبل أترابه أو من طرف الأستاذ، الذي يكون ذو طبع سلطوي، حين يغيب دوره كمسهل، وموجه، وميسر بل ومنتشل من التأخر والتعثر، حتى يتغلب المتعلم على الصعوبات المدرسية، كما أن بعض المواد ذات الطبيعة العلمية المجردة، والتي تحتاج إلى الاستدلال والتجديد، قد يمكنها أن ترسخ النفور منها لدى فئة المتأخرين مع العلم أن المعارف تبنى، وتدمج وفق وضعيات تعليمية قد يساهم في إنجاحها اعتماد المقاربات الحديثة والمفتوحة المعتمدة على التنشيط والوسائط المتعددة، مع سيادة جو التفاهم والديمقراطية والتجاوب الوجداني البعيد عن سلطة التقرير، والأساليب الجافة التي لا تتخذ من الأدوات الديداكتيكية، واقتراب الحقيبة التعليمية من واقع المتعلم، لتدلل صعوبات التعلم وتنجح العملية التعليمية التعلمية وتبقى الحياة المدرسية بتجلياتها فضاء لتسخير السلوك الإيجابي يسهل نمو الأطفال، ويدلل لهم الصعوبات والمعيقات التي تصاحب المتعلمين داخل فضاء الحياة المدرسية.

8ـ الأسباب اللغوية : إن الضعف في أي مكون من مكونات اللغة، وضمن أي فن من الفنون اللغوية، الاستماع، التعبير بشقيه اللغوي، والكتابي، يؤثر بعضه في الآخر وبالتالي يؤثر في جميع المواد الدراسية، فالمتعلم الذي لديه صعوبة في الكلام يجد صعوبة في الكلام يجد صعوبة في تعلم القراءة لجميع المواد الدراسية، كما أن اعتماد اللغة المختلفة عن واقع المتعلم وواقع لغته الأم، قد يشوش على الطفل ويخلق له حرجا لأن الـتأخر، أو الضعف في استخدام اللغة في أي مادة من المواد الدراسية، يكون مصدره ثلاثة مصادر مختلفة هي :
♦ انخفاض مستوى الذكاء.
♦ عيوب في النطق والكلام، كالتأتأة، والفأفأة.
♦ البيئة اللغوية الفقيرة للأساليب اللغوية الغنية.
لقد اتضح من البحوث العلمية أن هناك ارتباطا واضحا بين العيوب في الكلام، والضعف في القراءة كمكون أساس لجميع المواد. كما أن سبب بعض العيوب في الكلام تكون ذات مصدر اضطرابات في أعضاء النطق أو التنفس الغير منتظم، وكذلك المشكلات الانفعالية، وضعف السمع، ويلزم في هذا الحال أن يفحص المتعلم من طرف طبيب مختص، إن كان بالإمكان لتحديد مصدر التعثر اللغوي، حتى يمكن علاجه من الناحية الصوتية، ومن الأحسن مراجعة مقوم للنطق في حصص منتظمة، قبل أن يبدأ تعلم القراءة.
وتبقى بيئة الطفل المؤثر الرئيس للمتعلم لأنها تمده بما يغني نموه اللغوي في سائر المواد، فقد تحرمه البيئة المنزلية من النمو اللغوي لأنها تزوده بالخبرات اللغوية المتنوعة والكافية، وإذا حدث هذا فلابد من وضع برنامج لتزويد المتعلم بالخبرة الضرورية التي تمكنه من التقدم في فنون اللغة حتى لا تكون من أسباب التأخر الدراسي. ويمكن كشف هؤلاء الأطفال بمقارنة درجاتهم في اختبارات الذكاء اللفظية واختبارات الأداء المصورة.

● ومن صفات المتعلمين المتعثرين دراسيا :
1 ـ السمات والخصائص العقلية :
♦ ضعف المستوى الإدراكي، وتدنيه دون المعدل.
♦ ضعف الذاكرة وصعوبة تذكر الأشياء.
♦ عدم القدرة على التفكير المجرد، واستخدام الرموز.
♦ هزالة الحصيلة اللغوية وضعفها.
♦ ضعف إدراك العلاقة بين الأشياء.
2ـ السمات والخصائص الجسمية :
♦ قد لا يكون في صحة جسمية كاملة، كما أنه يشكو أمراضا ناتجة عن سوء التغذية.
♦ لديه مشكلات سمعية وبصرية أو عيوبا في الأسنان أو تضخم في الغدد أو اللوزتين أو الزوائد الأنفية.
3ـ السمات والخصائص الانفعالية :
♦ فقدان الثقة بالنفس.
♦ شرود الذهن أثناء الدرس.
♦ عدم القابلية للاستقرار، وعدم القدرة على التحمل.
♦ شعوره بالدونية، أو شعوره بالعداء.
♦ نزوعه للكسل والخمول.
♦ عدم توافقه النفسي.
4 ـ السمات والخصائص الشخصية والاجتماعية :
♦ قدرته المحدودة في توجيه الذات، أو التكيف مع المواقف الجديدة.
♦ انسحابه من المواقف الاجتماعية والانطواء.
5 ـ العادات والاتجاهات الدراسية :
♦ التأجيل والإهمال في إنجاز أعماله أو واجباته.
♦ ضعف تقبله وتكيفه للمواقف التربوية والعمل المدرسي.
♦ ليست لديه عادات دراسية مقبولة أو ذات سمة إيجابية.

هنا يمكننا أن نقف لنوضح بجلاء ما هي السمات الأساسية التي تطبع المتعلم المتعثر ليتيسر لنا من خلالها الوقوف على بعض الاستراتيجيات المسعفة، والتي تتوفر بفعل الدراية، والإرادة الصادقة، التي تتفيأ المسار العلمي والحقيقي الذي يمضي بنا من باب المسؤولية التربوية والأبوية، والوطني أن ننخرط فيها بحس يعي أن العمل على رسم معالم البيداغوجيات الداعمة لكل تعثر تذوب التعثر، وهذا ما ترنو له بيداغوجية الإدماج من حيث كونها تشتغل على المبادئ التي تجعل المتعلم محور العملية التعليمية التعلمية، بل وتمضي بالمتعلم إلى اكتساب كفايات أساسية، ونوعية قد تزيل كل مظاهر التعثر والاضطراب، وكذلك من خلال تأهيل العنصر البشري المنخرط في بنائها، وكذلك توعية مؤسسة الأسرة، ومؤسسات المجتمع المدني، وكل الفاعلين بضرورة المضي قدما في سبيل القضاء على التأخر الدراسي، الذي يكون بوابة للهدر المدرسي والتسرب، في زمن تخوض فيه المنظومة التربوية المغربية تحديات، ليس لها من خيار سوى التقدم، وليس لها هامش من الهدر للإمكانات البشرية والمادية في زمن غدا التدبير سمة العصر وضرورته.