من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عمر حسين الجفري.
إجمالي القراءات : ﴿2562﴾.
عدد المشــاركات : ﴿23﴾.

المقاصف المدرسية رديئة.
■ تعتبر وجبة الإفطار من أهم الوجبات وأكثرها فائدة على صحة الإنسان بصفة عامة وعلى صحة الطلاب بصفة خاصة فهي تحسِّن مستوى أداءهم الدراسي وتقلِّل من خطر الإصابة بأمراض جسمية وعقلية ونفسية وتساعد على زيادة النشاط وتحمُّل أعباء الدراسة والتركيز من خلال إمداد الجهاز العصبي والدماغ بالطاقة اللازمة للتعلُّم لأنها تأتي بعد فترة طويلة من عدم تناول أي طعام بعد النوم في الليل، ولكننا نريد أن نلقي الضوء على حال المقاصف في مدارسنا : كيف هي من حيث النظافة وكذلك العاملين بها، وهل لديهم الخبرة في تجهيز المواد الغذائية ؟ وما هي الوجبات التي يتناولها أبناءنا في هذه المقاصف ؟ وهل هذه الوجبات التي تُقدَّم للطلاب أو الطالبات ذات فائدة صحيّة ومناسبة ؟ ولعلنا نقف عند هذه الأسئلة وربما نسهب الحديث قليلاً أيها السادة الكرام عمّا يجري داخل هذا المطبخ المدرسي وهذا المرفق الغذائي.
لا يخفى على الجميع ما هي المقاصف المدرسية لأننا كلّنا كنّا طلاباً بالأمس وما أشبه الليلة بالبارحة ونعرف حقيقتها ولا يعد مثل هذا الموضوع جديداً إلا أننا وبكل صراحة عندما نتغاضى عنه ولا نعيره اهتماماً فذلك عين الخطأ ورأس البلاء لأنه يتعلق بصحة أبناءنا وهم أغلى ما نملك ولعلّه من أهم أهداف المدرسة هو بناء الصحة السليمة للطلاب لذلك علينا أن نعيد النظر في واقع هذه المقاصف التي تقصف صحة أبناءنا فلابد أن نعمل جاهدين على تخليصها من مكامن الخلل وتجنيبها من مواطن الخطر حفاظاً على سلامة أجيالنا.
عادة يتم استئجار المقاصف من قبل العمالة في كل عام دراسي وتشغيلها بعقود تتم مع إدارات المدارس مقابل أجر مادي دون الاهتمام بنوعية الغذاء المقدَّم لطلابنا الذين معظمهم يأتون إلى مدارسهم في الصباح الباكر دون أن يتناولوا وجبة الإفطار وذلك إما لضيق الوقت وبُعد المدارس وسرعة الالتحاق بها أو فقدان الشهية أو أنّ الأمهات يعملن معلِّمات أو موظّفات في مرافق أخرى وبالتالي لا يتمكّنون من تناول هذه الوجبة في المنزل، وقد أشارت كثير من التجارب والدراسات العلميّة بأن عدم تناول وجبة الإفطار يؤثّر سلباً على انخفاض نشاطهم وتقدّمهم الدراسي مقارنة مع أقرانهم الذين يتناولون وجبة الإفطار حيث يؤثر على الانتباه والتركيز والذكاء، وما نراه اليوم من انتشار فقر الدم بين الطلاب في المدارس وخاصة المرحلة الابتدائية وما بعدها وظاهرة السمنة المبكِّرة التي تفشَّت لدى أبناءنا حيث جعلتهم يفضِّلون الوجبات السريعة المشبَّعة بالسعرات الحرارية والدهون غير الصحية بما يقدّم في مقصف المدرسة من "الشبس" المشبَّع بالدهون والملح ورقائق البطاطس أو البطاطس الجاهزة والمجمّدة والبرجر التي تُقلى بالزيوت غير الصحيّة والمكرّرة عدة مرات والعصائر الملوّنة والمصنّعة ومعظم تكوينها ماء وسكر وإن كانت نسبة العصير فيها 30% وقطع الحلوى المكوّنة من المواد الحافظة والنكهات الصناعية الملوّنة والبسكويت والشيكولاتة الممتلئة بالسكريات الضارة وذات القيمة الغذائية المنخفضة وشطائر البيض أو الجبن أو مفروم اللحوم المجمّدة، وقد اعتاد أبناؤنا أكلها والإقبال عليها بنَهَمٍ وشراهة لدرجة الإدمان حتى انتفخت أجسامهم بالشحوم وامتنعت شهيتهم عن تناول طعام الغداء عندما يعودون إلى منازلهم ناهيك عن العمالة غير المؤهّلة والتي ليس لديها الخبرة في الخدمات الغذائية في المقاصف فهي متدنية النظافة من حيث اتساخ ملابسهم وأيديهم وكثير منهم لا يستخدمون أدوات ومواد النظافة والطهي وتجهيز الأطعمة كالقفازات عند إعداد الشطائر مما يعرِّضها للتلوّث والميكروبات الضارة في حين نجد أنّ المكان أكثر سوءاً ورداءة ويفتقر إلى أبسط المبادئ الصحية الأساسية ورائحة الزيوت المنبعثة التي تزكم الأنوف وتلوّع القلب وعادة ما تكون تلك المقاصف في ركن من أركان المدرسة المنزوية وأحياناً تكون قريبة من دورات المياه أجلّكم الله وخاصة في المدارس ذات المباني المستأجرة والهدف منها هو الربح المادي على حساب هؤلاء الطلاب إضافة إلى ازدحام الطلاب في طوابير غير منتظمة أمام المقصف خلال فترة الفسحة وما ينجم عنها من انتقال أمراض العدوى بين الطلاب وبعض المشاكل السلوكية الأخرى ويتناول الطلاب وجباتهم في الفناء الخارجي للمدرسة تحت حرارة الشمس أو تحت المظلات التي تغطّي الأفنية في بعض المدارس مع حرارة الجو العالية ولهيب الصيف وكثير من الطلاب يتناولون وجباتهم وقوفاً إما لضيق المكان أو عدم توفر مقاعد مناسبة للجلوس، وما يدور من واقع المقاصف يتوقف بيد مدير المدرسة ويترك الأمر له وتحت مسؤوليته ورؤيته دون تعاون الجهات التعليمية الأخرى كما أنّ التوعية الصحية المقدّمة هي مبادرات شخصية أكثر من كونها تنظيمية في حين أنّ معظم المدارس لا يكفيها المردود من دخل المقصف عند توزيعه على أوجه الصرف والأنشطة المقرّرة بل أنّها تؤمّن مبالغ ربّما أكثر من الدخل نفسه مما يجعل بعض مديري المدارس في حرج فيتغاضون عن كثير من المخالفات التي يفترض أن تعالجه الميزانية التشغيلية المعتمدة للمدارس مؤخراً، وأكثر من ذلك في المدارس القروية التي تكون مقاصفها عبارة عن مقاصف خيرية تقوم على إعانات وتبرعات الهيئة التدريسية والإدارية بالمدرسة لعدم وجود متعهّدين يرغبون في تشغيلها بسبب ضعف الدخل والمردود المالي لقلة أعداد الطلاب بها.

إنّ واقع المقاصف في مدارسنا ينبئ عن خطر محدق يتعلق بسلامة فلذات أكبادنا وصحّتهم مما يتطلّب تكريس العمل وتضافر الجهود والتعاون المشترك للحيلولة دون تعريض طلابنا للأوبئة والأمراض والمشاكل الصحية من خلال المقاصف المدرسية التي تعد خسارة جسيمة لأهم مرتكزات أمّتنا فكان لزاماً بذل الغالي والنفيس لحمايتهم والعناية بكيفية توفير الأطعمة السليمة المتوازنة ذات القيمة الغذائية العالية التي تعود عليهم بالنفع والفائدة المرجوة، لذا تضامناً للواجب المحتّم على الجميع لا يسعنا إلا أن نضع بعضاً من التوصيات التي نرجو أن تكون مساهمة للحد من سلبياتها وحلاً مقترحاً لإيجاد مطعماً آمناً وصحياً بالشكل المأمول، كما يلي :
1ـ تتولى الجهة المعنية في وزارة التربية والتعليم التعاقد مع الشركات الشهيرة المتخصِّصة في مجال التغذية لتأمين وجبات ذات قيمة غذائية عالية في المدارس وفق مواصفات واشتراطات صحية تحت إشراف مختصين في التغذية وتوفير عمالة مدرَّبة ومؤهّلة ولائقة صحياً ونظامياً.
2ـ اختيار مواقع مناسبة للمقاصف في المدارس وواسعة ويتم تجهيزها وتشغيلها من قبل الشركات التي تم التعاقد معها وفق أحدث مواصفات (البوفيهات) والمطاعم بشكل أكثر جاذبية وتوحيد تلك الشروط على جميع المدارس.
3ـ نشر الوعي الصحي على نطاق واسع في المجتمع وبالأخص في المدارس وتقديم النصائح والتوجيهات اللازمة بأهمية تناول وجبة الإفطار وبيان أضرار الوجبات السريعة والمياه الغازية والمشروبات ذات الأصباغ الملوّنة والحلويات السكرية.
4ـ تكثيف الرقابة على المقاصف ومتابعة تنفيذ الجودة والسلامة الغذائية والاشتراطات الصحية وتعيين أخصائي تغذية في المدارس يتولى الإشراف على تحضير الأطعمة والمواد الغذائية في المقاصف وتقديم التوعية المستمرة من خلال البرامج التدريبية والنشرات والملصقات والمطويّات وإقامة جسور وتوطيد علاقات التواصل مع المنزل لنشر ورفع مستوى الثقافة الصحية وتزويده بكل ما يتعلق بحالة الطلاب الصحية.
5ـ تهيئة صالات مكيّفة واسعة تستوعب جميع طلاب المدرسة وتوفير مقاعد مناسبة يجلسون عليها ويتناولون وجباتهم بهدوء وراحة تمكّنهم من قضاء وقتاً ممتعاً وصحياً.

لا شك أن المقاصف المدرسية في وضعها الحالي لا تحظى بقبول وغير مرضيّاً عنها من الجميع ولا تسرُّ عدواً ولا حبيباً مما يستدعي تكاتف جهود مسئولي التربية والقائمين عليها والمعلّمين وشراكة المجتمع بكامل مؤسساته وطاقاته على غرس العادات الصحية السليمة وتوجيه الأبناء للتغذية الصحية المبنية على المبادئ الرئيسة ذات النفع والفائدة لإعداد وبناء أجيال قوية جسمياً وعقلياً ونفسياً قادرة على تحمّل المسؤولية وقيادة الأمة ودفع عجلة التقدم والتنمية لأوطانهم وأمتهم.
هذا والله من وراء القصد.