من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

أبلة كوثر ﴿2921﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : حمزة عبدالرحيم سي فضيل.
إجمالي القراءات : ﴿5705﴾.
عدد المشــاركات : ﴿9﴾.

سيدي ابن حواء التوجيني المستغانمي.
ما من شك أن مستغانم كمثيلاتها من حواضر الغرب الجزائري (معسكر وتلمسان ومازونة) حافلة بالتاريخ والأمجاد، فكل شبر منها يحكي للأجيال مآثر وبطولات فالمدينة ثرية غنية لكنها للأسف تعاني الهجران والنكران من أبنائها فهم مدبرون عنها مقبلون إلى غيرها من مدن غربية تفتقر إلى الأصالة والعراقة والقيم والأسباب في ذلك متعددة منها جهل أبناء جلدتنا لماضيهم وإهمال النخبة للتراث إذن فالذنب مشترك لدى الجميع، ومحاولة منا للتعريف بالمنطقة وأعلامها كانت هذه الأسطر وفي عجالة إسهاما وإثراءا وخطوة نحو الأمام لتتلوها خطوات أخر إن شاء الله تعالى فنقول وبالله التوفيق :
استقطبت مستغانم العديد من العلماء والمثقفين، خصوصاً في الحقبة العثمانية مما جعلها بلدة حافلة بالأئمة والفقهاء، وأرضا كارضة بالزوايا والمعاهد، الشيء الذي يجعلنا نستنشق عبق الماضي ومسك السلف الصالح ونحن نسلك قراها وأحيائها ومداشرها، ففي كل رقعة حكاية وفوق كل ارض ملحمة ورواية، أنها حقاً لؤلؤة المغرب الأوسط موقعاً وثقافة وتاريخاً.
أما عن رجالها وأوليائها فذكرهم أكبر من أن يحصر، كانوا جهابذة، زهاداً، فطاحل، قلما يجود الدهر بأمثالهم كسيدي سعيد الراشدي، سيدي أبي القاسم بوعسرية، سيدي عبدالله الخطابي، سيدي يوسف الشريف، سيدي امحمد بن شاعة، سيدي معزوز البحري، والقائمة طويلة.
وموضوعنا في هذا البحث المختصر عن رجل علم من فرسان الفكر والقلم، لا يعرف الناس عنه سوى الاسم، ذاع صيته في الأفاق وكان فريد عصره وأوانه موسوعياً الم بالشرع والأدب والحكمة والتاريخ، ألا وهو سيدي محمد بن حواء التوجيني المستغانمي.
لا يعرف تاريخ ميلاده، إلا أن بعض المصادر تشير إلى تاريخ وفاته، فقد ورد أنه توفي سنة 1176هـ حسب الأستاذ عبدالقادر بن عيسى، له كتاب في فن الحكمة وأرجوزة أخرى تدعى الغوثية الكبرى قال فيها :
يقول راجي ربه العفوا=محمد الشهير ببن حوا
الحمد لله العظيم الطول=الواسع الجود عميم الفضل
الصادق الوعد اللطيف البر=المستجيب دعوة المضطر
ثمت اهدي للرسول الخاتم=أزكى الصلاة والسلام الدائم
روح الوجود باذل الموجود=اسنى المقصود كعبة الوفود
ومطلع الأنوار والمعارف=ومنبع الأسرار واللطائف
يا مالك الملوك يا جبار=انصر ذليلا ماله أنصار

وله منظومة عجيبة سماها سبيكة العقيان فيمن في مستغانم واحوازها من العلماء والأعيان، وقد كتبها رداً على من سال عن مستغانم وعن علمائها وبعض الذين وصفوا أهلها بالجهل والطغيان وقلة العلم والعرفان حسب ما ذكره القاضي عبدالله حشلاف في كتابه سلسلة الأصول المعتمد في النسب فمما قاله صاحب الترجمة رحمه الله :
يقول عبدالكريم مذنب=سليل من الأم حواء ينسب
من بعد حمد الله ذي الجلال=سبحانه المنعم ذي الأفضال
ثم على خير الأنام الخاتم=أزكى الصلاة والسلام الدائم
فها أنا مناضل عن وطني=ومولدي ومرضعي ومسكني
بالبلد المحروسة مستغانم=ووزها من سادا أعاظم
وهي قصيدة طويلة ذكر فيها أهم من أدركهم من علماء عصره كالرماصي المحقق الشهير واحمد بن عامر البرجي، سعيد المالفي والقيزاني والوزاع وغيرهم، وقد فرغ من غوثيته حسب الحفناوي في أواخر جمادى الثانية سنة 1167هـ.
كما تطرق إليه مارسيل بودان في تاريخ أهالي مستغانم وحدد ضريحه الذي يبعد عن حي سانجول قرب وسط البلد بـ 600 متر في طريق الجزائر خارج البلدة بجانب وادي الحدائق وتوجد على ضريحه قبة معروفة وبها اكبر مقبرة بالبلد إلى اليوم تسمى مقبرة سيدي بن حواء وذكر أن صاحبها مؤرخ وعالم وشاعر، مضيفاً أن اسمه بالكامل هو : محمد بن محمد بن حواء بن محمد بن الجيلاني بن عبدالله بن أحمد بن عمر بن عيسى التوجيني المستغانمي، ورجح أنه كان في الثلاثينيات من عمره سنة 1729م.
كانت له زاوية يتعبد بها، احتك بعلماء عصره وتناول خطة القضاء، وقد تناولته مصادر تاريخية عديدة تتفق في مجملها على كونه عالماً جليلاً من الجهابذة الذين أسهموا في إثراء المكتبة الثقافية للمنطقة وأناروا حاضرة مستغانم ووضعوا بصماتهم الخالدة في الفكر المحلي.
لكن ما نشهده اليوم في هذا الوقت من نكران لمثل هؤلاء العلماء الأعلام وجهل من شبابنا لتاريخ بن حواء وأمثاله يثير الأسف ويجرح الوجدان، فغالبية أهالي مستغانم لا يعرفون سوى المقبرة التي دفن بها هذا الولي الصالح، دون علم بحياته ولا مؤلفاته أو أثاره، بل إن غالبية العوام نسج روايات وحكايات من وحي الخرافات والأباطيل مما ينافي شريعتنا السمحاء ويخالف خصال هذا العالم الجليل.
لذلك أعود فأقول كانت هذه الإسهامة البسيطة للتذكير بهذه الشخصية وإزاحة كل الشوائب عنها وتقديمها للنشء بصورة واضحة خدمة للوطن والتاريخ، فعلينا أن لا نستهين بعلمائنا، بل يجب أن نجلهم ونحمي مآثرهم ونأخذ العلم عنهم، فمن قال أن مستغانم لم تنجب فحولاً نحارير، إنها حقاً محروسة العلماء، وحاضرة الأولياء وجامعة الأتقياء، والحمد لله أولاً وأخراً.