من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : حمزة عبدالرحيم سي فضيل.
إجمالي القراءات : ﴿21840﴾.
عدد المشــاركات : ﴿9﴾.

الحمد لله ذي الجلال عجزت عن إدراك كنهه عقول العارفين، الحمد لله ذي الكمال قصرت عن إحصاء ثنائه السنة الواصفين، الحمد لله ذي القدرة وجلت من رهبتها قلوب الخائفين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سلك طريقهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد :

فما من شك أن الله تعالى أنعم علينا ببلد جميل الأجواء فسيح الأرجاء وحبانا الله بالديانة الإسلامية السمحاء في جزائرنا الحبيبة الغراء حفظها الله من كل فتنة ضراء وجعلها مرصاداً للمتربصين الأعداء.
بداية كم شعرت بالاعتزاز وأنا أتصفح تاريخ بلادي مذ عرفت أن أول إنسان سكن شمال أفريفيا هو رجل الأطلس أو إنسان تغنيف منذ ما يربو عن خمسمائة ألف سنة قبل الميلاد حسب ما وضحته المستحاثات والحفريات التي درسها المختصون والأجانب بالمنطقة أبان الاستعمار الفرنسي يعني ذلك أنها سبقت حضارات أخرى سادت ثم بادت وذاع صيتها في الأفاق بآلاف السنين وسرعان ما تزايد اهتمامي بماضي بلادي العريق وحاولت تلقف كل الأخبار والأثآر بتلهف شديد إلى أن وقعت بين يدي بعض المصادر والمخطوطات التي تشد المتتبع لها وتشدوه معاً فتغيرت المخيلة التي كانت تراودني عن المغرب الإسلامي وازداد نهمي في معرفة الكثير خصوصاً بعد ورود روايات مفادها دخول بعض صحابة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم من رب العالمين أرض الغرب الإسلامي ومنه جزائرنا كما جاء في مصنفات القدامى ومنهم أبو راس الناصر المعسكري المؤرخ الحافظ الشهير وغيره كما احتضن هذا البلد بعض الأعلام الفاتحين أمثال عقبة بن نافع الفهري رضي الله عنه وأن كان صحابي المولد فقط لم يرو ولم يصحب ولم يلتق بالنبي عليه الصلاة والسلام أنما ولد في حياته فحسب وهو الأصح.
لكن الأمر الذي زاد فضولي وهيج قريحتي مسالة وجود ضريح تضاربت الأقوال في شأنه وتشابكت الآراء في وصفه ومرد الخلاف يكمن في احتمال كون صاحبه نبيا من الغابرين ألا وهو ضريح خالد بن سنان العبسي الموجود بإقليم الزاب جنوب شرق الجزائر فكانت هذه الدراسة إسهاماً مني في فتح التحقيق بالبحث الدقيق عن الخبر الوثيق فمن يكون خالد بن سنان أولاً ؟
لابد أن نقر أن خبر خالد بن سنان لم يكن ليصل إلينا لولا أحاديث متعددة وأثار كثيرة تواترت في شأنه منها ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن سالم عن سعيد بن جبير قال جاءت ابنة خالد بن سنان العبسي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مرحبا بابنة أخي مرحبا بابنة نبي ضيعه قومه
قال صاحب الإصابة رجاله ثقات إلا أنه مرسل، وقد ورد مرسلا من طريق سعيد بن جبير ومرفوعاً من طريق ابن عباس عن سعيد بن جبير أيضاً وابن جريج وتكررت عبارة نبي ضيعه قومه.
أما في رواية ابن جريج التي أخرجها ابن الجوزي في المنتظم فقال أنبأنا يحي بن ثابت بن بندار قال اخبرنا الحسن بن علي القطان قال اخبرنا إسماعيل بن عيسى قال اخبرنا إسحاق بن بشر القرشي قال اخبرنا ابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس قال ظهرت نار بالبادية بين مكة والمدينة وكانت طوائف من العرب يعبدونها فقام رجل منهم يقال له خالد بن سنان العبسي فأطفأها ورفع وقال لإخوته إني ميت فإذا مت في موضعي هذا فإذا حال الحول فارصدوا قبري وإذا رأيتم عيراً ابتر مقطوع عند قبري فاقتلوه وانبشوا قبري فإني أحدثكم بكل شيء هو كائن فمات فدفنوه ثم رصدوا قبره عند الحول فجاء العير فقتلوه وأرادوا أن ينبشوه فقالوا أن نبشناه كانت سبة علينا في العرب فتركوه فلما بعث النبي قدمت عليه بنت خالد بن سنان بعدما هاجرت فقالت أنا بنت خالد بن سنان فرحب بها ثم قال لأصحابه أن أباها كان نبياً بين مكة والمدينة ضيعه قومه وقص النبي قصته وقال لو نبشوه اخبرهم بشأني وشان الأمة وما يكون منها وفي سند هذا الحديث كلام.
وهناك حديث آخر رواه ابن سعد في الطبقات فقال اخبرنا محمد بن عمر قال حدثني علي بن مسلم الليثي عن المقبري عن أبي هريرة قال قدم ثلاثة نفر من بني عبس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا أنه قدم علينا قراؤنا فاخبرونا أنه لا إسلام لمن لا هجرة له ولنا أموال ومواشي هي معاشنا فأن كان لا إسلام لمن لا هجرة له بعناها وهاجرنا فقال صلى الله عليه وسلم اتقوا الله حيث كنتم فلن يلتكم من أعمالكم شيئا ولو كنتم بصمد وجازان وسألهم عن خالد بن سنان فقالوا لا عقب له (هذا الحديث يعارض ما قبله فأنظر) فقال صلى الله عليه وسلم نبي ضيعه قومه ثم انشأ يحدث أصحابه حديث خالد بن سنان.
إذن من خلال هذه الأحاديث والأثآر نستدل بوجود نبي اسمه خالد بن سنان وهو من بني عبس فهو عربي وزمنه غير بعيد عن زمن النبي صلى الله عليه وسلم بدليل استقباله لابنته لكن هذه المعلومات سرعان ما تتلاشى لتضاربها مع حديث صحيح آخر أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنا أولى الناس بابن مريم والأنبياء أولاد لعلات ليس بيني وبينه نبي.
إذن الحديث متفق عليه وهو مدعم بأحاديث أخرى منها ما جاء في صحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابي ذر منهم (أي : الأنبياء) أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر، فلم يذكر خالداً رغم كونه عربياً فهو ينفي صحة وجود أنبياء الفترة أي بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام كشأن خالد وجرجيس وشأن الثلاثة الذين ارسلوا إلى أصحاب القرية المذكورة قصتهم في سورة يس وكانوا من اتباع عيسى عليه السلام.
وهذا التعارض يفصل فيه الأصوليون بترجيح حديث البخاري ومسلم على الأحاديث المثبتة لنبوة خالد بن سنان ومهما يكن من أمر فأن الرجل موجود والزمن معروف لكن النبوة مختلف فيها ومسالته فيها نظر لكن ما صحة وجوده بالجزائر ؟
اتفقنا على أنه من صالحي الأمم الماضية اكرمه الله عز وجل بالهمة فهو كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، أنه أن كان في أمتي هذه منهم فأنه عمر بن الخطاب).
قال الحاكم أما موت خالد كما جاء في الرواية فمختلف فيه فإني سمعت أبا الأصبغ عبدالملك بن نصر وأبا عثمان سعيد بن نصر وأبا عبدالله بن صالح المعافري الأندلسيين وجماعتهم عندي ثقات أن بينهم وبين القيروان بحر وفي وسطها جبل عظيم لا يصعده احد وفيه غار هناك به رجل عليه صوف أبيض محتبيا في صوف أبيض وراسه على يديه كأنه لم يتغير منه شيء وأن جماعة من أهل الناحية يشهدون أنه خالد بن سنان والله تعالى أعلم ولكن أين بلاد بني عبس من جبال المغرب.
وقد تناول القاضي عبدالله حشلاف في كتابه المعتمد في الأنساب سلسلة الأصول قضية تحقيق نبوءته مستنداً على تحقيق القاضي العدل الشيخ علي الونيسي القسنطيني في رسالة جمعها وقطع بنبوته وجزم ارتكازاً على فحول العلماء أمثال البيضاوي والزمخشري والقرطبي والحلبي ووابن سيد الناس في سيرتهما والشاطبي في تاريخه واليوسي وغيرهم.
هذا وقد جزم علامتنا المحقق الفقيه مصطفى الرماصي في شرح صغرى السنوسي أن قبره في الزاب حيث قال : الرابع ممن اختلف في تبوته خالد بن سنان روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه نبي ضيعه قومه، وقبره معروف الآن بأرض الزاب، انتهى.
وذكره بعض شراح الوظيفة الزروقية وحددوا الموضع نفسه وذكره أيضاً المحقق العياشي في رحلته وقال أن الذي اظهر قبره هو العلامة سيدي عبدالرحمن الأخضري قرب أولاد جلال وهذا القبر الأن من المزارات الشهيرة يقصده الناس من كل مكان وأشتهر أمره عند العام والخاص وعليه مسجد عظيم وحوله مدرسة ونسجت عنه كرامات تروى على الألسن وتتناقلها العوام منها ما ينسب لسيدي عبدالرحمن الأخضري ذاته، وأضاف العياشي قائلاً : قد ورد في بعض الأثآر أنهم لم يدفنوه بل حملوه على ناقته فذهبت به فأن صح ذلك فربما يتوهم أنها بلغت به هذا المكان ودفن به وهو خارق للعادة ويحتمل أنه من الثلاثة المذكورين في قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) (يس : 13) قال بعض المفسرين أن احدهم يسمى خالد بن سنان وأنه نبي أصحاب الرس وذكر بعضهم أن بلاد الزاب هي بلاد أصحاب الرس.
وعلى ذلك فأنه ثبت بشكل لا يحق الطعن فيه أن موضوع سيدي خالد بن سنان مادة قابلة للتوسع والتحري ونحن بذلك نسعى كما اسلفنا إلى فتح المجال طالبين من علمائنا ومشائخنا ومؤرخينا إتحافنا بمساهماتهم أعمالهم علها تثري مكتبنا الوطنية والعربية بل الإسلامية عموماً بمراجع قيمة ترجع إليها الأجيال.

وفي الختام : هذا مجهود متواضع لا ادعي فيه الكمال ولا انزهه عن نقص بل هي محاولة ارجوا فيها الأثمار وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
■ المصادر والمراجع :
• القرآن الكريم.
• صحيح البخاري.
• صحيح مسلم.
• صحيح ابن حبان.
• عجائب الأسفار لأبي راس الناصر ج1.
• الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ بن حجر.
• الطبقات لابن سعد.
• البيان لحال خالد بن سنان لبدر العمراني الطنجي.
• حاشية على العقيدة الصغرى للرماصي ـ مخطوط.
• سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرسول صلى الله عليه وسلم للقاضي حشلاف.