من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : عبدالله محمد المالكي.
إجمالي القراءات : ﴿4591﴾.
عدد المشــاركات : ﴿7﴾.

الضرب دليل على عجز التربوي.
■ إن الحاجة ماسة لبناء شخصية متزنة ذات أثر فعال في الحياة, وإن اللجوء إلى منهج معلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم كفيل بأن يضع أمام المربي وسائل وأساليب استخدمها صلى الله عليه وسلم مع أصحابه, فأخرجت جيلاً عظيماً لم يعرف له التاريخ مثيلاً, والمربي الذي يجعل نصب عينيه, ما سلكه معلم البشرية ونفذه من طرق تربوية لن يفشل في تربيته وستؤتي تجربته أكلها, فكراً وسلوكاً وفقهاً.

يقول سيد قطب "إنني أؤمن بقوة المعرفة, وأؤمن بقوة الثقافة, ولكني أؤمن أكثر بقوة التربية". إن ما يتلقاه الطفل في هذه السن يحفر أخاديد في تلافيف دماغه ويصاحبه إلى أن يكبر, فيكون ما تلقاه الإنسان في سني عمره الأولى تصدر عنها تصرفاته المستقبلية, فلا نغفل عن إكساب أبنائنا الأدب.
قال الإمام القرافي في كتاب الفروق "واعلم أن قليل الأدب خير من كثير العمل".
وقال رويب لابنه : "اجعل علمك ملحاً وأدبك دقيقاً" أي استكثر من الأدب حتى تكون نسبته في الكثرة نسبة الدقيق إلى الملح في العجين. لذلك فإن دراسة السيرة في التربية النبوية للطفل جانب هام وحيوي, على المربي الفطن أن يدركه بفكر راجح ونظر عميق ليعدّل من سلوكه في تربية أولاده.
يقول محمود الطحان "لفت أنظار المسلمين إلى أنه يوجد منهج نبوي متكامل التربية للطفل مستقى من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته المطهرة ولأنه لا حاجة للمسلمين أن يستوردوا النظريات التربوية من رجالات الملاحدة أو غير مسلمين وفي سنة نبيهم ما يغني من ذلك كله".

■ هل الضرب إفلاس تربوي ؟
من الطبيعي أن المربي الذي لا يستطيع الأخذ بيد من يربيه, ولا يتخذ الوسائل الكفيلة بتربيته, ويركز كل همّه في أن يقوم بتفريغ الطاقة الغضبية التي سبَبها عجزه الواضح في معالجة أخطاء الطفل, دون تبصر بالواقع النفسي لمن يقوم بتربيته, تعلن عن إفلاس رصيده التربوي, فالتربية في ديننا علم وموهبة وفن، علم وخبرة : يتعلمها المربي من كتب العلم ومن تجارب الآخرين ومن تجاربه الشخصية.
موهبة : تجعل المربي أقدر على تربية وتوجيه إنسان آخر.
فن : يطبق به العلم الذي تعلمه بصورة صحيحة تناسب حالة المتربي الذي أمامه.

■ ليعلم الجميع أن التأديب ضرورة تربوية تهذيبية وهذا نعني ضرورة يقظتك أخي المربي وفهم طبيعة طفلك حال التعامل معه, واختيار نوع العقوبة وطريقتها. وإذا لاحظنا كيفية تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال نجد أن السنة حفلت بكثير من التعامل التربوي والتفاعل الحيوي في مواقف عدة. ويمكن أن نقسمها إلى قسمين تسهلاً لاستيعابها :
● أولاً : أشياء فعلها فيجب الاقتداء به فيها منها على سبيل المثال :
1- الاهتمام بتربيتهم والرفق في تعلمهم وأمرهم وقد تجلى هذا في بيت النبوة وفي كنف الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كانت يد الصبي عمر بن أبي سلمة تطيش في الصحفة على مائدته صلى الله عليه وسلم فقال له المربي الأول عليه السلام : يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك قال عمر فما زالت تلك طعمتي بعد. رواه البخاري من فقه الحديث أنه صلى الله عليه وسلم استخدم معه.
أ - التنبيه فقال يا غلام, فما عنفه أو طرده.
ب - التعليم فقال سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك.
ج - تصحيح السلوك مدى حياته, قال عمر فما زالت تلك طعمتي فصارت عادة له, وواظب عليها.
2 - رحمته بهم قوله صلى الله عليه وسلم "من لم يرحم صغيرنا فليس منا".
3 - يأكل معهم فقد نصح عمر بن أبي سلمة بآداب الطعام فقال "يا غلام سم الله .." الحديث.
4 - تقبيلهم حيث قبل الحسين بن على وعنده الأقرع بن حابس.
5- يمازحهم ويقدم لهم الهدايا ويسابق بينهم ويكرمهم يقول أحد علماء النفس "إن محبة الكبار للطفل عنصر هام في نموه نمواً سوياً فالشخص يضل طيلة حياته تواقاً إلى اليقين بأنه مرغوب فيه, وبأنه ينتمي إلى جماعة معينة ويستطيع الاعتماد عليها" لذا ينبغي على المعلم والمربي أن يستفيد من هذه الدروس والتطبيقات التربوية التي قدمها النبي صلى الله عليه وسلم, فما أحوج كل مرب إلى التحلي بها والاستفادة من المواقف العظيمة ؟

● ثانياً : الأساليب الغليظة المؤلمة لنفوس الأطفال وأجسادهم :
فكان أبعد الناس عنها فلم يحتج إليها طيلة حياة فكان بحق الرحمة المهداة ونذكر جملة منها :
1- الابتعاد عن كثرة اللوم والعتاب : ما كان صلى الله عليه وسلم يكثر العتاب على تصرفات الأطفال أو يلجأ إلى كثرة التوبيخ والتأنيب, فهذا أنس رضي الله عنه يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين متوالية فيصف تربيته صلى الله عليه وسلم (فما كان يقول لي لشيء فعلته لم فعلته, ولا لشيء لم أفعله لم لمْ تفعله) وهذا الأسلوب يبهر العقول السليمة ويأخذ بلباب الطفل, يقول الإنبابي "ولا تكثر عليه الملامة في كل وقت, فإنه يهون عليه الملامة وركوب القبائح".
2- عدم التسلط عليهم بالضرب والقسوة في المعاملة : وذلك كي يشب الأولاد أسوياء صافية قلوبهم, سليمة من الحقد على من حولهم ولا يكونوا كذبة غششت, فيخسروا أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم.
3- عدم التجسس على الولد وفضحه وهتك ستره إذا أخطأ يقول الغزالي في (إحياء علوم الدين ج 3 ص 70) (ولا يهتك ستره لا سيما إذا ستره الصبي, واجتهد في إخفائه, فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة).
4- لا يغضب : قال النووي رحمه الله "تكرار النبي الوصية بترك الغضب, دليل ظاهر في عظم مفسدة الغضب وما ينشأ عنه".

هذه هي أخلاق النبوة من فعلها وصل إلى قمة التربية والتأثير, ولم يحتج معها إلى تهور وتهديد, وإن أنسى لا أنسى قيمة صلاح الوالدين وأثره على الأبناء وهما القدوة الحسنة للطفل الناشئ كما قال تعالى : (ذرية بعضها من بعض) قال سعيد بن المسيب : إني الأصلي فأذكر ولدي, فأزيد من صلاتي, فصلاح الوالدين ودعائهما للولد, له أثر كبير على نفس الطفل مما يشاهده من طيب المعاملة والتربية بالقدوة الحسنة, وعكس ذلك تماماً فساد الوالدين وسوء عشرتهما وفساد أخلاقهما, مؤذن بفساد الولد والعياذ بالله, فكيف يصلح الولد ويستقيم, والمربي لم يأخذ بمنهج الإسلام الغني في تربيته ونظامه في إصلاح نفسه وتكوين الأبناء وإعدادهم ؟
كيف نقنن الضرب في العملية التربوية التأديب من العبادات التي أمر الله بها في قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نار) قال على بن أبي طالب علموهم وأدبوهم, وله دور في تعديل السلوك وتوجيهه فقد ثبت بسند صحيح "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أبا بكر رضي الله عنه وهو يضرب غلاما له, فتبسم ولم ينكر عليه" فضرب الولد وتأديبه عند الحاجة جائز.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله "والعناية بأهل البيت، لا تغفل عنهم يا عبدالله، عليك أن تجتهد في صلاحهم، وأن تأمر بنيك وبناتك بالصلاة لسبع، وتضربهم عليها لعشر، ضرباً خفيفاً يعينهم على طاعة الله، ويعودهم أداء الصلاة في وقتها، حتى يستقيموا على دين الله ويعرفوا الحق، كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" انتهى ملخصاً ـ مجموع فتاوى ابن باز (6/46)، فيجب أن تؤدى وفق الضوابط الشرعية التي وردت بها الشريعة الإسلامية.

■ تعال أخي المربي لنقف مع هذه العبادة نفقه ضوابطها ونستن بسنة مشرعها فمن ذلك :
1- التأديب ليس عملاً انتقامياً وإنما هدفه تربوي, ووسيلته تربوية, يقول الكاساني في بدائع الفوائد "إن الصبي يعزر تأديباً لا عقوبة, لأنه من أهل التأديب والتهذيب" وهذا يقتضي يقظة الوالدين والمربين في تعاملهم مع الطفل, وفهم طبيعته, واختيار نوع العقوبة, وطريقتها (المنهج النبوي في تربية الطفل ـ عبدالباسط محمد).
2- الدور المهم للعقوبة أن يفهم المعاقب أن "لا" تعني أن توقِف السلوك ولا تتمادي فيه, فسوف يدرك المربي أنه لا حاجة لعقوبات شديدة, أما إذا كنت تستخدم عقوبات شديدة فإنك تستخدمها لغاية ليست هي المقصود.
3- العقوبة لا تؤتي أثرها إلا إذا كانت نادرة, فإذا كثرت أصبح لدى الطفل مناعة ضدها.
4- يجب أن يراعي المربي حالته النفسية بألا تكون العقوبة ناجمة عن الغضب حتى لا يشعر الطفل أنها ظالمة.
5- ضرورة التدرج في التأديب, فيبدأ بعدم التشجيع, ثم الإعراض عنه, وإعلامه بعدم الرضا عنه, ثم الزجر والعبوس, ثم الهجر والمقاطعة, ثم حرمانه من محبوبات فالعقوبات النفسية أشد أثرّا على الطفل من العقوبات البدنية.
6- من الأطفال من تكفيه الإشارة البعيدة ومنهم من لا يردعه إلا الغضب, ومنهم من يكفيه التهديد ومنهم من لابد من تقريب العصا, ومنهم بعد ذلك فريق لابد أن يحس لذع العقوبة على جسمه حتى يستقيم, ويكون هو الوسيلة الأخيرة في العقاب, فإن تعود الطفل عليه وألفه عند كل خطأ يقع فيه, فإنه لن يصبح له تأثير فيه بعد ذلك. وأقول إن خير اختبار لجدوى عقوبة ما, هو أن نرقب ما يترتب عليها من نتائج, فإذا أدت إلى تغيير سلوك الطفل, دون أن تترك فيه آثاراً نفسية أو بدنية, فهي عقوبة ناجحة, وإن أدت إلى تحدي أو سلوك أسوأ مما كان عليه فمن المؤكد أنها عقوبة فاشلة.
7- فإذا لم تجد العقوبات النفسية, وتمادى الطفل, ولم يعد يأبه بها جاز للمربي أن يستخدم الضرب كعقوبة رادعة له, فإن العقوبة إذا جاءت في الوقت المناسب أي بعد اقتراف الذنب مباشرة وبالضوابط الشرعية, فإنها تكون نافعة ومجدية للطفل غير ضارة به.
فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم (بتعليق السوط في البيت) رواه البخاري في الأدب المفرد. وتعليق السوط يردع الطفل ويزجره, ويجب على المربي ألا يلطم الوجه كما ورد ذلك النهي بذلك في صحيح مسلم ولا يقبحه فيقول قبح الله وجهك لورود النهي الصريح وغيرها من الألفاظ المشابهة في القبح, وألا يكون الضرب مبرحاً أي موجعاً فقد اتفق الفقهاء على أن الضرب بالسوط ينبغي أن يصيب الجلد فقط ولا يعدو إلى اللحم فكل ضرب يقطع اللحم ويجرحه أو ينزع الجلد فمخالف لحكم القرآن, ومن المؤدبين من يخالف حكم الله ويبلغ حد الجنون, يمارس الرفس واللكم واللطم وشق الجلد وإسالة الدم من كل أنحاء الجسم, إضافة إلى الكلام البذيء.
إن الاستمرار في الضرب بهذه الحالة تعد جريمة بحق الطفل, وهو دليل على التشفي وحب الانتقام من هذا الطفل المسكين, الذي وقع في الظلم, تحت يد المربي الظالم.