من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. المصطفى رحيب.
إجمالي القراءات : ﴿5487﴾.
عدد المشــاركات : ﴿5﴾.

الدور الذي تضطلع به مراكز الإنصات المدرسي.
■ الأدوار التي يضطلع بها منشطو مراكز الإنصات، دعماً للتوافق المدرسي.
ارتأيت أن أخصص هذا المقال لمعالجة موضوع ذو أهمية بالغة في تعزيز الاتجاه نحو المصاحبة والمواكبة التي تتخذ من الأندية والمراكز المفتوحة داخل إعدادياتنا، وثانوياتنا، في إطار المواكبة والتجديد الذي يطال الحياة المدرسية داخل هذه المؤسسات، كما يمكن أن نسمي هؤلاء المتطوعون من الأساتذة، أو المختصين في تنشيط هذه المراكز والأندية بالمسهلين والميسرين، للتحولات، والتغيرات التي تعتري التلاميذ داخل مدارسهم الثانوية، أو الإعدادية من اضطرابات سلوكية، وحالات تغير سواء، على المستوى النمائي أو السيكولوجي، وتبقى المقاربة الناجعة هي فتح العلاقة داخل فضاء المدارس، ونهج المقاربة الأدائية التي يتفيأها كل العاملين في هذا الإطار، والتي تسعف في الوصول لتدبير حقيقي للحياة المدرسية، دون الخلط الذي أصبح لدى الكثيرين، لا بد من إرساء المفاهيم لدى البعض ممن يتصور أن دور المنشط للأندية الاجتماعية في المدرسة هو دور ثانوي بل هناك من يذهب إلى أبعد من ذلك فيعتقد أن دورهم قد انتهى في ظل الانفتاح والعولمة والتطور العلمي والتكنولوجي وأنه آن الأوان لأن يتغير هذا الدور ! ولكننا جميعاً نعي أن لمنشط الأندية دوراً رائداً وفعالاً في مدارسنا، بل إنه يمثل حلقة الوصل بين هيئات الإدارة ،وهيئة التدريس، من جهة وبين الإدارة والتلاميذ وأسرهم من جهة، كما أنه يعمل وفق برنامج حامل لحقوق الإنسان، والتربية على المواطنة، في شقه التفاضلي، عملاً على إشاعة ثقافة الحق في أبعاده الإيجابية، ووفق برنامج محدد يستهدف الدعم النفسي والاجتماعي والتربوي، لمواصلة تحمل مسؤوليات هامة تفرضها عليهم طبيعة ومهام العمل، فلم يعد دوره اعتباطيا، بل تأسس من خلال التواجد المتخصص والمشخص، والمقوم والمعالج، لا يقتصر قصراً على النصح والوعظ والإرشاد، بل تعداه لكي يصبح دوراً ريادياً اجتماعياً، وتتبعيا، يستعمل الإنصات، ويطور الوسائل والتقنيات القمينة بتحصين التلاميذ، فهم يوجدون في كل مساحات المدرسة بتمظهراتها وألوانها المختلفة، وفي كل نشاطاتها، بل هم يكرسون جل تدخلاتهم نحو مواكبة الحالات التي تستحق المتابعة والمصاحبة، في جو مفعم بالتفهم للطبيعة السيكولوجية، والعلاقة الاجتماعية التي ينبغي أن تسود، مسترشدة ومعززة في أحيان كثيرة وجزء كبير من تدخلاتهم ضمن نادي الإنصات، للمتابعة وحل المشاكل حتى خارج أسوار المدرسة، وكذا بالانفتاح على المتابعة في الوسط الأسري مع الآباء والأمهات، خصوصاً إذا كان الأبناء متعثرين أومتسربين، أو في طريق التسرب، وصولاً لتوجس كل المعيقات، والمسببات حتى يستطيعوا تجنبها، وإيجاد الحلول من خلال معرفة سلوك المتسربين خارج المدرسة، وإعداد البرامج التي يسلك من خلالها المنشط ما يعيق التلميذ (ة)، سواء أكان في وضعية أو مشكلة أسرية، أو خائفاً أو مريضاً، أو بسبب ضغوط نفسية أو مادية قاهرة طارئة تقض مضجعه، أملاً في إيجاد حل لمشاكل التلاميذ وإن كانت وسط إمكانيات تحد من عطائه الكامل، ويحاول انتشال التلميذ من المواقف السلبية التي تظهر عليه في مساره الدراسي عاملاً على تقدمه في تخطي المراحل الحرجة المؤدية للتعثر الدراسي.
منشط النادي المخصص للإنصات والدعم الاجتماعي، هو عصب المدرسة لأنه يعمل على تهيئة الجو التربوي ومساعد المدرسة في تحقيق رسالتها التربوية والتعليمية وتقويم سلوك التلاميذ بالمجتمع المدرسي.
ودوره الفعلي يبدأ مع بداية العام الدراسي حيث يقوم بمساعدة التلاميذ على التكيف مع الهيئة المدرسية وتوعيتها بضرورة الانسجام مع مكونات الحياة المدرسية وبنظام المدرسة ومساعدتها على الاستفادة من البرامج التربوية والتعليمية وتشبعها بالقيم الاجتماعية لدى التلميذة وتنميتها في شعورها، مثل الانخراط في المنظومة القيمية العالمية والانتماء للقيم الوطنية، ومكونات الهوية المغربية في أبعادها الإسلامية والعربية، والجهوية. كما تهتم برعاية الظروف الاجتماعية للتلاميذ والتلميذات والعمل على وقايتهم من أسباب الانحراف والاهتمام بالتوعية والتوجيه المدرسي، ورعاية المتفوقين والموهوبين واكتشاف مواهبهم وتنمية قدراتهم، وتوفير فرص للتواصل الهادف من خلال إشراك الأسر في معيقات العرض المدرسي، ومكونات التوافق والصحة النفسية والاجتماعية المدرسية.

لذا فتواجد الأخصائي في المدرسة له ضرورة قصوى وغيابه، أو عدم إشراكه في بناء المجتمع المدرسي له تأثير كبير على التلاميذ، وسير العملية التربوية يسعى إلى توثيق عرى العلاقة في إطار من الترابط بين الإدارة المدرسية والأسرة، حيث يكتمل دورهما في تربية وتعليم الأبناء. فالعديد من المجالات التي تربط وشائج التواصل والتشاور بين الأسرة والمدرسة فمن مثل اجتماعات مجالس الأمهات والآباء ومشاركة الأسرة في الأنشطة والبرامج المختلفة في فضاء المدرسة، من خلال عدد من المناسبات المدرسية والأخذ بآراء وأفكار الآباء والأمهات، ولا يقف دوره عند هذا الحد بل هناك خدمات متعددة يقدمها الأخصائي للتلاميذ، والتلميذات في مجال الخدمات الفردية، والخدمات الجماعية والمناسباتية منها : بحث الحالات الفردية وتقديم التوجيه والتصحيح من خلال أسلوب الإقناع وفي المواقف اليومية السريعة والالتزام بمبادئ خدمة الفرد في جو من السرية والعلاقة المهنية. وتوجيه التلميذات، والتلاميذ ورعايتهم في أوقات الامتحانات يساهم في التخفيف من القلق والتوتر والعمل على استحداث وتكوين الجماعات المبتكرة التي تناسب احتياجات التلميذات والتلاميذ في هذه المرحلة العمرية .. واستثمار الجماعات في علاج بعض المشكلات السلوكية لتعديل السلوك في الاتجاه الإيجابي، وكذلك الانخراط في المجالس المدرسية، كمجلس التدبير مثلاً مساهمة للانخراط في الحياة المدرسية، وتشجيعاً للمدرسة على أداء رسالتها مثل مجلس الأساتذة والمجلس التربوي - مجلس الأمهات والآباء - .. الخ ويقوم الأخصائي بأمانة سر هذه المجالس ودعم الصلة بين المدرسة والبيئة الخارجية وما بها من مؤسسات.
والأخصائي هو مكون يساهم في تطوير الأداء المدرسي، فهو الذي يساعد على اكتشاف المهارات وتنميتها وتضع الخطط والأساليب التي تساعد على، تجاوز مظاهر التعثر، وبلوغ مستويات من الاستقرار النفسي، لزرع الأمل في نفوس المضطربين، كما يمكنها أن تساهم في تثبيت مظاهر التفوق لذا فئة الموهوبين، وتسعى إلى تعزيز كل ما يغني التفوق الدراسي والمساعدة على التنظيم والتركيز، سالكاً كل السبل والاستراتيجيات لأهم قواعد النجاح بعيداً عن الإجهاد النفسي والشخصي، وتدليل كل الصعوبات لمن يجد الصعوبة في التكيف مع الحياة المدرسية، أو يعرف إيقاعه التعليمي اضطرابات تعيق التحصيل العلمي، وهنا يكمن دور الأخصائي في مساعدة التلاميذ والتلميذات للوقوف على الأسباب الحقيقية لعدم تمكن البعض منهم من التحصيل العلمي ووضع خطة ناجعة للمساعدة في اجتياز المراحل الدراسية بشكل يمكن من التجاوب، والتوافق الدراسي، نزوعاً نحو تحقيق نتائج إيجابية كل حسب حالته وإمكانياته الذاتية، من هنا لابد للجميع أن يعي هذه الأدوار الهادفة في شموليتها لتحصين الحياة المدرسية، وتطوير الأداء داخله في جو يطبعه الالتزام والتوازن النفسي والسلوكي، مما يساهم في إرساء دعائم مدرسة، ذات جودة، تنشد التجويد في أداءاتها، ومن نافلة القول أن المدرسة المغربية في خضم الإصلاح المنشود تعزز هذا من خلال خلق مراكز للإنصات والتتبع، وخلق الأندية المتعددة، والانخراط الفعلي في هذه الأندية، سواء من طرف المتطوعين من الأخصائيين، أو ممن يقترب تخصص مادتهم الدراسية من التخصص، كأساتذة الفلسفة، أو ممن يلمس في نفسه، وله خبرة ودراية بسيكولوجية المراهقة، والذي سينعكس لا محالة على السلوك التربوي السائد لدى ناشئتنا، كما أنه سيحقق نجاحاً في تمثل التلاميذ لمجموعة من القيم الإيجابية التي تساهم في تحصين الإنسان المغربي داخل حياته ـ المدرسية والاجتماعية ـ من الظواهر السلبية التي يمكن أن تنتابه من خلال الاختراقات الإعلامية، والتيارات المتطرفة، والمشوشة على مسار حياته، حتى لا يصبح عرضة للانحراف والتطرف، كما أن موازاة باقي المؤسسات الاجتماعية للنهج الذي تسلكه المدرسة في آفاق تحصين وتمنيع ناشئتها، قد (يعزز ـ ويرسخ) ثقافة (الحقوق ــ الواجبات) نحو الذات والغير ونحو الوطن في إيجابية متناهية قلما يصيبها الاختلال أو تحذق بها تيارات الانحراف رغم بعض الإكراهات التي تبقى ظرفيتها غير ذات جدوى.
كما أن تطوير سلوك التلميذ المواطن المندمج في حياته المدرسية والاجتماعية، لا يصل إليه بالانتساب لنادي التربية على المواطنة، أو لنادي التربية على البيئة، أو غيره، بل يأتي من خلال القابلية والتحفيز على المبادرة، والاستقلال الذاتي، لأنها من أهم المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها الأنشطة دون هدر للوقت، التي تتفيأ بناء الذات مع اعتماد التثقيف بالعمل دون النظير، لما له من دور أساس، يتمثل في توجيه التلاميذ الأقران نحو وضعيات يستبطنون فيها القيم والمهارات والاتجاهات، فيسهل تعلمهم، من خلال منح أعضاء المجموعة المنخرطة مسؤولية أكبر لمواجهة الحياة، وذلك بجعلهم قادرين على اتخاذ القرارات، ومواجهة المشكلات بفضل المشاركة الواعية التي انخرطوا فيها داخل النادي، بل وداخل الحياة المدرسية ككل، فينتظم الفضاء المدرسي مع الاستعانة بطبيعة الحال لمرجعيات تؤسس النوادي، والتي يمكن استخلاصها في عدد من المراحل المتعددة فنحصي من خلالها مبادئ متعددة : كالمساواة، العمل في فريق، معالجة النزاعات، تغيير السلوك بين الأقران والرفع من مستوى التلاميذ في مجال الاتصال، وتواصل الأندية فيما بينها تجنباً للمعيقات التي من شأنها تميز الأداء داخل الأندية وإعمالاً للتدبير القيمي الذي نتوق جميعاً لنشره بين تلامذتنا ومدارسنا المغربية.