من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : زهير محمد مليباري.
إجمالي القراءات : ﴿2852﴾.
عدد المشــاركات : ﴿15﴾.

المتسللون إلى الفن التشكيلي.
■ التجريد وما أدراك ما التجريد اتجاه فني تلوكه ألسنة وأدوات المشتغلين بالحركة التشكيلية لتعبر عن شطحاتهم وتجسد خلجاتهم ترقى بأفكارهم عن عامة الناس، واضعين نصاب أعينهم التجريد كفن يستخرج الماهيات ذهنياَ من المحسوسات المادية والدلالات الواقعية المستخدمة في تسجيل العمل الفني كعناصر بنائية مألوفة في الواقع إلى الأمور الكلية والشاملة التي تعبر عنها ولا تتشابه معها تماماَ. أي : الاهتمام بماهية الشكل الواقعي والتعرف على أسراره عن طريق ما تترجمه أحاسيسهم وتأملاتهم الفكرية ورؤيتهم التشكيلية عن هذا الواقع.

فالعمل الفني ليس تسجيل للواقع وإنما هو الواقع نفسه في لحظات إبداعية عن أصالة الفنان ذاته ورؤية عميقة لها أبعد شاملة لهذا الواقع، ويأتي التجريد في الفن التشكيلي كميزة فنية لها عمقها المذهبي، واتجاه تشكيلي يصوغ العناصر الواقعية والأشكال المحسوسة بصورة لها واقعية تؤكد على صفتها الكامنة فيها، وتكشف عن مدلولات جديدة لها، فهو أعمق في التعبير وأصدق في نقل المشاعر والخلجات النفسية إلى العالم المرئي، ولهذا يكاد يكون الفنانون المحدثون كلهم تجريديين لهذا السبب.

إن هذا يجعل نفراَ قليلاَ من غير الفنانين يخوض نوعاَ من الشخبطات الأدائية الخارجة عن أي مدلولات حسية أو فلسفات فكرية أو أطروحات واقعية، واجدين في التجريد منفذاً رحباَ لهتراتهم وعبثهم، وسلماَ يتسللون به ردهات المعارض وصالونات الفن التشكيلي غير عابئين بما يفعلونه من إجحاف أو تشويه لما هو فن، محطمين بهذا كل القيم الفنية والبناءات التشكيلية للعمل الفني، فلا تجد في شخبطاتهم ما يثير فضول المتلقي وحيرة المشاهد أو تأملات الناقد والفنان، بل على العكس فهي تدمر الانفعالات وتقشعر الأحاسيس وتشمئز منها النفوس وترسم بهذا انطباعا غير جيد عن الفن التشكيلي لدي عامة الناس، وفهماَ خاطئاَ عند المهتمين بالحركة التشكيلية وجواَ مفعماَ بالتقزز وعدم الارتياح، من كل ما هو جديد في هذا المجال، دون أن يعبأ هؤلاء المتسللون بما جنوه على أنفسهم أولاَ، وعلى الثقافة الفنية ثانياَ وعلى استهتارهم بالمشاهد ثالثاَ غير أن وعي هؤلاء الثقافي لا يخلو عن فهم عام غير متخصص للتجريد، مستغلين سر غموضه عند الأكثرية الساحقة ليلهوا شخبطاتهم في ساحات الفن التشكيلي.

والتجريد في الفن أما نسبي أو مطلق فليس هناك فن يخلو من التجريد ولكن نسبة التجريد عن الواقع تتفاوت، فالفن السريالي أشد تجريداَ عن الفن الواقعي أو الكلاسيكي، والفن التكعيبي أشد تجريداَ عن السريالي أو النييف (الفن الساذج) ولكن جميع هذه الاتجاهات والمدارس الفنية يمكن التعرف على عناصرها الواقعية وعلى بنائها التشكيلي، وبالتالي قراءة ما بداخله يكون بكل يسر وسهولة، رغم المبالغات والحذف والإضافة على المعطيات الفنية واشتقاقاتها الواقعية ومدلولاتها الحسية، حاملة في جنباتها تأملات إبداعية وثقافات اجتماعية وفلسفات فكرية، تحظى بانتباه الناقد وتدغدغ أحاسيس الفنان وتطرب وعي المشاهد والمتلقي.