من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : طارق يسن الطاهر.
إجمالي القراءات : ﴿4706﴾.
عدد المشــاركات : ﴿78﴾.

اللوم في الشعر العربي.
■ مما ورد كثيرا في الشعر العربي موضوعُ اللوم، ومرادفاته و درجاته، وقد نهى معظم الشعراء مَن يخاطبونهم مِن محبوبة أو صديق عن اللوم في شعرهم، وتبارى الشعراء في الحديث عنه.
اللوم، من الفعل لام يلوم لومًا أي عذله، وهو لائم، والمبني للمجهول منه لِيم.
وألَامَ فلانٌ أتى بما يستوجب اللوم، فهو مليم (المعجم الوسيط ط4 ص 847).
ومنه قوله تعالى عن يونس عليه السلام: "فالتقمه الحوت وهو مُليم" [الصافات 142]، وكذلك عن فرعون وقومه: "...فنبذناهم في اليم وهو مليم" [الذاريات 40].
ومن مرادفات اللوم أو قل درجاته كلمات كثيرة، وهذا من ثراء اللغة العربية؛ حيث تتدرَّج حسب حجم الخطأ أو فداحة الجرم الذي اقترفه الآخر، ومنها العتاب واللوم والعذل والتأنيب والتوبيخ والتقريع...

أتناول هنا نماذج من الشعر تناولتِ اللوم بمرادفاته أو درجاته، ومن ذلك قول الشاعر ابن زريق البغدادي في قصيدة موجعة، كتبها يخاطب فيها زوجته، بعد أن ترك موطنه الأصلي بغداد متجها إلى بلاد الأندلس؛ بحثا عن الرزق، ثم العودة لها، لكن الحظ لم يسعفه؛ فمرض في الأندلس واشتد مرضه، فمات هناك.
√ يقول مخاطبا زوجته ومتحدثا عن نفسه :
لا تعذلِيه فإنَّ العذل يُولِعُهُ • • • قد قلتِ حقًّا ولكن ليس يسمعُهُ
جاوزتِ في لومه حدًّا أضرَّ به • • • من حيث قدَّرتِ أنَّ اللوم ينفعه

هنا وردت كلمتا اللوم والعذل.

وعن كلمة العذل نجد المثل المشهور: "سبق السيف العذل" ويقال هذا المثل للإنسان الذي يحاول أن يغيِّر أمراً قد وقع، أو لمن يراجع أمرا معينا دون جدوى أو فائدة مما يفعل، أي أن الأمر انقضى وانتهى، فلا مجال للوم أو التعديل.

√ وإلى قصيدة أخرى من عيون الشعر العربي، وهي لعبد يغوث الشاعر الجاهلي اليماني الفارس، ويخاطب اثنين متوَهَّمَين كعادة الشعراء القدامى، كما فعل امرؤ القيس الذي قال:
قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل • • • بسقط اللوى بين الدخول فحومل


√ يقول عبد يغوث :
أَلا لا تَلوماني كَفى اللَومَ ما بِيا • • • وما لَكُما في اللَوم خَيرٌ وَلا ليا
أَلم تعلما أَنَّ الملامةَ نفعُها • • • قليل وما لومي أَخي من شِمالِيا

هنا ينهى عن اللوم، ويبين ضرر الملامة، وقلة نفعها، ويقول إن لوم الأخ ليس من شِماله، ولا من صفاته.

√ وإلى شاعر العربية الأكبر أبي الطيب المتنبي؛ حيث يقول:
مَلومُكُما يَجِلُّ عنِ المَلامِ • • • ووَقعُ فَعالِهِ فَوق الكلامِ

يتحدث عن نفسه، مخاطبا اثنين مفترَضيْنِ أيضا، ويقول- بأنفته المعهودة- إنه أرفع من أن يلومه أحد؛ لأنه لا يأتي ما يستوجب اللوم، لأنه يفعل ولا يقول.

√ وإلى بشار بن برد الشاعر العباسي الضرير الذي ينهى عن العتاب ويرى أنه مدعاة لأن يدمر العلاقات بين الأصدقاء:
إذا كنت في كل الأمور معاتبا • • • صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

بمعنى أن كثرة العتاب يجعلك واحدا لا صديق له، ويبيِّن أن الخطأ وارد بين الأصدقاء، وأن الصديق يخطئ ويصيب:
فعش واحدا أو صل أخاك • • • فإنه مقارف ذنب مرّةً ومجانبه


√ وهذا سعيد بن حميد حيث ينصح بالإقلال من العتاب، فالناس تفترق والحياة لا تستقيم لأحد:
قلل عتابك فالبقاء قليل • • • والدهر يعدل تارة ويميل


√ ثم لأبي فراس الحمداني رأيٌ آخر:
أَيا ظالِما أَمسى يُعاتِبُ مُنصِفا • • • أَتُلزمُني ذَنبَ المُسيءِ تعجرُفا
بدأتُ بتنميقِ العتابِ مخافةَ الـ • • • عِتاب وذِكري بِالجفا خَشية الجفا


√ وأتوقف هنا مع البردتين، فهذا الإمام البوصيري الذي يقول في بردته:
يا لائمِي في الهوى العُذرِيِّ معذِرَة ً• • • منِّي إليكَ ولو أنصفتَ لم تلُمِ
فينادي مَن يلومه في الهوى العذري • • • ويقول له لو كنت منصفا ما لمتني


√ وهنا شوقي وهو يعارضها يلتقط المعنى ببراعة ويضيف عليه:
يا لائمي في هواه والهوى قدَرٌ • • • لو شفَّك الوجد لم تعذل و لم تلمِ


√ وهنا ينحو بنا أبو نواس المتفرد منحًى مغايرا حين يقول:
سأعطيكِ الرضـا وأَموت غمّا •=• وأسكت لا أَغُمُّكِ بِالعتابِ
عهدتُكِ مرَّةً تنوينَ وَصلي •=• وأنتِ اليوم تهوَين اجتنابي
وغَيَّركِ الزَّمانُ، وكُلُّ شيءٍ •=• يَصيرُ إِلى التغيُّرِ والذَهابِ
فإنْ كان الصَّـوابُ لديكِ هجري •=• فَعَمَّاكِ الإلَهُ عَنِ الصَّوابِ

√ ولكن قد يعاتبُ أحدٌ أحدًا دون تثبت، ويكون المعاتَب بريئا غير مذنب، كما قال الشاعر:
لعل له عذرا وأنت تلوم • • • وكم لائم قد لام وهْو مليم


√ وقال دعبل الخزاعي في المعنى نفسه وبصياغة قريبة:
تأنَّ ولا تعجل بلومك صاحبًا • • • لعل له عذرًا وأنت تلوم


وقال الأحنف في المعنى نفسه: رُبَّ ملوم لا ذنب له.

√ وأكَّد ذلك عبدالله بن المقفع حين قال:
فلا تلمِ المرء في شأنه • • • فربَّ ملومٍ ولم يذنبِ


√ وقريب منه ما قاله طرفة، مستنكرا اللوم ومتعجبا:
فمالي أراني وابن عميَ مالكا •=• متى أدْنُ منه ينأ عني ويبعدِ
يلوم وما أدري علام يلومني •=• كما لامني في الحي قرط بن معبدِ
وَأيأَسني من كلِّ خير طلبتُه •=• كأنّا وضعناهُ إِلَى رَمْسِ مُلحَدِ
على غيِر ذنبٍ قلتُهُ غيرَ أَنّنِي •=• نَشدْتُ فلم أغفِلْ حَمُولَةَ مَعْبَدِ