
د. يحيى علي الزهراني
عدد المشاركات : ﴿8﴾
التسلسل الزمني : 1438/02/01 (06:01 صباحاً)
عدد القراءات : ﴿4341﴾
سَدُّ معاوية : ما هو مشروعك العمري ؟
◄ من أمام سَدٍّ عتيق، مُوغر في القِدم، شهِدتْ حجارتُه على زمن بنائه، ونقوش صخره على مَن أمر ببنائه، إذ يعود بك التاريخُ للعام 54 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، حين أمر الخليفة معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه - ببناء هذا السد في محافظة الطائف، في طول قارب الستين مترا، وعرض جاوز الأربعين، حيث ستسير الركبان، وتجري الأقلام، من ضفّة السد.
رغم أن مياه السد الحالية قليلة، إلا أن بقاء الماء فيه حياة له، ولمن بجواره من المخلوقات، الساكنة والعابرة، والتي وعلى مر العصور سيذهب حسناتهم لمَن بنى، وشارك، وأشار، ودعم، وأعان في بناء سد عبد الله – معاوية بن أبي سفيان -، سيما والحكومة السعودية – وفقها الله – قد عملت على ترميمه وتسويره بما يطيل عمره، ولستُ الآن على يقين من تاريخ السد سوى ما رأيته في الصخر المنحوت فيه خبرُه، إلا أن كاتب النبي صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، ورحمه، إذ أُخته أُم المؤمنين أم حبيبة – رضي الله عنها - زوج النبي صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، قد هيّج القلَم نحو العلَم، فمَن هو صاحب مشروع السد؟
إن الخليفة معاوية – رضي الله عنه – قبل أن يكون قائدا، وحكيما، وفصيحا، وشُجاعا، كان صحابيا، وكفى بها منزلة، أمير المؤمنين، وأحد الفاتحين العظماء، الذي اتسع في عهده الإسلام، وبلغت حدود إمارته المحيط، وهو أول مسلم ركب بحر الروم للغزو، اتسعت دائرة إمارته نحو المغرب، والشمال حتى القسطنطينية، توسّم فيه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إمارة الدهاء والخلافة، فكان يقول إذا رآه: هذا كسرى العرب، فيما نقله الإمام الذهبي – رحمه الله تعالى –.
وبعد، فمعاوية – رضي الله عنه – أجرى الخيرَ على الناس والخلائق، فذهب معاويةُ، وبقي الأثرُ بعد معاوية، ولك أن تتصور كم من شربة ماء، أو ظل شجر، أو ثمرة، أو منفعة ذهب أجرها لمعاوية، من ماء حفظه للمخلوقات، في أرض هي في أمس الحاجة لماء، وأي مخلوق لا يحتاج للماء؟
اعلم علّمك الله ويسّر لك الخير، أن مشروعات الخير كثيرة، ومتاحة، وأن الدلالة على الخير، وفتح أبوابه للناس توفيقٌ من الله تعالى للعبد، واستعمالٌ له في الطاعة، وكم من عملٍ بناه صاحبه، أو أمر ببنائه، أو أشار، أو كتب لـِمَن يهمه الأمر به، فمات الأول وبقي العمل، وجرى الأجر.. فتأمل.
وفي الحياة اليومية، كم نحتاج لمثل سدّ معاوية – رضي الله عنه -، كم نحتاج لمشروعات وأعمال، يُراد منها أن تنفع مجتمعا، بل أُمّة، ليأتي صاحب المشروع والمبادرة بحسنات ليس لها أوّل ولا آخر، تجري كجري الأنهار، يتعجّب منها صاحبها، ويسأل: أكل هذا لي؟ وما ذلك على الله بعزيز إذا صلحت النية، وخلُص القصد.
ولا تذهب بعيدا، فسدُّ معاوية له في زمننا أمثال، وأنداد، فمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بطابة.. أليس نهرا جاريا بالحسنات؟ وإذاعة القرآن الكريم في المملكة أليست نهرا جاريا بالحسنات؟ قل لي بربّك مَن دلّ على هذه الطرق، وفتح للناس أبواب الخير؟ ومَن أمر، ودعم، وأعان، وأحسن توظيف الطاقات؟ أليسوا شركاء في الأجر؟
لا تذهب بعيدا، فلدى الأمة عشرات السدود من أمثال سد أمير المؤمنين معاوية، فقد رأيتَ وترى أن فكرة جهاد ودحر الفرس في يمن الإيمان، مشروعاً للأمة جمعاء، وأن الملك سلمان والأمير محمد قد عمِلا خيرا في قرار أغاظ الكفار، ودحر الأشرار.
إن مشروع سد معاوية – رضي الله عنه – له اليوم أمثال وأقران، فأنت ترى الحرم في توسعات الدولة السعودية – وفقها الله -، وترى المطاف والمسعى، والمزدلفة ومنى، والجمرات.. أليستَ مشروعات عظيمة؟ أليست منجزاتها كفتِ المسلمين ما كانوا يلقونه من مشقة وزحام وتدافع، وحر وعطش؟
إننا اليوم لنرى عشرات المشروعات، كأمثال سد أمير المؤمنين في تعدِّ الخير، أليست سلسلة الطرق المرصوفة والممهدة مشروعات عظيمة؟ ألم تُوفّر الوقت والجهد والمال على السالكين والسائرين؟ وانظر حفظك الله لتلك المشافي، والمدارس، ومراكز الخدمات التي تنتشر هنا وهناك! بل وتخدمك وتخدم نفسَك وأنت في بيتك وعُقر دارك! أليست هذه مشروعات تستحق الذكر والشكر؟
لا تذهب بعيدا، فقد تكون أنت صاحب السد، وأنت صاحب الذكر الطيب، والنهر الجاري، فما الذي يمنعك أن تُبادر للخير، وتستبق الخيرات، فأمتك بحاجة لك، ولعقلك، وعلمك، ومالك، ولك أنت، فأنت أنت، فلماذا لا تكون صاحب السد؟
وكم في الأمة من ذوي الهمم العالية، والمقاصد النبيلة، من صغار السن، والشباب، وذوي الشيبة، أمَ تراهم في حلقات الشيخ الحافظ يحيى اليحيى، يستبقون لحفظ السنة؟ أما تراهم في برامج البناء العليم مع الشيخ صالح العصيمي يرحلون ويغتربون؟ أما تراهم يرتقون المستويات، ويحفظون النظم والمنثورات في حلقات الشيخ عبدالمحسن القاسم؟ أما تراهم وعبر الأثير، ومن أصقاع الأرض وهم مع الشيخ عامر بهجت يحفظون، ويُراجعون، ويتدربون؟ والشيخ معهم صبحا ومساء؟ يسألهم، ويتابعهم؟ ويتلمّس هممهم، ويُشجّع أعرجهم، ويدفع آخرهم؟
ومن السدود مَن يحرس الثغور، ومنهم مَن يقوم على المرضى، ومنهم مَن يرد قذائف العدو، ومنهم من يُحلّق في الجو، ومنهم مَن يسبح في البحر، ومنهم مَن تسلّق الجبل؛ يرصد إغارة العدو، ويرقب تقدّمه.. فما أعظم أجور هؤلاء!
هي سُدود وليست سدًّا واحدا، فالأمة لا يُراد منها أن تزدحم في خندق واحد؟ فالسد يشترك في بنائه وإنشائه طوائف وأمم، منهم مَن لا يُباشر العمل، وربما لم ير السد أصلا، بعضهم بماله، وثان بقلمه، وثالث بزنبيله، ورابع بطعامه، وخامس بسقائه، وسادس بدعائه...
إن الأجور ليستْ محصورة بين حيطان المسجد فحسب، فإذا اجتمعت الأمة في المسجد، فمَن يُطعمهما ويسقيها، ومَن يحرسها ويحميها، ومَن يقوم على مصالحها.. فرُبّ طبيب أو مهندس أو بنّاء جمع الخير كله، وفاز بأجر السدّ، حين عمِلَ بإخلاص وجِدّ.
في الحياة اليومية، نحتاج لمثل معاوية – رضي الله عنه – كمبادر وصاحب مشروع، وهدف مشروع يسعى للوصول إليه، بناء المجتمع المسلم يبدأ منك أنت، فبصلاحك فيه يصلح عضو فاعل في المجتمع، وإذا صلحتَ فالمرجو أن يصلح معك زوجُك، وبصلاحكما سيصلح الأولاد، فتكسبان أجر نفسيكما، وما ملكت أيديكما، فتكونون لَبِنَةً صالحة في المجتمع، تبني الخير، وتدل عليه، بها يُعرّف الخير، ومنها يشع النور، كالقمر في السماء، والشمس في رابعة النهار..
في حياتنا اليومية، كل يغدو، ومعاوية – رضي الله عنه – سبقنا إلى الرب الكريم، والجواد، الرحيم، ولا تزال أعماله الصالحة شاهدة له ما بقيت قائمة، فقُلْ لي بربّك: ماذا قدّمتَ؟ وكيف ستعبر لدار الآخرة، وأنت لم تتزود بمثل ما تزود به معاوية؟
بين يديك تجارة رابحة، وكنز قلّ مَن يفطن إليه، وينتبه له، إنها فتنةٌ، وهم زينة، وهم نهرك من العمل الصالح إن صلحوا، الاستثمار الحقيقي فيهم، ومعهم تكون قد شيّدتَ سدًّا كما بنى معاوية – رضي الله عنه سدًّا – إنهم أولادك، إنهم بنوك وبناتك، فهل أحسنت تربيتهم، وهل قمت على صلاحهم، وفلاحهم؟ هل راقبت الله فيهم؟ أي طريق سلكوا؟ وأي صاحب لزموا؟ وأي جليس جلسوا؟
تعجبُ أشد العجب! ممَّن بدد أوقاته، وأضاع عمره وأيامه، طلبا لمال يفنى، أو كنز يبلى، وترك أو أضاع ما هو أولى وأحرى، وأطيب وأزكى، وأي شيء أحب للمرء من ثمرة فؤاده، وفلذة كبده، تالله إن صاحب البنات والبنين لمغبون بما هو فيه من الخير الموعود، وأنت ترى سرعة تصرّم الأيام، وانقضاء الأعوام، وترى المخبِر مُخبَرا، والطبيب مريضا، والعليل صحيحا، فاشفق على نفسك، وتداركْ ما بقي، فقد يكون الباقي أقل من الماضي.
واعلم أن التربية على نهج الإسلام هي معترك الأقوام، فرُبَّ فتاة آثرتْ بيتها خوفا على دينها، وصونا لإيمانها، تفر من الفتن، متمسِّكة بحجابها.. لها أجر خمسين من الصحابة، ورُبّ أُمٍّ تعلو في درجات الجنة، علا ذِكرُها في السماء، ونادى منادٍ باسمها لأهل الأرض: أن أحِبُّوا فلانة.. وتُوضع لها محبة الخلق، فلا يسمع بالتزامها أحدٌ إلا دعا لها، وبارك فيها وفي تربيتها، وقد والله، سمعنا ورأينا من الأخوات والأمهات، المؤمنات الصادقات، العفيفات المحتجبات، مَن تقر بمثلهن العيون، وتطمئن القلوب، فكم والله يا فتاة الإسلام جاءتهن الدعوات ممن لا يعلمهم إلا رب الأرض والسموات.. فكُوني منهن، وأبشري بالخير العاجل، والثواب الآجل، بُشراك بالجنة في الآخرة، والرفعة في الدنيا، وتذكري: {ومَن يتّقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.. ومَن يتق الله يجعل له من أمره يُسرا.. ومَن يتق الله يُكفِّر عنه سيئاته ويُعظِم له أجرا}، واعلمي أنهن في سورة نساء الصغرى، فاصبري واستمري، واحتسبي الأجر.
إن الأجر الأعظم، والمقام الأرفع ليكون من نصيب مَن وفقه الله، ورُزق الإخلاص، والصدق مع الله.. فإن كُنا لا نعرف السدّ إلا بمعاوية – رضي الله عنه – فقد يكون مَن لا نعرفه هو الأوفى أجرا، والأعظم ذِكرا في السماء، وما يُدريك! ولا يعني ذلك الحط من منزلة الصحابي الجليل معاوية، بل قد يسبق الريالُ الواحد الألوف بل عشرات منها، فافطَنْ – وفقك الله – لما أريد، واحفظ وصية محب، فإن الدال على الخير كفاعله، نعم. قد تدل غيرَك على خير، فيكون له السبق في العمل، بماله، وجاهه.. ويُخالط نيته ما قد يحط من أجر ذلك العمل أو يُذهبه، فالرياء داء، والإخلاص يحتاج لدواء، والله المستعان.
إن سدود الأُمة تحتاج للهمة، والهمة كامنة، ويُراد أن تبزغ قبل الفجر؛ ليستيقظ الجيلُ والأمة تعمل، وتُنتج، وتعتمد على نفسها، في جميع أمورها..
إن مشروعك – أيها المبارك – لا يزال ينتظر ساعة الصفر، ولحظة الانطلاق، وليس ثمة مبررات للتأخير أو التأجيل، فقد استوى على سُوقه، فما الذي يعوقه؟ هل تنتظر مرضا مُقعِدا؟ أو فقرا مُنسيا؟ أو شُغلا مُطغيا؟ أو موتا مُفزِعا؟
إن لديك مشروعات وليس مشروعا واحدا، فابدأ من حيث ترى نفسك، وحاجة مجتمعك، ووطنك وأمتك، فالجميع ينتظر منك الكثير، فلا مزيد للتأخير.
إنه لأمر محزنٌ أن تظل إمكاناتك وثرواتك في معزِل، أو غياهب منزِل! فابرُز للنور فرحيل الشمس تختفي معه معالمُ الأرض، وبشروقها يعود للنظر ماؤه وبهاؤه..
هذا وإن من أعظم مشروعات الأمة الحالية والمستقبلية هي في استثمار الجيل، ورعايته، والعناية به، وتوجيهه.. فهل من مشمِّر لهذا المشروع العظيم؟
والله يتولاني وإياك بحفظه ورعايته.
د. يحيى علي الزهراني.
■ هل تُعطي وزارةُ التعليم الأمانَ لمعلميها ؟!
■ التربية بين الكواسر والحواسر.
■ الاستثمار في أيام.
■ سَدُّ معاوية : ما هو مشروعك العمري ؟
■ المخاطر التربوية للتقنيات الحديثة ووسائل التواصل وحلول مقترحة لمواجهتها.
■ الموهبة بين ممارساتنا التدريسية وأنشطتنا المتنوعة.
■ قصيدة : في وداع جامعة.
■ قصيدة : يا قدس ! هذي بلادي دعتكم يوم فرقتكم.
◄ من أمام سَدٍّ عتيق، مُوغر في القِدم، شهِدتْ حجارتُه على زمن بنائه، ونقوش صخره على مَن أمر ببنائه، إذ يعود بك التاريخُ للعام 54 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، حين أمر الخليفة معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه - ببناء هذا السد في محافظة الطائف، في طول قارب الستين مترا، وعرض جاوز الأربعين، حيث ستسير الركبان، وتجري الأقلام، من ضفّة السد.
رغم أن مياه السد الحالية قليلة، إلا أن بقاء الماء فيه حياة له، ولمن بجواره من المخلوقات، الساكنة والعابرة، والتي وعلى مر العصور سيذهب حسناتهم لمَن بنى، وشارك، وأشار، ودعم، وأعان في بناء سد عبد الله – معاوية بن أبي سفيان -، سيما والحكومة السعودية – وفقها الله – قد عملت على ترميمه وتسويره بما يطيل عمره، ولستُ الآن على يقين من تاريخ السد سوى ما رأيته في الصخر المنحوت فيه خبرُه، إلا أن كاتب النبي صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، ورحمه، إذ أُخته أُم المؤمنين أم حبيبة – رضي الله عنها - زوج النبي صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، قد هيّج القلَم نحو العلَم، فمَن هو صاحب مشروع السد؟
إن الخليفة معاوية – رضي الله عنه – قبل أن يكون قائدا، وحكيما، وفصيحا، وشُجاعا، كان صحابيا، وكفى بها منزلة، أمير المؤمنين، وأحد الفاتحين العظماء، الذي اتسع في عهده الإسلام، وبلغت حدود إمارته المحيط، وهو أول مسلم ركب بحر الروم للغزو، اتسعت دائرة إمارته نحو المغرب، والشمال حتى القسطنطينية، توسّم فيه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إمارة الدهاء والخلافة، فكان يقول إذا رآه: هذا كسرى العرب، فيما نقله الإمام الذهبي – رحمه الله تعالى –.
وبعد، فمعاوية – رضي الله عنه – أجرى الخيرَ على الناس والخلائق، فذهب معاويةُ، وبقي الأثرُ بعد معاوية، ولك أن تتصور كم من شربة ماء، أو ظل شجر، أو ثمرة، أو منفعة ذهب أجرها لمعاوية، من ماء حفظه للمخلوقات، في أرض هي في أمس الحاجة لماء، وأي مخلوق لا يحتاج للماء؟
اعلم علّمك الله ويسّر لك الخير، أن مشروعات الخير كثيرة، ومتاحة، وأن الدلالة على الخير، وفتح أبوابه للناس توفيقٌ من الله تعالى للعبد، واستعمالٌ له في الطاعة، وكم من عملٍ بناه صاحبه، أو أمر ببنائه، أو أشار، أو كتب لـِمَن يهمه الأمر به، فمات الأول وبقي العمل، وجرى الأجر.. فتأمل.
وفي الحياة اليومية، كم نحتاج لمثل سدّ معاوية – رضي الله عنه -، كم نحتاج لمشروعات وأعمال، يُراد منها أن تنفع مجتمعا، بل أُمّة، ليأتي صاحب المشروع والمبادرة بحسنات ليس لها أوّل ولا آخر، تجري كجري الأنهار، يتعجّب منها صاحبها، ويسأل: أكل هذا لي؟ وما ذلك على الله بعزيز إذا صلحت النية، وخلُص القصد.
ولا تذهب بعيدا، فسدُّ معاوية له في زمننا أمثال، وأنداد، فمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بطابة.. أليس نهرا جاريا بالحسنات؟ وإذاعة القرآن الكريم في المملكة أليست نهرا جاريا بالحسنات؟ قل لي بربّك مَن دلّ على هذه الطرق، وفتح للناس أبواب الخير؟ ومَن أمر، ودعم، وأعان، وأحسن توظيف الطاقات؟ أليسوا شركاء في الأجر؟
لا تذهب بعيدا، فلدى الأمة عشرات السدود من أمثال سد أمير المؤمنين معاوية، فقد رأيتَ وترى أن فكرة جهاد ودحر الفرس في يمن الإيمان، مشروعاً للأمة جمعاء، وأن الملك سلمان والأمير محمد قد عمِلا خيرا في قرار أغاظ الكفار، ودحر الأشرار.
إن مشروع سد معاوية – رضي الله عنه – له اليوم أمثال وأقران، فأنت ترى الحرم في توسعات الدولة السعودية – وفقها الله -، وترى المطاف والمسعى، والمزدلفة ومنى، والجمرات.. أليستَ مشروعات عظيمة؟ أليست منجزاتها كفتِ المسلمين ما كانوا يلقونه من مشقة وزحام وتدافع، وحر وعطش؟
إننا اليوم لنرى عشرات المشروعات، كأمثال سد أمير المؤمنين في تعدِّ الخير، أليست سلسلة الطرق المرصوفة والممهدة مشروعات عظيمة؟ ألم تُوفّر الوقت والجهد والمال على السالكين والسائرين؟ وانظر حفظك الله لتلك المشافي، والمدارس، ومراكز الخدمات التي تنتشر هنا وهناك! بل وتخدمك وتخدم نفسَك وأنت في بيتك وعُقر دارك! أليست هذه مشروعات تستحق الذكر والشكر؟
لا تذهب بعيدا، فقد تكون أنت صاحب السد، وأنت صاحب الذكر الطيب، والنهر الجاري، فما الذي يمنعك أن تُبادر للخير، وتستبق الخيرات، فأمتك بحاجة لك، ولعقلك، وعلمك، ومالك، ولك أنت، فأنت أنت، فلماذا لا تكون صاحب السد؟
وكم في الأمة من ذوي الهمم العالية، والمقاصد النبيلة، من صغار السن، والشباب، وذوي الشيبة، أمَ تراهم في حلقات الشيخ الحافظ يحيى اليحيى، يستبقون لحفظ السنة؟ أما تراهم في برامج البناء العليم مع الشيخ صالح العصيمي يرحلون ويغتربون؟ أما تراهم يرتقون المستويات، ويحفظون النظم والمنثورات في حلقات الشيخ عبدالمحسن القاسم؟ أما تراهم وعبر الأثير، ومن أصقاع الأرض وهم مع الشيخ عامر بهجت يحفظون، ويُراجعون، ويتدربون؟ والشيخ معهم صبحا ومساء؟ يسألهم، ويتابعهم؟ ويتلمّس هممهم، ويُشجّع أعرجهم، ويدفع آخرهم؟
ومن السدود مَن يحرس الثغور، ومنهم مَن يقوم على المرضى، ومنهم مَن يرد قذائف العدو، ومنهم من يُحلّق في الجو، ومنهم مَن يسبح في البحر، ومنهم مَن تسلّق الجبل؛ يرصد إغارة العدو، ويرقب تقدّمه.. فما أعظم أجور هؤلاء!
هي سُدود وليست سدًّا واحدا، فالأمة لا يُراد منها أن تزدحم في خندق واحد؟ فالسد يشترك في بنائه وإنشائه طوائف وأمم، منهم مَن لا يُباشر العمل، وربما لم ير السد أصلا، بعضهم بماله، وثان بقلمه، وثالث بزنبيله، ورابع بطعامه، وخامس بسقائه، وسادس بدعائه...
إن الأجور ليستْ محصورة بين حيطان المسجد فحسب، فإذا اجتمعت الأمة في المسجد، فمَن يُطعمهما ويسقيها، ومَن يحرسها ويحميها، ومَن يقوم على مصالحها.. فرُبّ طبيب أو مهندس أو بنّاء جمع الخير كله، وفاز بأجر السدّ، حين عمِلَ بإخلاص وجِدّ.
في الحياة اليومية، نحتاج لمثل معاوية – رضي الله عنه – كمبادر وصاحب مشروع، وهدف مشروع يسعى للوصول إليه، بناء المجتمع المسلم يبدأ منك أنت، فبصلاحك فيه يصلح عضو فاعل في المجتمع، وإذا صلحتَ فالمرجو أن يصلح معك زوجُك، وبصلاحكما سيصلح الأولاد، فتكسبان أجر نفسيكما، وما ملكت أيديكما، فتكونون لَبِنَةً صالحة في المجتمع، تبني الخير، وتدل عليه، بها يُعرّف الخير، ومنها يشع النور، كالقمر في السماء، والشمس في رابعة النهار..
في حياتنا اليومية، كل يغدو، ومعاوية – رضي الله عنه – سبقنا إلى الرب الكريم، والجواد، الرحيم، ولا تزال أعماله الصالحة شاهدة له ما بقيت قائمة، فقُلْ لي بربّك: ماذا قدّمتَ؟ وكيف ستعبر لدار الآخرة، وأنت لم تتزود بمثل ما تزود به معاوية؟
بين يديك تجارة رابحة، وكنز قلّ مَن يفطن إليه، وينتبه له، إنها فتنةٌ، وهم زينة، وهم نهرك من العمل الصالح إن صلحوا، الاستثمار الحقيقي فيهم، ومعهم تكون قد شيّدتَ سدًّا كما بنى معاوية – رضي الله عنه سدًّا – إنهم أولادك، إنهم بنوك وبناتك، فهل أحسنت تربيتهم، وهل قمت على صلاحهم، وفلاحهم؟ هل راقبت الله فيهم؟ أي طريق سلكوا؟ وأي صاحب لزموا؟ وأي جليس جلسوا؟
تعجبُ أشد العجب! ممَّن بدد أوقاته، وأضاع عمره وأيامه، طلبا لمال يفنى، أو كنز يبلى، وترك أو أضاع ما هو أولى وأحرى، وأطيب وأزكى، وأي شيء أحب للمرء من ثمرة فؤاده، وفلذة كبده، تالله إن صاحب البنات والبنين لمغبون بما هو فيه من الخير الموعود، وأنت ترى سرعة تصرّم الأيام، وانقضاء الأعوام، وترى المخبِر مُخبَرا، والطبيب مريضا، والعليل صحيحا، فاشفق على نفسك، وتداركْ ما بقي، فقد يكون الباقي أقل من الماضي.
واعلم أن التربية على نهج الإسلام هي معترك الأقوام، فرُبَّ فتاة آثرتْ بيتها خوفا على دينها، وصونا لإيمانها، تفر من الفتن، متمسِّكة بحجابها.. لها أجر خمسين من الصحابة، ورُبّ أُمٍّ تعلو في درجات الجنة، علا ذِكرُها في السماء، ونادى منادٍ باسمها لأهل الأرض: أن أحِبُّوا فلانة.. وتُوضع لها محبة الخلق، فلا يسمع بالتزامها أحدٌ إلا دعا لها، وبارك فيها وفي تربيتها، وقد والله، سمعنا ورأينا من الأخوات والأمهات، المؤمنات الصادقات، العفيفات المحتجبات، مَن تقر بمثلهن العيون، وتطمئن القلوب، فكم والله يا فتاة الإسلام جاءتهن الدعوات ممن لا يعلمهم إلا رب الأرض والسموات.. فكُوني منهن، وأبشري بالخير العاجل، والثواب الآجل، بُشراك بالجنة في الآخرة، والرفعة في الدنيا، وتذكري: {ومَن يتّقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.. ومَن يتق الله يجعل له من أمره يُسرا.. ومَن يتق الله يُكفِّر عنه سيئاته ويُعظِم له أجرا}، واعلمي أنهن في سورة نساء الصغرى، فاصبري واستمري، واحتسبي الأجر.
إن الأجر الأعظم، والمقام الأرفع ليكون من نصيب مَن وفقه الله، ورُزق الإخلاص، والصدق مع الله.. فإن كُنا لا نعرف السدّ إلا بمعاوية – رضي الله عنه – فقد يكون مَن لا نعرفه هو الأوفى أجرا، والأعظم ذِكرا في السماء، وما يُدريك! ولا يعني ذلك الحط من منزلة الصحابي الجليل معاوية، بل قد يسبق الريالُ الواحد الألوف بل عشرات منها، فافطَنْ – وفقك الله – لما أريد، واحفظ وصية محب، فإن الدال على الخير كفاعله، نعم. قد تدل غيرَك على خير، فيكون له السبق في العمل، بماله، وجاهه.. ويُخالط نيته ما قد يحط من أجر ذلك العمل أو يُذهبه، فالرياء داء، والإخلاص يحتاج لدواء، والله المستعان.
إن سدود الأُمة تحتاج للهمة، والهمة كامنة، ويُراد أن تبزغ قبل الفجر؛ ليستيقظ الجيلُ والأمة تعمل، وتُنتج، وتعتمد على نفسها، في جميع أمورها..
إن مشروعك – أيها المبارك – لا يزال ينتظر ساعة الصفر، ولحظة الانطلاق، وليس ثمة مبررات للتأخير أو التأجيل، فقد استوى على سُوقه، فما الذي يعوقه؟ هل تنتظر مرضا مُقعِدا؟ أو فقرا مُنسيا؟ أو شُغلا مُطغيا؟ أو موتا مُفزِعا؟
إن لديك مشروعات وليس مشروعا واحدا، فابدأ من حيث ترى نفسك، وحاجة مجتمعك، ووطنك وأمتك، فالجميع ينتظر منك الكثير، فلا مزيد للتأخير.
إنه لأمر محزنٌ أن تظل إمكاناتك وثرواتك في معزِل، أو غياهب منزِل! فابرُز للنور فرحيل الشمس تختفي معه معالمُ الأرض، وبشروقها يعود للنظر ماؤه وبهاؤه..
هذا وإن من أعظم مشروعات الأمة الحالية والمستقبلية هي في استثمار الجيل، ورعايته، والعناية به، وتوجيهه.. فهل من مشمِّر لهذا المشروع العظيم؟
والله يتولاني وإياك بحفظه ورعايته.

■ هل تُعطي وزارةُ التعليم الأمانَ لمعلميها ؟!
■ التربية بين الكواسر والحواسر.
■ الاستثمار في أيام.
■ سَدُّ معاوية : ما هو مشروعك العمري ؟
■ المخاطر التربوية للتقنيات الحديثة ووسائل التواصل وحلول مقترحة لمواجهتها.
■ الموهبة بين ممارساتنا التدريسية وأنشطتنا المتنوعة.
■ قصيدة : في وداع جامعة.
■ قصيدة : يا قدس ! هذي بلادي دعتكم يوم فرقتكم.